غدر الإمام علي عليه السلام
عندما ذهب الإمام علي في رمضان لصلاه الفجر وتعرض للضرب لماذا الحسن والحسين (ع)لم يأتوا مع والدهم للصلاه في المسجد فأين كانوا؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا ذكر بعض المحققين نوعين من الإجابة ،وهما: الإجابة الأولى -تقولُ الرِّواياتُ أنَّهمَا كانا فِي البيتِ ولمْ يكونَا قَدْ خرجَا بعدُ لمسجدِ الكوفةِ؛ وأنَّ الإمامَ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ) كانَ قَدْ خرجَ مُبكِّراً للمسجدِ لأداءِ النّوافلِ، وحينَ بدأَ الإمامُ (عليهِ السَّلامُ) بأداءِ نوافلِهِ تقدَّمَ اللّعينُ ابنُ ملجمٍ وضربَهُ على رأسِهِ منَ الخلفِ، ولمْ يكُنْ يجرؤُ هذا اللّعينُ على انتظارِ صلاةِ الفجرِ وحضورِ الحسنينِ (عليهمَا السَّلام) وبقيَّةَ أصحابِ الإمامِ (عليهِ السَّلام) حتَّى يُنفِّذَ جريمتَهُ لأنَّهُ كانَ يتوقَعُ أنَّهُ سيقومُ بهَا خُلسةً ويُفلِتُ منَ العِقابِ. وقَدْ أدَّى صلاةَ الفجرِ جماعةً الإمامُ الحسنُ (عليهِ السَّلامُ) بدلَ أبيهِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السَّلامُ)، الذي أدَّاهَا فِي بيتِهِ جالِساً عنْ إيماءٍ. الإجابة الثانية -هذا الكلام لا يصحُّ جزمًا وهو منافٍ لما تقتضيه أخبارُ الفريقين، فالأخبارُ متَّفقة على أنَّ الإمام عليًّا (ع) خرج من بيته للصلاة قُبيل دخول وقت صلاة الصبح بزمنٍ يسيرفكيف يصحُّ أنْ يكون الإمامان الحسنُ والحسين (ع) نائمين؟!! وكيف يصحُّ بناءً على الدعوى الأخرى أنْ يأمرَ الإمام عليٌّ (ع) الحسنَ (ع) أو يأمر الحسنين (ع) بالعودة إلى منامهما؟!! إنَّ مثل هذه الدعوى والتي قبلها مسيئةٌ لمقام أهل البيت (ع) الذين هم في طليعة مَن وصفهم القرآن بقوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وقوله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) هذا أولًا. وثانيا إنَّ الكثير من المؤرِّخين نقلوا عن الإمام الحسن (ع) أنَّه خرج للصلاة بصحبة أبيه (ع) إلى المسجد فكان حاضرًا في المسجد حين وقوع الحادثة بمقتضى هذه النصوص، فمِن ذلك ما أورده أبو الفرج الأصفهاني بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن الحسن بن علي (ع) قال: خرجتُ أنا وأبي نصلِّي في هذا المسجد، فقال لي: يا بُني إنِّي بتُّ الليلة أُوقظ أهلي لأنَّها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر لسبع عشرة ليلة خلتْ من شهر رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) فقلتُ: يا رسولَ الله ماذا لقيتُ من أُمَّتِك من الأوَد واللدَد؟ فقال لي: ادعُ عليهم. فقلت: "اللهمَّ أبدلني بهم مَن هو خيرٌ لي منهم، وأبدلهم بي من هو شرٌّ لهم مني" وجاء ابن النباح. فآذنه بالصلاة فخرج وخرجتُ خلفه .." وممَّا يدلُّ على حضور الإمام الحسن (ع) حين وقوع الحادثة ما أورده المسعودي (رحمه الله) في مروج الذهب فأفاد أنَّ الناس حين شدَّتْ على ابن ملجم فما لبثوا أنْ أمسكوا به أقبلوا به إلى الإمام الحسن (ع) قال: "وضرب المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وجهه فصرعه، وأقبل به إلى الحسن"ويؤيده ما أورده العلامة المجلسي (رحمه الله) قال: "فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن ورأس أبيه في حجره.."، وكذلك يُؤيِّده ما أورده ابن شهراشوب في المناقب قال: "وأمر الحسن (ع) أنْ يُصلِّي الغداة بالناس .."أورده وكذلك يؤيده ما أورده ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح قال :" .. وسقط عليٌّ رحمة الله عليه لما به ، وتسامع الناسُ بذلك وقالوا : قُتل أمير المؤمنين ودنت الصلاة ، فقام الحسنُ بن عليٍّ فتقدَّم فصلَّى بالناس ركعتين خفيفتين . ثم احتمل علي إلى صحن المسجد وأحدق الناسُ به ، فقالوا : مَن فعل هذا بك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا تعجلوا ، فإنَّ الذي فعل بي هذا سيدخل عليكم الساعة من هذا الباب ، وأومأ بيده إلى بعض الأبواب ، قال : فخرج رجلٌ من عبد القيس في ذلك الباب فإذا هو بابن ملجم.." الفتوح - ابن أعثم- ج4/ 279 فصلاة الإمام الحسن (ع) بالناس وإنْ كان خلاف المشهور حيث إنَّ المشهور أنَّ الإمام عليًّا (ع) حين أُصيب في صلاته تأخَّر ودفع في ظهر ابن أخته جعدة بن هبيرة فأتمَّ بالناس الصلاة وكان الحسن (ع) قد اشتغل حينها بأبيه (ع) إلا أنَّ ذلك لا يمنعُ من صلاحيَّة ما أفاده ابنُ شهراشوب وما أورده ابن أعثم الكوفي لتأييد أنَّ الإمام الحسن (ع) كان حاضرًا . وأمَّا الإمام الحسين (ع) فقد ورد أنَّه أساسًا لم يكن في الكوفة حين وقعت الحادثة وأنَّه كان في المدائن في مهمَّةٍ أناطها به أميرُ المؤمنين (ع) فقد كان (ع) يُعِدُّ العُدَّة لمعاودة الحرب على معاوية، فمِمَّن أفاد ذلك الكليني في الكافي بسندٍ ذكره قال: لمَّا أُصيبَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) نعى الحسنُ إلى الحسين (عليهما السلام) وهو بالمدائن، فلمَّا قرأ الكتاب قال: يا لها من مصيبة ما أعظمَها ..". وكذلك نقل البلاذري في أنساب الأشراف عن جماعةٍ قالوا: "وكان الحسين بالمدائن قد قدّمه أبوه إليها وهو يُريد المسير إلى الشام، فكتبَ إليه الحسن بما حدث من أمر أبيه مع زجر بن قيس الجعفي، فلمَّا أتاه زحر انصرفَ بالناس إلى الكوفة وقال بعضهم: إن الحسين كان حاضرا قتل أبيه". قد يُقال: إذا كان الإمام الحسين (ع) في المدائن حين أصيب أمير المؤمنين (ع) فمتى عاد منها ليُشارك في تغسيل الإمام (ع) وتشييعه ودفنه والحال أنَّ الإمام استشهد في اليوم الثالث من إصابته؟ والجواب: هو أنَّه لا ريب في مشاركة الإمام الحسين (ع) في تغسيل والده (ع) وتشييعه ودفنه كما نصَّت على ذلك الروايات، ووجوده (ع) في المدائن –لو صحَّ- لا يمنعُ من حضوره، فإنَّ المسافة بين الكوفة والمدائن لم تكن بعيدة، فهي لا تتجاوز نيفًا وستين ميلًا، ويؤيِّده ما أورده عبد الرزاق الصنعاني في المصنَّف عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنتُ مع حذيفة بالمدائن فاستأذنتُ أنْ آتي أهلي بالكوفة فأذن وشرط عليَّ أنْ لا أفطر ولا أُصلِّي ركعتين حتى أرجع إليه"فحذيفة ابن اليمان (رحمه الله) كان واليًا على المدائن فاستأذنه الراوي في المصير إلى أهله في الكوفة فأذن له حذيفةُ أن يخرج إلى الكوفة شريطة أنْ يعود منها إلى المدائن من يومه، فهو سيخرج من عنده في المدائن إلى الكوفة ويعود إليها من يومه وهو ما يعني أنَّ السفر من المدائن إلى الكوفة ذهابًا وإيابًا لا يستغرق يومًا واحدًا بالخيل، وقال: ابنُ حزم في المحلَّى: "وبينهما نيفٌ وستون ميلًا". فالمسافة بين الكوفة والمدائن تُقارب المائة والخمسين كيلو متر، فإذا كان متوسط سرعة الخيل عدوًا دون أقصى السرعة عشرين كيلو متر في الساعة فيحتاج المسافر من الكوفة للمدائن إلى سبع ساعات تقريبًا، فلو خرج رسولُ الإمام الحسن (ع) من الكوفة في أول الصبح كما هو مقتضى طبيعة القضية وأهميتها فإنَّه سيصل إلى المدائن قبل ليلة العشرين، وسوف يتحرَّك الإمام الحسين (ع) فور وصول الخبر إليه، وعليه فلو سار (ع) من المدائن على أبعد التقادير في أوَّل الليل فإنَّه سيصل إلى الكوفة قبل طلوع فجر يوم العشرين من شهر رمضان، وبذلك يُدرك أباه (ع) ووصيته وتجهيزه. دمتم في رعاية الله