( 22 سنة ) - العراق
منذ سنتين

البداء والرجعة

ما هو تفسير البداء و الرجعة عند الإمامية؟


معني البداءلغة واصطلاحاً عقيدتنا في البداء البداء في الإنسان أن يبدوله رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه، إذ يحدث عنده ما يغير رأيه و علمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، و ذلك عن جهل بالمصالح و ندامة علي ما سبق منه. البداء: علي زنة السلام بمعني الظهور. قال في المصباح المنير: «بدا يبدو بدواً: ظهر، فهو باد، و يتعدي باهمزة، فيقال: أبديته ـ إلي أن قال: ـ و بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أولاً، والإسم: البداء مثل السلام». وقال في المفردات: « بدا الشيء بدواً و بداءً أي ظهر ظهوراً بيناً. قال الله تعالي: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ الزمر: ۴۷. و حكي عن الشيخ الطوسي ـ قدّس سرّه ـ أنه قال في العدة: «البداء حقيقة في اللغة هو الظهور، و لذلك يقال: بدا لنا سور المدينة و بدا لنا وجه الرأي» و حكي عن الشيخ المفيد ـ قدّس سرّه ـ أنه قال في تصحيح الاعتقاد: «والأصل في البداء هو الظهور ـ إلي أن قال:ـ و معني قول الإمامية بدا له في كذا، أي ظهر له فيه، و معني ظهر فيه أي ظهر منه» و عليه فظهور الرأي بالخصوص علي خلاف الرأي السابق و تبدله، ليس داخلاً في حاق لفظ البداء؛ لإمكان أن يتصور البداء لنفس الشيء، بأن يظهر نفسه بعد خفائه، كما أن المراد من اللآية التي استدل بها في المفردات هو كذلك، فإن ما بدا لهم هو نفس ما لم يكونوا يحتسبون، كما يمكن أن يتصور البداء بظهور الشيء بعد عدمه، كظهور الموت بعد الحياة و بالعكس، و مرجع الظهور في الفرضين إلي الظهور منه تعالي للناس مطلقاً سواء كان موتاً أو حياةً أو أجراً أو غير ذلك. بالبداء لا يختص يتبدل الرأي و ظهوره علي خلاف الرأي السابق مع اقترانه بالندامة كما هو المصطلح عند العامة، بل هو مصداق من مصاديق الظهور فالبداء اعم من تبدل الرأي، لما عرفت من أنه هو الظهور كما اختاره الشيخان ـ قدّس سرّهما ـ و صرح به المصباح المنير و المفردات، و مما ذكر يظهر ما في البحار حيث قال: «اعلم أنه لما كان البداء ـ ممدوداً ـ في اللغة بمعني ظهور رأي لم يكن، يقال: بدا الامر بدواً: و بدا له في هذا الأمر بداء، أي نشأ له فيه رأي، كما ذكره الجوهري، فلذلك يشكل القول بذلك في جناب الحق تعالي. انتهي موضع الحاجة منه». لما عرفت من أن البداء في اللغة لا يختص بتلك الصورة، و قول الجوهري لا ينافي سائر أقوال اللغويين؛ لأنه فسره بأحد مصاديقه، مع أن الآخرين صرحوا بأعمية البداء من ذلك، و لم يشترطوا فيه تبدل الرأي و الندامة، هذا مضافاً إلي أن كلا المعنيين مذكوران في عبارته كما لا يخفي، و علي ما ذكر فإن أراد المصنف بقوله: «البداء في الانسان ـ الخ» تفسير البداء بذلك و اختصاصه به، ففيه ما عرفت من عدم اختصاصه به، و إن أراد بذلك ذكر مصداق من مصاديقه. والبداء بهذا المعني يستحيل علي الله تعالي؛ لأنه من الجهل و النقص، و ذلك محال عليه تعالي، ولا تقول به الإمامية. قال الصادق ـ عليه السلام: «من زعم أن الله تعالي بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم» و قال أيضاً: «من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه» و إمكانه في حق الإنسان و استحالته في حقه تعالي فلا ايراد عليه. و كيف كان، فلا وجه بعد ما عرفت من أعمية البداء في اللغة، لحمل أخبار الشيعة التي تدل علي مطلوبية البداء، علي البداء المحال كما سيأتي إن شاء الله توضيحه. هذا الأخبار و نظائرها تدل علي استحالة البداء بالمعني الاصطلاحي عند الشيعة أيضاً و ذلك لأن التغير و التبدل في الرأي و الندامة، حاكٍ عن الجهل و هو نقص لا سبيل له إليه تعالي، لانه تعالي عين الكمال و عين الفعلية، ولم يقل أحد من الشيعة بالبداء بالمعني المذكور المحال. بل صرح في الأخبار باستحالتة، و من جملتها أن اليهود سألوا عن النبي ـ صلّي الله عليه و آله ـ «يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلي بيت المقدس حتي نقلك إلي الكعبة؟ فقال رسول الله ـ صلّي الله عليه و آله: ما بدا له عن ذلك، فإنه العالم بالعواقب، و القادر علي المصالح، لا يستدرك علي نفسه غلطاً، ولا يستحدث رأياً يخالف المتقدم. جل عن ذلك، ولا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده، و ليس يبدو، و إلاّ لما كان هذا وصفه، و هو عزّوجلّ متعال عن هذه الصفات علواً كبيراً. ثم قال لهم رسول الله ـ صلّي الله عليه و آله: أيها اليهود، أخبروني عن الله أليس يمرض، ثم يصح ثم يمرض، أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي و يميت، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ فقالوا: لا، قال: فكذلك الله تعبّد نبيه محمداً بالصلاة إلي الكعبة، بعد أن تعبّده بالصلاة إلي بيت المقدس، و ما بدا له في الأول ـ الحديث الشريف» (بحار الأنوار: ج۴ ص۱۰۶) و حاصله أن البداء التشريعي كالبدا‌ء التكويني، فكما أن في البداء التكويني ما بدا شيء له تعالي، لأنه العالم بالعواقب، بل بدا منه لغيره، كذلك في البداء التشريعي. و أما البداء بمعناه الآخر من ظهور الشيء منه تعالي للغير، علي خلاف ما تقتضيه المقتضيات الغير التامة و المعدات، فلا استحالة فيه؛ لأنه لا ينافي علمه به و إرادته به من الأزل، و هو أمر واقع في النظام العالمي المادي الذي لا يخلو عن التزاحم بين المقتضيات، و من المعلوم أن الواقع لا يقع إلاّ لكونه ممكناً، فلا مجال لدعوي استحالته بعد الوقوع. قال العلاّمة الطباطبائي ـ قدّس سرّه ـ في ذيل قوله تعالي: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ ما حاصله: «أنما البداء هو ظهور أمر منه تعالي ثانياً، بعد ما كان الظاهر منه خلافه أولاً، فهو محو الأول و إثبات الثاني، والله سبحانه عالم بهما جميعاً، و هذا مما لا يسمع لذي لب إنكاره، فإن للاُمور و الحوادث وجوداً بحسب ما تقتضيه أسبابها الناقصة، من علة أو شرط أو مانع ربما تخلف عنه، و وجوداً بحسب ما تقتضيه، أسبابها و عللها التامة، و هو ثابت غير موقوف ولا متخلف ـ إلي أن قال: و علي أي حال ظهور أمر أو إرادة منه تعالي، بعد ما كان الظاهر خلافه واضح لا ينبغي الشك فيه، و الذي أحسب أن النزاع في ثبوت البداء، كما يظهر من أحاديث أئمة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ و نفيه كما يظهر من غيرهم، نزاع لفظي، و لهذا لم نعقد لهذا البحث فصلاً مستقلاً علي ما غير أنه وردت عن أئمتنا الأطهار ـ عليهم السلام ـ روايات توهم القول بصحة البداء بالمعني المتقدم، كما ورد عن الصادق ـ عليه السلام ـ «ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني» و لذلك نسب بعض المؤلفين في الفرق الإسلامية، إلي الطائفة الإمامية، القول بالبداء، طعناً في المذهب و طريق آل البيت، و جعلوا ذلك من جملة التشنيعات علي الشيعة. هو دأب الكتاب، و من الدليل علي كون النزاع لفظياً، استدلالهم علي نفي البداء عنه تعالي بأنه يستلزم التغير في علمه، مع أنه لازم البداء بالمعني الذي يفسر به البداء فينا، لا البداء بالمعني الذي يفسره به الإخبار فيه تعالي» (تفسير الميزان: ج۱۱ ص۴٢۰) فالبداء علي قسمين: أحدهما محال كما تدل عليه الأدلة العقلية، و جملة من الروايات الواردة عن طرق أهل البيت ـ عليهم السلام ـ و هو الذي مقرون بتبدل الرأي و الندامة، و ثانيهما ممكن واقع، و هو ظهور الأشياء علي خلاف المقتضيات و المعدات، كموت شخص صحيح المزاج الذي لا يتوقع موته، و شفاء مريض لا يتوقع برؤه، و هذا الظهور بالنسبة إلينا، و أما بالنسبة إليه تعالي، فلا خفاء، بل علمه من الأزل. و بتعبير آخر فهو ظهور منه خفاء، لا ظهور له تعالي، والمحال هو الظهور له، لا الظهور منه لنا. فالبداء المحال هو التبدل و التغير في ناحية علمه الذاتي، و هو الذي لا يقول به أحد من الشيعة، و أما التبدل و التغير في ناحية فعله تعالي، سواء كان تكوينياً أو تشريعياً، فلا مانع منه، بعد كونه معلوماً له بأطرافه، و هو الذي اعتقده الشيعة به، و ورد الروايات المتعددة للترغيب نحو الايمان به؛ لأنه يوجب أن يرجو أو يخاف تبدل شيء و تغيرة و يعمل بمقتضاه علي الدوام. و الصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالي في محكم كتابه المجيد: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ و معني ذلك أنه تعالي قد يظهر شيئاً علي لسان نبيه، أو وليه، أو في الظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر اولاً، مع سبق علمه تعالي بذلك، كما في قصة إسماعيل لما رأي أبوه إبراهيم أنه يذبحه. فيكون معني قول الإمام ـ عليه السلام ـ أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في اسماعيل ولده، إذ اخترمه قبله، ليعلم الناس أنه ليس بإمام و قد كان ظاهر الحال أنه الإمام بعده؛ لأنه أكبر ولده ولا يخفي عليك أن روايات الباب علي طوائف: منها تدل علي نفي البداء بالمعني المصطلح عند العامة، كما أشار المصنف إلي جملة منها، و أشرنا أيضاً إلي بعضها. و منها تدل علي اثبات البداء كما روي بسند صحيح في الكافي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: «ما بعث الله نبياً حتي يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية، و خلع الأنداد، و أن الله يقدم من (ما ـ خ ل) يشاء و يؤخر من (ما ـ خ ل) يشاء» (الاُصول من الكافي ج۱ ص۱۴۷) ، و ما روي فيه أيضاً عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: «ما تنبأ نبي قط، و ما روي فيه أيضاً عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنه قال: «ما تنبأ نبي قط، حتي يقرلله بخمس خصال، بالبداء و المشيئة و السجود و العبودية و الطاعة» (الاُصول من الكافي: ج۱ ص۱۴۸) وما روي فيه أيضاً عن الرضا ـ عليه السلام ـ أنه قال: «ما بعث الله نبياً قط إلاّ بتحريم الخمر و أن يقرالله بالبداء» (الاُصول من الكافي: ج۱ ص۱۴۸). و هذه الروايات و نظائرها تنافي ما تنفي البداء في باديء النظر، ولكن مقتضي التأمل فيها أن الثابت بتلك الأخبار ليس ما ينفيه الأخبار الاُخر، بل المقصود منها أن الأمر بيده تعالي، فيمكن أن يقدم و أن يؤخر رغماً لأنف اليهود الذين قالوا يد الله مغلولة كما اُشير إليه في الرواية الاُولي، فالثابت هو البداء في بعض الأخبار السابقة. هذا مضافاً إلي تصريح بعض الأخبار بأن البداء عند الإمامية ليس مقروناً بالجهل كما رواه في الكافي بسند صحيح عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ أنه قال: «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له» (الاُصول من الكافي: ج۱ ص۱۴۸) و من المعلوم أن البداء الذي لا يستلزم الجهل في مرتبة الذات، لا تشمله الأدلة النافية ولا تنافيه الأدلة العقلية، لأنه ليس إلاّ كمال القدرة في مقام الفعل، فإن تبديل ما تقتضيه المقتضيات العادية و المعدات، يحكي عن تمامية قدرة الرب المتعال، و استقلاله في الفاعلية، حيث يمكن له التغيير و التبديل في الاُمور، إذا أراد و شاء، فهو تعالي في كل آن في شأن، و من المعلوم أن هذا الاعتقاد يوجب التوكل التام عليه في الاُمور، و الرجاء به؛ لأن الأمر بيده، ولم يتم الأمر و لم يفرغ عن الأمر قبل وقوعه، فكل شيء مادام لم يقع فله مجال التغيير و التبديل، و هذا الفكر يؤدي إلي سعة المجال أمام الإنسان للسعي و الاستكمال، بحيث لا يتوقف ولا ييأس من النيل إلي الكمال في أي حال يكون، كما أن هذا الاعتقاد يمنع الانسان من أن يغتر بوضعه الموجود، المقتضي للسعادة، فإن التغيير و التبديل بسبب الذنب أو الغفلة أمر ممكن، فليخفف و ليحذر عن الذنوب و الغفلات لئلا يسقط و يهلك. و كيف كان، فهذا البداء من كمال الايمان و لذلك أخذ الله الاقرار به عن الأنبياء كما عرفت، بل أوصي الايمان به لغيرهم، كقول الصادق ـ عليه السلام ـ: «ما عظم الله عزّوجلّ بمثل البداء» (بحار الأنوار: ج۴ ص۱۰۷) و قوله الآخر أيضاً: «لو المناقشة في خبر عبيد بن زرارة علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه» (الاُصول من الكافي: ج۱ ص۱۴۸). نعم أشار المصنف إلي ورود روايات توهم المنافاة لنفي البداء المستحيل، ولم أجد منها إلاّ ما رواه في البحار عن كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ قال: «ما بدا لله بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني» (بحار الأنوار: ج۴ ص۱٢٢). و هذا خبر واحد ولا يصلح للمعارضة مع الكثيرة السابقة، ولا يفيد العلم، مع أنه اللازم في الاعتقادات هو العلم. هذا مضافاً إلي نقله عن كتاب مختلف فيه، ولم يثبت اعتباره، بل فيه اُمور تنكره الإمامية كنزوله تعالي إلي السماء الدنيا و غير ذلك (راجع قاموس الرجال: ج۴ ص٢۴۸). علي أن قوله ـ عليه السلام ـ في الصحيحة المتقدمة: «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدوله» حاكم علي مثله، فليحمل علي المعني الذي لا ينافي تلك الأخبار، إما بحمله علي ما في المتن أو علي ما حكي عن الشيخ المفيد من أن المراد منه ما ظهر منه تعالي من دفاع القتل عنه و قد كان مخوفاً عليه من ذلك، مظنوناً به و قد دفع الله عنه كما روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنه قال: «إن القتل قد كتب علي إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه» (بحار الأنوار: ج۴ ص۱٢۷ ذيل الصفحة) أو علي ما أشارإليه المحقق الاصفهاني من أن المراد من الظهور هو الظهور في علمه الفعلي بعد ما كان المقتضي علي خلافه لا في علمه الذاتي (راجع نهاية الدراية في شرح الكفاية: ج٢ ص٢۱٢) ولكنه لا يخلو عن تكلف. ولعل مقصود المصنف من الروايات، هو الاشارة إلي فيما لو أخبرالأنبياء علي الجزم ثم انكشفه الخلاف ما نسب إلي بعض الأنبياء و الأولياء من أنهم ربما أخبروا بوقوع شيء ثم انكشف الخلاف، ولكن هذه الأخبار معارضة مع قاعدة اللطف، فإن الإخبار الجزمي مع انكشاف الخلاف، يوجب سلب الاعتماد، هذا مضافاً إلي معارضتها مع الأخبار الاُخر أيضاً، كما روي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: «العلم علمان: علم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه، و علم علمه ملائكته و رسله، فأما ما علم ملائكته و رسله، فإنه سيكون، لا يكذب نفسه، ولا ملائكته ولا رسله، و علم عنده مخزون يقدم فيه ما يشاء و يؤخر ما يشاء و يثبت ما يشاء» (بحار الأنوار: ج۴ ص۱۱۳). و ما روي عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ: «إنّ لله علمين: علم مكنون مخزون، لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء، و علم علمه ملائكته و رسله و أنبياءه فنحن نعلمه» (الاُصول من الكافي: ج۱ ص۱۴۷). فليحمل تلك الاخبار علي أن أخبار الأنبياء ليس علي الجزم والبت، كما حكي عن الشيخ الطوسي، و جعله الفاضل الشعراني حاسماً لمادة الاشكال (شرح الاُصول من الكافي للمولي صالح المازندراني: ج۴ ص۳۳۱)، إذ الإخبار اذا لم يكن عن جزم، بل علي ما تقتضيه المقتضيات، فتخلفه لا يوجب سلب الاعتماد، خصوصاً إذا كان الأخبار و انكشاف الخلاف مقروناً بتبيين وجه أوجب تغيير المقتضيات، و أما التفصيل بين الوحي و الالهام بوقوع البداء في الثاني دون الأول، كما في البحار، أو القول بوقوع البداء في كلام الأنبياء نادراً، كما في البحار أيضاً (بحار الأنوار: ج۴ ص۱۳۳، و شرح الاصول من الكافي ج۴ للمولي صالح المازندراني ذيل الصفحة ۳۳۰ ـ ۳۳۱) ففيه أنه ينافي أيضاً قاعدة اللطف، و يوجب سلب الاعتماد عنهم، ولو وقع نادراً، فإن تطرق احتمال الخطأ إلي الوحي والالهام يرفع الاعتماد عن جميع أقوال الأنبياء ـ عليهم صلوات الله ـ كما لا يخفي. و مما ذكر يظهر ما في اطلاق عبارة المصنف، من «أن الوجه الصحيح هو أنه تعالي قد يظهر شيئاً علي لسان نبيه أو وليه ـ الخ» لما عرفت من أن الإظهار الجزمي لا يوافق العصمة، و يوجب سلب الاعتماد، بخلاف ما إذا لم يكن الإظهار و الإخبار عن جزم، بل علي ما تقتضيه المقتضيات من دون جزم، بحيث لو انكشف الخلاف لا يوجب سلب الاعتماد، و أيضاً يظهر مما ذكر ما في قوله: «إن معني قول الإمام أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ولده ـ الخ» لأن المناسب أن يقول: ما ظهر منه تعالي أمر في شيء، كما ظهر منه في اسماعيل، كما فسره الشيخ المفيد ـ قدّس سرّه ـ لأنه بعد كون البداء بمعناه المصطلح عند العامة محالاً و منفياً في الأخبار الواردة عن الأئمة ـ عليهم السلام ـ فالمراد من الظهور، هو الظهور منه لا الظهور له. ثم لا يخفي عليك أن امكان التغيير بأذنه و مشيته في المقدرات، أمر ثابت لا يمنع عنه إمضاء المقدر و إبرامه في ليالي القدر؛ لأن الامر بيده، يفعل ما يشاء، و لذا ورد في بعض أخبار ليالي القدر بعد تقدير الاُمور و ابرامها و امضائها، أن لله المشية. ثم لا يذهب عليك أن مقتضي ما عرفت هو أن البداء في التقديرات لا في القضاء؛ لأن قضاء الشيء وقوعه، و مع وقوعه لا ينقلب عما هو عليه، و لذا حكي عن السيد الداماد ـ قدّس سرّه ـ أنه قال: «لابداء في القضاء، و إنما البداء في القدر» (بحار الأنوار: ج۴ ص۱٢۶). النسخ في الأحكام و حقيقته و قريب من البداء في هذا المعني نسخ أحكام الشرايع السابقة، بشريعة نبينا ـ صلّي الله عليه و آله ـ بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا ـ صلّي الله عليه و آله و سلّم - ولا يخفي عليك أن النسخ حقيقة هو ارتفاع الحكم بانقضاء زمانه و أمده، فإن الحكم المجعول في موارد النسخ مقيد في الواقع بزمان خاص معلوم عندالله و مجهول عند الناس، إذ لا يعلمونه إلاّ بعد إعلام ارتفاعه، و عليه فلا يرد علي النسخ ما ربما يقال من أن النسخ يستلزم عدم حكمة الناسخ، أو جهله بوجه الحكمة، وكلا هذين اللازمين يستحيل في حقه تعالي، و ذلك لأن تشريع الحكم من الحكيم المطلق لابد و أن يكون علي طبق مصلحة تقتضيه؛ لأن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله، وعلي ذلك فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه، إما أن يكون مع بقاء الحال علي ما هو عليه من وجه المصلحة و علم ناسخه بها، و هذا ينافي حكمة الجاعل، مع أنه حكيم مطلق، و إما أن يكون من جهة البداء و كشف الخلاف علي ما هو الغالب في الأحكام و القوانين العرفية، و هو يستلزم الجهل منه تعالي، و علي ذلك فيكون وقوع النسخ في الشريعة محالاً؛ لأنه يستلزم المحال انتهي. و ذلك لما عرفت من أن الحكم كان في الواقع محدوداً و معلوماً لله تعالي، فإذا تم وقته أخبر عن ارتفاعه، فلا ينافي الحكمة، كما لا يستلزم الجهل، بل ادامته مع خلوه عن المصلحة، تنافي الحكمة. ثم إن النسخ يقرب البداء و ليس عينه؛ لأن في البداء مقتضيات الشيء موجودة، ولكن في النسخ لا مقتضي لوجود الحكم بحسب الواقع، بعد انتضاء أمد الحكم. نعم يكون المقتضي الاثباتي من اطلاق الأدلة موجوداً، و باعتباره كان النسخ قريباً من البداء بالمعني الممكن، و هو ظهور شيء منه، علي خلاف المقتضيات السابقة. و إن كان المقتضي في البداء هو المقتضي الثبوتي، والمقتضي في النسخ هو المقتضي الاثباتي. و كيف كان فظهور شيء منه تعالي للغير موجود في كليهما و هو الذي عبر عنه في لسان بعض الفحول بالإبداء أو الإظهار فلا تغفل. . عقيدتنا في الرجعة إنّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت ـ عليهم السَّلام ـ أنّ الله تعالي يعيد قوماً من الأموات إلي الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً، ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين و المظلومين منهم من الظالمين، و ذلك عند قيام مهدي آل محمَّد عليه و عليهم أفضل الصلاة و السَّلام. ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان، أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلي الموت و من بعده إلي النشور، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكي الله تعالي في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون: ﴿قَالُوا رَ‌بَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَ‌فْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُ‌وجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾ غافر: ۱۱. نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلي الدنيا و تظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة و الإمامية بأجمعها عليه إلاّ قليلون منهم تأوّلوا ماورد في الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة و الأمر و النهي إلي آل البيت بظهور الإمام المنتظر من دون رجوع أعيان الأشخاص و إحياء الموتي. والقول بالرجعة يعدّ عند أهل السنّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي و الشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته و طرحها. و يبدو أنّهم يعدّونها بمنزلة الكفر و الشرك بل أشنع، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تنبز به الشيعة الإمامية و يشنّع به عليهم. ولا شكّ في أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية فيما غبر ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضدّه، ولا نري في الواقع ما يبرّر هذا التهويل؛ لأنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ولا في عقيدة النبوّة، بل يؤكد صحة العقيدتين؛ إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالي، كالبعث و النشر، و هي من الاُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا و آل بيته ـ صلّي الله عليه و عليهم ـ و هي عيناً معجزة إحياء الموتي التي كانت للمسيح ـ عليه السَّلام ـ بل أبلغ هنا لأنّها بعد أن يصبح الأموات رميماً ﴿قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَ‌مِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ يس: ۷۸-۷۹. و أمّا من طعن في الرجعة باعتبار أنّها من التناسخ الباطل؛ فلأنّه لم يفرّق بين معني التناسخ و بين المعاد الجسماني و الرجعة من نوع المعاد الجسماني، فإنّ معني التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلي بدن آخر منفصل عن الأول، و ليس كذلك معني المعاد الجسماني، فإنّ معناه رجوع نفس البدن الأوّل بمشخصاته النفسية فكذلك الرجعة. و إذا كانت الرجعة تناسخاً فإنّ إحياء الموتي علي يد عيسي عليه السَّلام ـ كان تناسخاً، و إذا كانت الرجعة تناسخاً كان البعث و المعاد الجسماني تناسخاً. إذن لم يبق إلاّ أن يناقش في الرجعة من جهتين (الاُولي): أنّها مستحيلة الوقوع. (الثانية): كذب الأحاديث الواردة فيها. و علي تقدير صحّة المناقشتين، فإنّه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هوّلها خصوم الشيعة. و كم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الاُمور المستحيلة، أو التي لم يثبت فيها نصّ صحيح، ولكنّها لم توجب تكفيراً و خروجاً عن الإسلام، و لذلك أمثلة كثيرة: منها: الاعتقاد بجواز سهو النبيّ أو عصيانه، و منها: الاعتقاد بقدم القرآن، و منها: القول بالوعيد، و منها: الاعتقاد بأنّ النبيّ لم ينص علي خليفة من بعده. علي أنّ هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحة، أمّا أنّ الرجعة مستحيلة فقد قلنا أنّها من نوع البعث و المعاد الجسماني غير أنّها بعث موقوت في الدنيا، والدليل علي إمكان البعث دليل علي إمكانها، ولا سبب لاستغرابها إلاّ أنّها أمر غير معهود لنا ألفناه في حياتنا الدنيا. ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يقرّبها إلي اعترافنا أو يبعدها و خيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبل تصديق ما لم يألفه، و ذلك كمن يستغرب البعث فيقول: ﴿مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَ‌مِيمٌ﴾ فيقال له: ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾. نعم في مثل ذلك ممّا لا دليل عقلي لنا علي نفيه أو إثباته أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلي النصوص الدينية التي هي مصدر الوحي الإلهي، و قد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلي الدنيا لبعض الأموات، كمعجزة‌عيسي ـ عليه السَّلام ـ في إحياء الموتي ﴿وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ﴾ و كقوله تعالي: ﴿أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ و الآية المتقدمة ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ...﴾ فإنّه لا يستقيم معني هذه الآية بغير الرجوع إلي الدنيا بعد الموت، و إن تكلّف بعض المفسّرين في تأويلها بما لا يروي الغليل ولا يحقّق معني الآية. و أمّا المناقشة الثانية و هي دعوي أنّ الحديث فيها موضوع فإنّه لا وجه لها؛ لأنّ الرجعة من الاُمور الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الأخبار المتواترة. و بعد هذا أفلا تعجب من كاتب شهير يدّعي المعرفة مثل أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) إذ يقول: «فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة» فأنا أقول له علي مدّعاه: فاليهودية أيضاً ظهرت في القرآن بالرجعة، كما تقدّم ذكر القرآن لها في الآيات المتقدمة. و نزيدة فنقول: والحقيقة أنّه لابدّ أن تظهر اليهودية و النصرانية في كثير من المعتقدات و الأحكام الإسلامية؛ لأنّ النبيّ الأكرم جاء مصدّقاً لما بين يديه، من الشرايع السماوية، و إن نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الإسلامية، ليس عيباً في الإسلام، علي تقدير أنّ الرجعة من الآراء اليهودية كما يدّعيه هذا الكتاب. و علي كلّ حال فالرجعة ليست من الاُصول التي يجب الاعتقاد بها و النظر فيها و إنّما اعتقدنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل ثبوت الرجعة من ضروريات المذهب البيت ـ عليهم السَّلام ـ الذين ندين بعصمتهم من الكذب، و هي من الاُمور الغيبية التي أخبروا عنها ولا يمتنع وقوعها لا كلام في ثبوت الرجعة في الجملة بعد كونها من ضروريات المذهب كما أشار إليه المصنّف ـ قدّس سرّه ـ و صرّح به غيره كالشيخ الحرّ العاملي ـ قدّس سرّه ـ في الإيقاظ من الهجعة حيث قال: «إن ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين و المصنفين المشهورين، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة» و هكذا لا مجال للكلام فيه بعد كون الأخبار الدالّة علي ثبوت الرجعة متواترة جداً كما أشار إليه المصنّف قدّس سرّه أيضاً، و صرّح به غيره كالشيخ الحرّ العامليّ فإنّه بعد اختصاص كتابه المذكور بالرجعة، و جمع أدلتها فيه، قال في أواخره ص۳۹۱: «فهذه جملة من الأحاديث التي حضرتني في هذا الوقت مع ضيق المجال عن التتبع التامّ و قلة وجود الكتب التي يحتاج إليها في هذا المرام، ولا ريب في تجاوزها حدّ التواتر المعنوي ـ إلي أن قال: و لعلّ ما لم يصل إلينا في هذا المعني أكثر ممّا وصل إلينا» و كالعلاّمة‌المجلسي ـ قدّس سرّه ـ حيث قال: «و إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيء يمكن دعوي التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف».(۱) و كالعلاّمة الطباطبائي ـ قدّس سرّه ـ حيث قال: «إن الروايات متواترة معني عن أئمة أهل البيت حتّي عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة و أئمتهم من لدن الصدر الأوّل».(٢) و أمّا الإشكال في إمكان الرجعة فلا وقع له بعد وقوعها في الاُمم السالفة كما نصّ عليه في القرآن الكريم كقوله تعالي: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. و قال في الإيقاظ من الهجعة: «فهذه الآية صريحة، في أنّ المذكور فيها مات مائة سنة ثم أحياه الله و بعثه إلي الدنيا و أحيا حماره، وظاهر القرآن يدلّ علي أنّه من الأنبياء لما تضمّنه من الوحي و الخطاب له، وقد وقع التصريح في الأحاديث الآتية بأنّه كان نبياً، ففي بعض الروايات أنّه ارميا النبيّ، وفي بعضها أنّه عزيز النبيّ ـ عليهما السَّلام ـ وقد روي ذلك العامة و الخاصة» . و كقوله تعالي: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ قال في الإيقاظ من الهجعة: «وقد روت الأحاديث الآتية و غيرها أنّ المذكورين في هذه الآية كانوا سبعين ألفاً فأماتهم الله مدة طويلة ثم أحياهم فرجعوا إلي الدنيا و عاشوا أيضاً مدة طويلة». و كقوله تعالي: ﴿يَا بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ اذْكُرُ‌وا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ ـ إلي قاله ـ ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَ‌ى اللَّـهَ جَهْرَ‌ةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُ‌ونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَ‌زَقْنَاكُمْ...﴾ البقرة: ۴۰ - ۵۷. و كقوله تعالي: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَ‌اهِيمُ رَ‌بِّ أَرِ‌نِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْ‌بَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ‌فَصُرْ‌هُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا...﴾ البقرة: ٢۶۰. و غير ذلك من الآيات الصريحة، فإنّ أدلّ دليل علي امكان شيء و وقوعه، فيعلم من وقوعها في الاُمم السالفه بطلان ما يتخيل من استحالتها. هذا مضافاً إلي ما أشار إليه في المتن من اختصاص الاستحالة بالتناسخ الذي هو انتقال النفس من بدن إلي بدن آخر منفصل عن الأوّل، و الرجعة ليست كذلك لأنّها من نوع المعاد الجسماني، و معناه رجوع النفس إلي البدن الأوّل بمشخصاته النفسية، و إنّما الفرق بين المعاد و الرجعة أنّ الرجعة عود و رجوع موقوت في الدنيا و المعاد هو عود و رجوع في الآخرة. علي أنّ الرجعة كالمعاد لا تستلزم عود ما خرج من القوّة إلي الفعل إلي القوّة ثانياً، فإنّ من الجائز أن يستعد الإنسان لكمال موجود في زمان بعد زمان حياته الدنيوية الاُولي فيموت ثم يحيي لحيازة الكمال المعدّ له في الزمان الثاني، أو يستعدّ لكمال مشروط بتخلّل حياة ما في البرزخ فيعود إلي الدنيا بعد استيفاء الشرط، فيجوز علي أحد الفرضين الرجعة إلي الدنيا من غير محذور المحال، و تمام الكلام موكول إلي غير هذا المقام.(۳) هذا مضافاً إلي ما أفاد آية الله السيد أبوالحسن الرفيعي ـ قدّس سرّه ـ في رجعة الأئمة ـ عليهم السَّلام ـ بما حاصله: «من أنّ التناسخ هو عود الروح إلي البدن الآخر، مع ما عليه من الفعلية الأوّلية، و ضعف الوجود، و أمّا رجوع الروح مع بقاء كماله و جوهريته المخصوصة التي حصلت له بالموت، لتدبير بدن علي نحو أكمل من التدبير السابق، فليس بتناسخ محال، بل الرجوع المذكور كتمثل بعض الملائكة، فإنّهم مع عدم احتياجهم إلي الاستكمال من ناحية البدن المحسوس تمثّلوا في موارد بأمره تعالي في أبدان مخصوصة، كتمثّل جبرئيل بصورة بشر في قصة مريم سلام الله عليها»(۴) و بقية الكلام تطلب من مظانّها. ثم إنّ الرجعة التي تواترات الأخبار بوقوعها في الاُمة الإسلامية، تقع بعد ظهور الإمام المهديّ ـ أرواحنا فداه ـ ثم إنّ المرجوعين هم الأشخاص و ذواتهم لا رجوع أوصافهم و دولتهم، فإنّه أجنبيّ عن صريح الأخبار و حقيقة الرجعة، كما أنّ رجوع الأوصاف لا إختصاص له بآخر الزمان، بل هو أمر واقع من لدن خلقة آدم، فإنّ كلّ نبيّ و وصيّ كان يقوم في مقام نبيّ أو وصيّ سابق، بل أصحابهم أيضاً كانوا يقومون مقام أصحاب الماضين من الأنبياء و الأوصياء.(۵) ثم إنّ الأخبار علي طوائف، منها: تدلّ علي رجوع مَن محض الإيمان محضاً، و مَن محض الكفر محضاً، و عن الشيخ الجليل أمين الدين أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن عند قوله تعالي: «و يوم نحشر من كلّ اُمّة فوجاً» أنّه قال: «قد تظاهرت تلك الأخبار عن أئمة الهدي من آل محمَّد ـ عليهم السَّلام ـ في أن الله سيعيد عند قيام المهدي ـ عليه السَّلام ـ قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه و شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و يبتهجوا بظهور دولته، و يعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، و ينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب و القتل علي أيدي شيعته، والذلّ و الخزيّ بما يشاهدون من علوّ كلمته».(۶) و روي في مختصر البصائر عن أبي عبد الله ـ عليه السَّلام ـ: «إنّ الرجعة ليست بعامّة و هي خاصّة، لا يرجع إلاّ مَن محض الإيمان أو محض الشرك محضاَ»(۷) و لذا قال العلاّمة المجلسي ـ قدّس سرّه ـ: «والرجعة عندنا يختصّ بمن محض الإيمان و محض الكفر، دون مَن سوي هذين الفريقين».(۸) و منها: تدلّ علي رجعة رسول الله و الأئمة ـ عليهم السَّلام ـ روي سعد بن عبدالله في مختصر البصائر علي ما نقل عنه الحسن بن سليمان بن خالد عن أحمد بن محمَّد بن عيسي و محمَّد بن الحسين عن البزنطي عن حمّاد بن عثمان عن بكير بن أعين قال: «قال لي من لا أشك فيه يعني أبا جعفر ـ عليه السَّلام ـ: إنّ رسول الله ـ صلّي الله عليه و آله ـ و أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ سيرجعان».(۹) و عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ: «ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا و يستحل متعتنا»(۱۰) وقد ورد في بعض الزيارات: «إني من القائلين بفضلكم مقرّ برجعتكم»(۱۱) و في الزيارة الجامعة: «فثبتني الله أبداً ما حييت علي موالاتكم... و جعلني ممن تقتصّ آثاركم و يسلك سبيلكم و يهتدي بهديكم و يحشر في زمرتكم و يكرّ في رجعتكم»(۱٢) و في زيارة‌ قبر الحسين ـ عليه السَّلام ـ: «اُشهدكم أني بكم مؤمن و بإيابكم موقن»(۱۳) و روي علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن عبدالحميد الطائي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين ـ عليهما السَّلام ـ في قوله تعالي: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قال: يرجع إليكم نبيكم و أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السَّلام»(۱۴) و إلي غير ذلك من الأخبار الكثيرة. و منها: تدلّ علي بعض أشخاص الأئمة ـ عليهم السَّلام ـ كأمير المؤمنين. روي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمير عن أبي بصير عن أبي عبدالله ـ عليه السَّلام ـ في ضمن حديث «أنّ رسول الله ـ صلّي الله عليه و آله ـ قال لعلي ـ عليه السَّلام ـ: يا علي، إذا كان في آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة و معك ميسم تسمّ به اعداءك»(۱۵) و كحسين بن علي ـ عليهما السَّلام ـ روي في مختصر البصائر علي ما نقل عنه عن عمر بن عبدالعزيز عن جميل بن دراج عن المعلّي بن خنيس و زيد الشحام عن أبي عبدالله ـ عليه السَّلام ـ قال: «سمعناه يقول: أوّل من تكرّ في رجعته الحسين بن علي ـ عليه السَّلام ـ يمكث في الأرض حتّي يسقط حاجباه علي عينيه»(۱۶) و إلي غير ذلك من الأخبار. و منها: تدلّ علي رجعة الأنبياء روي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبدالله بن مسكان عن أبي عبدالله ـ عليه السَّلام ـ في قوله تعالي: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾ قال: ما بعث الله نبياً من لدن آدم و هلمّ جراً إلاّ و يرجع إلي الدنيا فينصر رسول الله ـ صلّي الله عليه و آله ـ و أمير المؤمنين» الحديث.(۱۷) و منها: تدلّ علي رجعة بعض الخواصّ من الشيعة، روي الشيخ الطوسي ـ قدّس سرّه ـ في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان عن محمَّد بن علي عن جعفر بن بشير عن خالد أبي عمارة عن المفضل بن عمر قال: «ذكرنا القائم ـ عليه السَّلام ـ و من مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبدالله ـ عليه السَّلام ـ: اذا قام اتي المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا انه قد ظهر صاحبك . فان شئت أن تلحق به فالحق، و ان تشأ ان تقيم في كرامة ربك فاقم».(۱۸) و منها: تدلّ علي أنّ لعلي ـ عليه السَّلام ـ كرّات و رجعات، روي عن مختصر البصائر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «قال أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ... و إن لي الكرّة بعد الكرّة و الرجعة بعد الرجعة، و أنا صاحب الكرّات و الرجعات، و صاحب الصولات و النقمات و الدولات العجيبات، و أنا دابّة الأرض و أنا صاحب العصا و الميسم» الحديث(۱۹). و إلي غير ذلك من أصناف أخبار الباب. ثم إن الرجعة و إن كانت من حيث هي مما لا دليل عقلي علي نفيه و إثبات، ولكن يمكن إقامة الدليل العقلي علي إثبات رجعة الأئمة ـ عليهم السَّلام ـ فيما إذا خلت الأرض عن الحجّة بن الحسن ـ عليه السَّلام ـ إن أمكن ذلك كما أشير إليه في بعض الأخبار فإنّ برهان اللطف حينئذٍ يحكم بالرجعة بعد فرض عدم تجاوز عدد الأئمة عن اثني عشر، كما لا يخفي، هذا مضافاً إلي ما في رسالة إثبات الرجعة لآية الله السيد أبي الحسن الرفيعي ـ قدّس سرّه ـ فراجع(٢۰). و مما ذكر يظهر وجوب الاعتقاد بها عقلاً في ذلك الفرض مع قطع النظر عن أخبار الرجعة فلا تغفل. المصادر: ۱- بحار الأنوار: ج۵۳ ص۱٢۳. ٢- تفسير الميزان: ج٢ ص۱۱۰. ۳-راجع تفسير الميزان: ج٢ ص۱۱۰ ۴- راجع رساله اثبات رجعت: ص۳۳. ۵- راجع التفصيل في راهنماي دين: ج٢ ص۵۷ ـ ۹۵. ۶- الايقاظ من الهجعة: ص٢۵۰. ۷- الايقاظ من الهجعة: ص ۳۶۰. ۸- بحار الأنوار: ج۵۳ ص۱۳۷. ۹- الايقاظ من الهجعة: ص۳۷۹. ۱۰- المصدر: ص۳۰۰. ۱۱- المصدر: ص۳۰۱. ۱٢- المصدر: ص۳۰۳. ۱۳- المصدر: ص۳۰۶. ۱۴- الايقاظ من الهجعة: ص۳۴۳ ـ ۳۴۴. ۱۵- الايقاظ من الهجعة: ص٢۵۷ ۱۶- الايقاظ من الهجعة: ص۳۵۸. ۱۷- الايقاظ من الهجعة: ص۳۳٢. ۱۸- الايقاظ من الهجعة: ص٢۷۱. ۱۹- الايقاظ من الهجعة: ص ۳۶۶ ـ ۳۶۷. ٢۰- اثبات رجعت: ص۷ ـ ٢٢.