( 22 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

اتباع اهل البيت عليهم السلام

لقد استطعت من خلال ابحاثي العلمية ان اعي بدقة حقيقة مدرسة النبي وآل بيته الاطهار عليهم السلام واعرف بدقة تامة لماذا ابتعد الآخرون عن هذه المدرسة الطاهرة ولكنني لم استطع ان افهم بدقة تامة اسباب التشتت والانقسامات بين اتباع هذه المدرسة الطاهرة. هل من الممكن ان اعرف تلك الاسباب او بعضها لكي اساهم بحلها؟


من الاسباب المهم هي العصبية الجاهلية التي اشار اليها العلامة السيد مرتضى العسكري في كتابه (عبدالله بن سبأ) ما نصه: في العقد الفريد ۳ / ۶٢، وأبو بكر الجوهري في سقيفته برواية ابن أبي الحديد ۳ / ۱٢۰: " توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو سفيان غائب في مسعاة أخرجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف لقي رجلا في بعض طريقه مقبلا من المدينة . فقال له: مات محمد؟ قال: نعم. قال: فمن قام مقامه؟ قال: أبو بكر. قال أبو سفيان: فماذا فعل المستضعفان علي و العباس. قال: جالسين. قال: أما والله لئن بقيت لهما لأرفعن من أعقابهما، ثم قال: إني أرى غبرة لا يطفيها إلا دم. فلما قدم المدينة جعل يطوف في أزقتها ويقول: بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ولا سيما تيم بن مرة أو عدي فما الامر إلا فيكم وإليكــــــم وليس لها إلا أبو حسن علي . . . الخ " . وفي رواية اليعقوبي(۱) بعد هذين البيتين: "أبا حسن فاشدد بها كف حازم فإنك بالامر الذي يرتجى ملي وإن امرء يرمي قصي وراءه عزيز الحمى والناس من غالب قصي" وفي رواية الطبري ٢ / ۴۴۹ (٢) أن أبا سفيان أقبل وهو يقول: "والله إني لأرى عجابة لا يطفيها إلا دم، يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الاذلان علي والعباس ؟ " وقال: أبا حسن أبسط يدك حتى أبايعك، فأبى علي عليه السلام فجعل يتمثل بشعر المتلمس: إن الهوان حمار الأهل يعرفه والجر ينكره والرسلة الاجد(۳) ولا يقيم على ضيم يراد بـــــه إلا الاذلان عير الحي والوتد هذا على الخسف معكوس برمته وذا يشج فلا يبكي له أحد(۴) كان حريا بشعار نادى به شيخ الأمويين صخر بن حرب - يا آل عبد مناف - أن يغير مجرى التاريخ لولا امتناع علي عن إقراره. فما بال أبي سفيان بعد أن حارب الرسول بكل قواه حتى غلب على أمره ينتصر لقرابة هذا الخصم بعد وفاته ؟ وهل كان أبو سفيان صادقا في انتصاره لعلي أم كان طالب فتنة كما قالوا؟! وعجبا لعلي بينا يعارض بيعة أبي بكر ستة أشهر ويستنصر المهاجرين و الأنصار و يستنهضهم و يجمعهم في دار فاطمة - حتى يجلب الحطب لاحراقها بمن فيها - يعرض عن بيعة شيخي قريش عباس وصخر! فما باله يستنصر الغريب ويرفض نصرة عمه وابن عمه القريب ؟ ! عجب هذا. ويرتفع هذا العجب بدراسة أهداف الطرفين: أما أبو سفيان فإنه كان ينظر إلى الرسول و مركزه بين قومه نظرة زعيم عربي إلى ابن عم منافس له في الزعامة قد توارثا المنافسة على الزعامة خلفا عن سلف. و أما الدين الذي جاء به ابن عمه هذا فلم يكن ليعبأ به - ليؤمن به أو يكفر - غير أنه كان يرى فيه امتدادا لتلك المنافسة الموروثة، و قد قال أبو سفيان للعباس يوم فتح مكة بعد أن أسلم و رأي عظم جيوش النبي: "والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما". فقال له العباس: يا أبا سفيان ! إنها النبوة. قال: فنعم إذا(۵) لم يكن هذا الزعيم المغلوب على أمره ليرضى أن تخرج الزعامة من بيت ابن عمه إلى بيت قصي عنه بعد أن خرجت من بيته . وكانت العصبية القبلية في الجاهلية قبل الاسلام عماد الحياة في الجزيرة العربية. و أما العصر الاسلامي الأول، فمهما جاهد الرسول في إماتة العصبية القبلية ودفنها! فإنها كانت تظهر بين حين وآخر متحدية جهاد الرسول في نشره الإخاء الانساني ، وفي سيرة الرسول وأصحابه كثير من الشواهد الدالة على ذلك. وإن هذه العصبية لم تكن بين آل عبد مناف صاحب الزعامة القرشية بأقل منها في غيرها. روى ابن هشام عن العباس أنه ركب بغلة النبي ليلة فتح مكة، وخرج يبحث عن رسول يوفده إلى قريش فيخبرهم بقدوم النبي ليأتوا إليه فيستأمنوه، فرأى أبا سفيان فقال له: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك. ثم أردفه وأخذه ليستأمن له من النبي، وكلما مر على نار من نيران المسلمين قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وآله على بغلته حتى مر على عمر بن الخطاب، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة، قال: أبو سفيان ! عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فركض العباس بالبغلة وسبقه، قال العباس: فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و دخل عليه عمر، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد ولا عهد، فدعني فلاضرب عنقه، قال: فقلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله فأخذت برأسه فقلت: والله يناجيه الليلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلا يا عمر ! فوالله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف (۶) ... المزید الخ. إن ما ذكرناه مورد واحد مما ظهرت فيه العصبية القبلية جلية سافرة، فإن العصبية القبلية هي التي حفزت كلا من العباس وعمر ليشتدا نحو رسول الله بغية الوصول إلى ما يعنيهما من أمر العصبية القبلية . وكذلك العصبية القبلية هي التي دفعت أبا سفيان إلى أن ينادي بعيد وفاة الرسول: "يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم(۷). ويقول: ما لنا ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف"(۸). إذن فإن أبا سفيان الذي حارب ابن عمه الرسول فيما سبق كان صادقا في عزمه حينما قال: "أما والله لئن بقيت لأرفعن من أعقابهما"(۹) لأنه الآن هو و أخوه و ابن عمه على الغريب(۱۰) كان حريا بهذا النداء أن يغير التاريخ على حساب العصبية القبلية، فإن زعامة قريش كانت في آل عبد مناف أعز قريش قبيلا و أكثرها عددا على اختلاف ذات بينها من هاشمية و أموية، فكيف بها وقد جمع شملها خشية خروج الزعامة من بيتها؟ فقد كانت آل عبد مناف تنقسم إلى بطون: هاشم و نوفل و المطلب و عبد شمس ، و إن عبد شمس وحدها كانت تنقسم إلى أفخاذ : العبلات و ربيعة و عبد العزى وحبيبة و أمية ... الخ، وإن أمية وحدها كانت تنقسم إلى بيوت كثيرة، منها بيت حرب. فما ظنك بهذه البطون و الأفخاذ إن اجتمعت هي و بنو أعمامها من قبائل قصي، إذن لقد صدق أبو سفيان في قوله: "وإن امرءا يرمي قصي وراءه - عزيز الحمى" وكان ذلك المرء عليا شبل شيخ الأباطح - أبي طالب - أما تيم بن مرة رهط أبي بكر فكان كما عرفها أبو سفيان: "أقل حي في قريش وأذلها" وكذلك كان (عدي) رهط عمر وإن كلا الرهطين لم يكونا من قصي - صميم قريش وسادتها - . ولم يكن لنداء العباس وحده ما رأينا لنداء أبي سفيان من أثر، أما إذا اجتمعت اليدان و النداءان فهناك الصيلم (۱۱) برزت العصبية الجاهلية سافرة بعد وفاة الرسول(ص)، فالأنصار عندما اجتمعوا في سقيفتهم ليبايعوا سعدا إنما لبوا داعي العصبية وحدها فإنهم كانوا يعلمون بأن في المهاجرين من هو أفضل من سعد وأتقى. وكذلك الأوس قد اندفعت بداعي العصبية للمبادرة إلى بيعة أبي بكر لتدفع الامارة عن الخزرج ، وإن جنوح عمر إلى هذه العصبية لجلي أيضا في حجاجه في السقيفة. ولم يشذ أبو سفيان عن غيره في موقفه لعلي و ندائه له، غير أن عليا قد شذ عن هذه الفكرة ولم يرض أن يستولي على الحكم بالنعرة العصبية، و هو الذي اتبع الرسول في حربه للعصبية اتباع الفصيل أثر أمه، فهو يريدها دينية قرآنية لا قبلية جاهلية، ويطلب أنصارا من قبيل سلمان وأبي ذر و عمار و نظرائهم ممن يحدوهم المبدأ و العقيدة إلى نصرته (۱٢)، ويأبى قبول نصرة أبي سفيان بداعي العصبية فإن فيه إحياء أمر الجاهلية، وإماتة حكم الاسلام. إذا فإن أبا سفيان كان صادقا في تعصبه لعلي، غير أن نقلة الأحاديث وكتبة التاريخ لما كرهوا موقفه من بيعة أبي بكر، وصموه بأنه طالب فتنة، كما طعنوا في غيره من معارضي أبي بكر و وصموهم بالردة والفتنة. ومن العجيب أنهم وضعوا ما وصموا به أبا سفيان على لسان علي نفسه، فقد رووا أن عليا عندما قال له أبو سفيان: "ما بال هذا الامر في أقل حي من قريش، والله لئن شئت لأملأنها خيلا و رجالا. قال: يا أبا سفيان طالما عاديت الاسلام وأهله فلم تضره بذلك شيئا ، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا(۱۳)". ولا نعلم لم يجبه أبو سفيان ويقول له فلم لا تبايعه (۱۴) إن كنت قد وجدته لها أهلا! لا، لم يقل علي لأبي سفيان: "إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا" ولكنه قال له: "لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضتهم"(۱۵) و قد وصف علي موقف أبي سفيان في كتابه إلى معاوية، و قال: "فأبوك كان أعلم بحقي منك، وإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك" (۱۶) ولما يئس أبو سفيان من علي و خاف من (ندائه) الحزب الحاكم قرب أحدهما من الآخر (فقال عمر لأبي بكر: إن هذا قد قدم و هو فاعل شرا، و قد كان النبي يستألفه على الاسلام فدع له ما بيده من الصدقة، ففعل، فرضي أبو سفيان و بايعه) (۱۷) ويظهر من رواية الطبري أن التفاهم قد تم بينه و بينهم بعد تعيين ابنه يزيد بن أبي سفيان أميرا على الجيش الغازي سورية(۱۸). رأي معاوية بن أبي سفيان : قال معاوية في كتابه له (۱۹) إلى محمد بن أبي بكر: "فقد كنا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا مبرورا علينا ، فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبلج حجته، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه، كان أبوك و فاروقه أول من ابتزه حقه و خالفه على أمره. على ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم و أرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما و سلم لهما وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضهما الله ... فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به و نحن شركاؤه، و لولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب و لسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك، أودع ذلك والسلام على من أناب ". المصادر: (۱) في تاريخه ٢ / ۱۰۵ "وفي رواية الموفقيات أكثر تفصيلا من هذا" راجع شرح النهج ۶/ ۷ . (٢) وط . أوروبا ۱ / ۱۸٢۷ - ۱۸٢۸ . (۳) الرسلة بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه : الجماعة، والاجد بضم أوله وثانيه : القوية . (۴) وقريب من هذه الرواية رواية أبي بكر الجوهري في كتابه السقيفة على رواية ابن أبي الحديد ٢ / ۱۳۰ ، الطبعة المصرية . (۵) سيرة ابن هشام ۴ / ٢۳ . (۶) عن ابن هشام ۴ / ٢۱ / ملخصا . (۷) الطبري ٢ / ۴۴۹ ، وط . أوروبا ۱ / ۱۸٢۷ . (۸) الطبري ٢ / ۴۴۹ ، وط . أوروبا ۱ / ۱۸٢۷ . (۹) ابن عبد ربه ۳ / ۶٢ . (۱۰) في المثل العربي : " أنا على أخي و أنا وأخي على ابن عمي و أنا و أخي و ابن عمي على الغريب ". في أنساب الأشراف ۱ ص ۵۸۹ قال أبو قحافة عندما بلغه نبأ وفاة الرسول وهو بمكة :( فمن ولي أمر الناس بعده ؟ قالوا له: ابنك، فقال: أرضي بذلك بنو هاشم و بنو عبد شمس و بنو المغيرة ؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما أعطى الله ) . وفي شرح النهج ۱ / ۵٢ قال : أفرضي بذلك بنو عبد مناف ؟ (۱۱) الامر الشديد ، الداهية . (۱٢) وقد قصد هذا في قوله لأبي سفيان لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضتهم " . (۱۳) الطبري ٢ ص ۴۴۹ وفي ط . أوروبا ۱ / ۱۸٢۷ . هذه الرواية عن عوانة ، وفي لسان الميزان ۴ / ۳۸۶ ، كان يضع الأحاديث . وراجع آدم متز : الحضارة الاسلامية ۱ / ۳۸ ، ثم إن عوانة قد توفي سنة ۱۵۸ هوروى هذه الرواية عن سنة ۱۱ هبلا سند . (۱۴) راجع قبله موقف علي من بيعة أبي بكر ص ۱٢۳ - ۱۴۳ . (۱۵) راجع قبله ص ۱۴۰ - ۱۴۱ . (۱۶) ابن عبد ربه ۳ / ۱۱٢ وفي ط لجنة التأليف ۴ / ۳۳۴ وابن أبي الحديد ٢ / ٢٢۱ و ج ۱۵ شرح غزاة مؤتة وصفين لنصر بن مزاحم ص ۴۹ . (۱۷) ابن عبد ربه ۳ / ۶٢ . (۱۸) راجع الطبري ٢ / ۴۴۹ . وفي ط . أوروبا ۱ / ۱۸٢۷ ولفظه : ( وقيل له قد ولى ابنك قال :وصلته رحم " . (۱۹) المسعودي في مروجه ٢ / ۶۰ . وابن ظهير في محاسن مصر والقاهرة مع اختلاف في اللفظ . راجع ص ٢۶۵ من الغدير لصاحب العبقات السيد مير حامد حسين . وقد رواه كل من نصر بن مزاحم ۱۳۵ - ۱۳۶ ط القاهرة ۱۳۶۵ وفي شرح النهج ٢ / ۶۵ و ۱ / ٢۸۴ مع اختلاف في بعض ألفاظه . (عبد الله بن سبا السيد مرتضى العسكري ج ۱ /۱۴۴ - ۱۵٢)

1