كيف أعالج نفسي من الحِقد والكراهية؛ إذ إنّي أحقد على أشخاص عدّة، ولا أستطيع أن أنسى، وإنّما يبقى في ذاكرتي، أذكرهم بخير والشرّ حسب الموقف وأتجنب مقابلتهم والتحدّث معهم، وزيارتهم والرد على اتّصالاتهم، علماً أنّي على قطيعة مع بعضهم منذ سنوات بسبب الحِقد من تصرفاتهم.
كيفية معالجة الحِقد من القلب:
ذكر العلماء عدداً من الأمور التي ينبغي على الإنسان القيام بها؛ حتّى يستطيع إزالة الحِقد وآثاره من قلبه إن وُجِد، وحتّى يستطيع طرده من قلبه إذا حاول التسلُّل إليه، ومن أهمّ تلك الأمور ما يأتي:
- المواظبة على الدُّعاء؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. (الحشر: آية١٠).
- صيام الأيّام النّوافل والسُّنَن من كلّ شهر، مثل: صوم الأيّام البِيض، والاثنين والخميس؛ وذلك لِما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): "صومُ شهرِ الصَّبرِ وثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ يُذهِبْنَ وَحرَ الصَّدرِ". (الحر العاملي،وسائل الشيعة:ج١٠،ص٤٢٤).
ويُقصَد بلفظة (الوحر) الواردة في الحديث: الحِقد، والغيظ.
-إفشاء السلام؛ فإنّ لإفشاء السلام علاقةً بانتشار الحُبّ بين النّاس وإزالة الحِقد والبغضاء من قلوبهم، لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَولا أدلّكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". (هادي النجفي، موسوعة أحاديث أهل البيت:ج٥،ص١٦٣).
- التّواضُع، فلين الجانب والتّواضع يجعلان العلاقة بين المسلمين قائمةً على الاحترام والمحبّة، فينتفي بينهم الحِقد والتّباغُض.
- الصَّفح والعِتاب؛ فالعتاب الذي يكون قائماً على إظهار ما أخطأ به المرء والصّفح يوضّحان أسباب الخطأ أو الاعتذار عنه، وبالتالي منع تشكُّل الأحقاد القلبيّة.
- الهديّة، فإنّ للهديّة أثراً في نفي الحِقد؛ حيث تدلُّ على المحبّة والتّآلُف بين المُهدِي والمُهدَى إليه، وقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "تهادَوْا تحابُّوا". (البروجردي، جامع أحاديث الشيعة:ج١٧،ص٤٢٠).
- تذكُّر فضل الحِلم، وأجره، وقيمة الحليم في المجتمع المُسلِم خصوصاً، وأثر ذلك في سلامة القلب، وقد قال الله سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم (عليه السّلام) داعياً أن يؤتيه الله قلباً سليماً خالياً من الحِقد والبغض: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. (الشعراء: آية٨٧ -٨٩).
- قراءة سِيَر الأئمة (عليهم السلام)؛ للاتّعاظ بها والاعتبار من أثر سيرتهم العطرة، ومن ذلك ما نقله المؤرخون عن حِلم الإمام الحسن (عليه السلام) وحكمته إذ: "اجتاز على الإمام شخص من أهل الشام، ممَّن غذّاهم معاوية بالكراهية والحقد على آل البيت، فجعل يكيل للإمام السبّ والشتم، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته، وبعد فراغه التفت الإمام، فخاطبه بناعم القول، وقابله ببسمات فياضة بالبِشْرِ، قائلاً: أيّها الشيخ: أظنّك غريباً؟ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك. وما زال يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشرّ من نفسه، حتى ذهل ولم يطق ردّ الكلام، وبقيَ حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام وكيف يمحو الذنب عنه! وطفق يقول: اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته". (القرشي، حياة الإمام الحسن: ص٣١٤).
- ذِكر الموت في كلّ حال؛ فإنّ ذِكر الموت يُرقِّق القلب، ويجعله يُقبل على الآخرة، ويُدبر عن الدُّنيا، ممّا يُزيل منه الحِقد والحَنَق والغيظ على الآخرين، وقد رُوِي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "أكثروا ذكر الموت، فإنّه ما أكثر ذكر الموت إنسان إلّا زهد في الدنيا". (المجلسي، بحار الأنوار:ج٨٢،ص١٦٨).
- الصَّدقة؛ فالصّدقة تجلو النّفس وتُزكِّيها، وتجعلها مُقبلةً على الخير، مُدبرةً عن الشرّ، ويُظهِر ذلك قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. (التوبة: آية١٠٣).