( 30 سنة ) - السعودية
منذ 3 سنوات

السلام عليكم من المشهور عند اغلب علماء الطائفة ان اللطف واجب على الله للحكمة. و لكن ماذا لو قال احد ان اللطف ليس بواجب لان الله لو عمل اللطف لاحد فانه فسيكون التكليف عليه اسهل و نحن في دار امتحان بمعنى انه لو لم يلطف بالمكلف فسيكون التكليف عليه اصعب مما يجعله يثاب اكثر على عمله و يكون اخلاص المكلف اشد لله و هو ما يريد الله ان يراه. ارجو الاجابة على هذه الشبهة فهي تدور في بالي منذ مدة طويلة و شكرا


عليكم السلام اللطف على ضربان لطف في الهداية للخلق وايجاد سبلها وذلك بارسال الرسل ونصب الائمة وهذا واجب عقلاً لايمكن التخلف والا كان خلق الخلق عبثاً ولغواً وهذا لايقبله العقل في حق المولى تعالى. واللطف الاخر هو اللطف المقرب للعبد من الطاعة ومبعده عن المعصية. ب: اللُّطف المقرِّب المراد منه ما يكون موجباً لقرب المكلّف لفعل الطاعة والبعد عن فعل المعصية، من دون ان يكون له حظ في التمكين ولا يبلغ الإلجاء وذلك كالوعد والوعيد والترغيب والترهيب التي تستتبع رغبة العبد إلى العمل وبعده عن المعصية3. قولهم: "ولاحظ في التمكين" يخرج بعث الرسل وبيان التكليف، وإعطاء القدرة فإنها ممكنة للعبد من الطاعة لا مقربة منها وقد عرفت أن هذا القسم من اللطف داخل في المحصل بالمعنى الأول المختار وقوله: "ولا يبلغ الإلجاء" يخرج ما إذا لم يكن للعبد معه محيص من إختيار الطاعة، فهذا أيضاً إلجاء وليس لطفاً. إستدلوا على وجوب اللطف مطلقاً أنه تعالى أراد من المكلف الطاعة فإذا علم أنه لا يختار الطاعة (اللطف المحصل) أو لا يكون أقرب إليها إلا عند فعل يفعله به، وجب في الحكمة أن يفعل، إذ لو أخل به لكشف ذلك عن عدم إرادته أو جرى ذلك مجرى من أراد من غيره حضور طعامه وعلم أو ظن أنه لا يحضر بدون رسول، فمن لم يرسل عد مناقضاً لغرضه4. والحق والقول بوجوب اللطف إذا كان مؤثر في قرب الأغلبية الساحقة من المكلفين إلى الطاعة أي ما هو دخيل في نفس الرغبة إلى الطاعة، والإبتعاد عن المعصية في نفوس الأكثرية، فيجب على الله القيام به. وفي الكتاب والسنة إشارات إلى هذا النوع من اللُّطف. يقول سبحانه: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(الاعراف:168). والمراد من الحسنات والسيئات، نعماء الدنيا وضراؤها وكأن الهدف من ابتلائهم بهما هو رجوعهم إلى الحق والطاعة. ويقول سبحانه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾(الاعراف:ا94). ومفاد الآية أن الله تعالى أرسل رسله لإبلاغ تكاليفه تعالى إلى العباد وإرشادهم إلى طريق الكمال، غير أن الرفاهة والرخاء والتوغل في النعم المادية، ربما يسبب الطغيان وغفلة الإنسان عن هدف الخلقة وإجابة دعوة الأنبياء، فاقتضت حكمته تعالى أخذهم بالبأساء والضراء، لعلهم يضرعون ويبتهلون إلى الله تعالى5. ولأجل ذلك نشهد أن الأنبياء لم يكتفوا بإقامة الحجة والبرهان، والإتيان بالمعاجز، بل كانوا ـ مضافاً إلى ذلك ـ مبشرين ومنذرين. وكان الترغيب والترهيب من شؤون رسالتهم، قال تعالى:﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ﴾(النساء:165). والإنذار والتبشير دخيلان في رغبة الناس بالطاعة وابتعادهم عن المعصية. وفي كلام الإمام علي عليه السَّلام إشارة إلى هذا قال عليه السَّلام: "أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأَن يعرّفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي6. والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلا بالترغيب، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك... الخ"7. وقوله عليه السَّلام : "والأمر والنهي لا يجتمعان إلاّ بالوعد والوعيد"، إشار إلى أنّ امتثال الأمر والنهي ونفوذهما في نفوس الناس يتوقف على الثواب والعقاب، فلولاهما لما كان هناك حركة إيجابية نحو التكليف إلاّ من العارفين الذين يعبدون الله تعالى لا رغبة ولا رهبة، بل لكونه مستحقاً للعبادة. فتحصّل من ذلك أنّ ما هو دخيل في تحقق الرغبة بالطاعة، والإبتعاد عن المعصية، في نفوس الأكثرية الساحقة من البشر، يجب على الله سبحانه القيام به صوناً للتكليف عن اللغو، وبالتالي صوناً للخلقة عن العبث. نعم إذا كانت هذه المبادي كافية في تحريك الأكثرية، نحو الطاعة، ولكن القليل منهم لا يمتثلون إلاّ في ظروف خاصة، كاليسر في الرزق، أو كثرة الرفاه، فهل هو واجب على الله سبحانه؟. الظاهر لا، إلا من باب الجود والتفضل. وبذلك يعلم أن اللطف المقرب إذا كان مؤثراً في رغبة الأكثرية بالطاعة وترك المعصية يجب من باب الحكمة. وأما إذا كان مؤثراً في آحادهم المعدودين، فالقيام به من باب الفضل والكرم. بالتالي اسقاط قاعدة اللطف في مواردها يستلزم محذور نقض الغرض او اللغوية على المولى وهو غير ممكن.

1