Diyaa Sabah ( 40 سنة ) - العراق
منذ 4 سنوات

زواج زينب بنت جحش

السلام عليكم ... وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَـمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا من سورة الأحزاب- آية (37)ممكن تفسير الاية


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل أن سبب نزول الآيات {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا}. وكذلك { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزوج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا}. وكذلك {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا } على قول أغلب المفسرين هو في قضية زواج " زينب بنت جحش " - بنت عمة الرسول الأكرم - بزيد بن حارثة مولى النبي (صلى الله عليه وآله) المعتق، وكانت القصة كما يلي: كانت خديجة قد اشترت قبل البعثة  وبعد زواجها بالنبي (صلى الله عليه وآله) عبدا اسمه زيد، ثم وهبته للنبي (صلى الله عليه وآله) فأعتقه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما طردته عشيرته وتبرأت منه تبناه النبي (صلى الله عليه وآله). وبعد ظهور الإسلام أصبح زيد مسلما مخلصا متفانيا، وأصبح له موقع ممتاز في الإسلام، وكما نعلم فإنه أصبح في النهاية أحد قواد جيش الإسلام في معركة مؤتة واستشهد فيها. وعندما صمم النبي (صلى الله عليه وآله) على أن ينتخب زوجة لزيد، خطب له " زينب بنت جحش " - والتي كانت بنت " أمية بنت عبد المطلب "، أي بنت عمته - فكانت زينب تظن أن النبي (صلى الله عليه وآله) يريد أن يخطبها لنفسه، فسرت ورضيت، ولكنها لما علمت فيما بعد أن خطبته كانت لزيد تأثرت تأثرا شديدا وامتنعت، وكذلك خالف أخوها عبد الله هذه الخطبة أشد مخالفة. هنا نزلت الآية الأولى من الآيات مورد البحث وحذرت زينب وعبد الله وأمثالهما بأنهم لا يقدرون على مخالفة أمر يراه الله ورسوله ضروريا، فلما سمعا ذلك سلما لأمر الله. إن هذا الزواج لم يكن زواجا بسيطا - كما سنرى ذلك - بل كان مقدمة لتحطيم سنة جاهلية مغلوطة، حيث لم تكن أية امرأة لها مكانتها وشخصيتها في المجتمع مستعدة للاقتران بعبد في زمن الجاهلية، حتى وإن كان متمتعا بقيم إنسانية عالية. غير أن هذا الزواج لم يدم طويلا، بل إنتهى إلى الطلاق نتيجة عدم الانسجام واختلاف أخلاق الزوجين، بالرغم من أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان مصرا على أن لا يتم هذا الطلاق. بعد ذلك اتخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بأمر الله " زينب " زوجة له لتعوض بذلك فشلها في زواجها، فانتهت المسألة هنا، إلا أن همهمات وأقاويل قد ظهرت بين الناس، وقد اقتلعها  القرآن  وعالجها في هذه الآيات التي نبحثها، وسيأتي تفصيل ذلك، إن شاءالله تعالى. تمرد عظيم على العرف: نعلم أن روح الإسلام التسليم، ويجب أن يكون تسليما لأمر الله تعالى بدون قيد أو شرط، وقد ورد هذا المعنى في آيات مختلفة من القرآن الكريم، وبعبارات مختلفة، ومن جملتها الآية أعلاه، والتي تقول: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم بل يجب أن يجعلوا إرادتهم تبعا لإرادة الله تعالى، كما أن كل وجودهم من الشعر حتى أخمص القدمين مرتبط به ومذعن له. (قضى) هنا تعني القضاء التشريعي، والقانون والأمر والحكم والقضاء، ومن البديهي أن الله تعالى غني عن طاعة الناس وتسليمهم، ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) ينظر بعين الطمع لهذه الطاعة، بل هي في الحقيقة لمصلحتهم ومنفعتهم، فإنهم قد يجهلونها لكون علمهم وآفاتهم محدودة، إلا أن الله تعالى يعلمها فيأمر نبيه بإبلاغها. إن هذه الحالة تشبه تماما حالة الطبيب الماهر الذي يقول للمريض: إنني أبدأ بعلاجك إذا أذعنت لأوامري تماما، ولم تبد أي مخالفة تجاهها، وهذه الكلمات تبين غاية حرص الطبيب على علاج مريضه، والله تعالى أسمى وأرحم بعباده من مثل هذا الطبيب، ولذلك أشارت الآية إلى هذه المسألة في نهايتها، حيث تقول: ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. فسوف يضل طريق السعادة، ويسلك طريق الضلال والضياع، لأنه لم يعبأ بأمر رب الكون الرحيم، وبأمر رسوله، ذلك الأمر الضامن لخيره وسعادته، وأية ضلالة أوضح من هذه؟! ثم تناولت الآية التالية قصة " زيد " وزوجته " زينب " المعروفة، والتي هي إحدى المسائل الحساسة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، ولها ارتباط بمسألة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) التي مرت في الآيات السابقة، فتقول: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله. والمراد من نعمة الله تعالى هي نعمة الهداية والإيمان التي منحها لزيد بن حارثة، ومن نعمة النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان قد أعتقه وكان يعامله كولده الحبيب العزيز. ويستفاد من هذه الآية أن شجارا قد وقع بين زيد وزينب، وقد استمر هذا الشجار حتى بلغ أعتاب الطلاق، وبملاحظة جملة تقول حيث إن فعلها مضارع، يتسفاد أن النبي كان ينصحه دائما ويمنعه من الطلاق. هل أن هذا الشجار كان نتيجة عدم تكافؤ الحالة الاجتماعية بين زينب وزيد، حيث كانت من قبيلة معروفة، وكان هو عبدا معتق؟ أم كان ناتجا عن بعض الخشونة في أخلاق زيد؟ أو لا هذا ولا ذاك، بل لعدم وجود انسجام روحي وأخلاقي بينهما، فإن من الممكن أن يكون شخصان جيدين، إلا أنهما يختلفان من ناحية السلوك والفكر والطباع بحيث لا يستطيعان أن يستمرا في حياة مشتركة؟ ومهما يكن الأمر فإن المسألة إلى هنا ليست بذلك التعقيد. ثم تضيف الآية: وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. لقد أسهب المفسرون هنا في الكلام، وكان تسامح بعضهم في التعبيرات قد منح الأعداء حربة للطعن، في حين يفهم من القرائن الموجودة في نفس الآية، وسبب نزول الآيات، والتأريخ، أن معنى الآية ليس مطلبا ومبحثا معقدا، وذلك إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد قرر أن يتخذ " زينب " زوجة له إذا ما فشل الصلح بين الزوجين ووصل أمرهم إلى الطلاق لجبران هذه النكسة الروحية التي نزلت بابنة عمته زينب من جراء طلاقها من عبده المعتق، إلا أنه كان قلقا وخائفا من أن يعيبه الناس ويثير مخالفيه ضجة وضوضاء، من جهتين: الأولى: أن زيدا كان ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتبني، وكان الابن المتبنى - طبقا لسنة جاهلية - يتمتع بكل أحكام الابن الحقيقي، ومن جملتها أنهم كانوا يعتقدون حرمة الزواج من زوجة الابن المتبنى المطلقة. والاخرى: هي كيف يمكن للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يتزوج مطلقة عبده المعتق وهو في تلك المنزلة الرفيعة والمكانة السامية؟ ويظهر من بعض الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد صمم على أن يقدم على هذا الأمر بأمر الله سبحانه رغم كل الملابسات والظروف، وفي الجزء التالي من الآية قرينة على هذا المعنى. بناء على هذا، فإن هذه المسألة كانت مسألة أخلاقية وإنسانية، وكذلك كانت وسيلة مؤثرة لكسر سنتين جاهليتين خاطئتين، وهما: الاقتران بمطلقة الابن المتبنى، والزواج من مطلقة عبد معتق. من المسلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا ينبغي أن يخاف الناس في مثل هذه المسائل، ولا يدع للضعف والتزلزل والخشية من تأليب الأعداء وشايعاتهم إلى نفسه سبيلا، إلا أن من الطبيعي أن يبتلى الإنسان بالخوف والتردد في مثل هذه المواقف، خاصة وأن أساس هذه المسائل كان اختيار الزوجة، وأنه كان من الممكن أن تؤثر هذه الأقاويل والضجيج على انتشار أهدافه المقدسة وتوسع الإسلام، وبالتالي ستؤثر على ضعفاء الإيمان، وتغرس في قلوبهم الشك والتردد. لهذا تقول الآية في متابعة المسألة: إن زيد لما أنهى حاجته منها وطلقها زوجناها لك: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان لابد أن يتم هذا الأمر وكان أمر الله مفعولا. " الأدعياء " جمع " دعي "، أي الابن المتبنى، و " الوطر " هو  الحاجة  المهمة، واختيار هذا التعبير في مورد طلاق زينب للطف البيان، لئلا يصرح بالطلاق الذي يعد عيبا للنساء، بل وحتى للرجال، فكأن كلا من هذين الشخصين كان محتاجا للآخر ليحيا حياة مشتركة لمدة معينة، وافتراقهما كان نتيجة لإنتفاء هذه الحاجة ونهايتها. والتعبير ب‍ زوجناكها دليل على أن هذا الزواج كان زواجا بأمر الله، ولذلك ورد في التواريخ أن زينب كانت تفتخر بهذا الأمر على سائر زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، وكانت تقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله من السماء. ومما يستحق الانتباه أن القرآن الكريم يبين بمنتهى الصراحة الهدف الأصلي من هذا الزواج، وهو إلغاء سنة جاهلية كانت تقضي بمنع الزواج من مطلقات الأدعياء، وهذا بنفسه إشارة إلى مسألة كلية، وهي أن تعدد زواج النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن أمرا عاديا بسيطا، بل كان يرمي إلى أهداف كان لها أثرها في مصير دينه. وجملة كان أمر الله مفعولا إشارة إلى وجوب الحزم في مثل هذه المسائل، وكل عمل ينبغي فعله يجب أن ينجز ويتحقق، حيث لا معنى للاستسلام أمام الضجيج والصخب في المسائل التي تتعلق بالأهداف العامة والأساسية.

2