( 28 سنة ) - السعودية
منذ سنتين

تاريخ النبي لوط عليه السلام

ماكانت طبيعة القرى التي بعث اليها لوط عليه السلام ومتى بدأت بفعل ظاهرة الشذوذ ؟وماذا حلّ بهم بعد مجيء النبي لو عليه السلام لهم ؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا إنّ نبي الله لوط عليه السلام قد هاجر مع النبي إبراهيم عليه السلام في رحلته من العراق إلى الشام وفلسطين، حيث استقرَّ لوط عليه السلام في سدوم بالقرب من عاموراء، على شاطئ البحر الميت، في مايعرف اليوم بالأردن. كان أهل سدوم قوماً بخلاء يستثقلون الضيف ويسعون للتخلص منه بشتى الوسائل، وكانوا يسمَّون "أهل المؤتفكة" لأنّهم كانوا أهل إفكٍ ولهوٍ ولغوٍ ودجلٍ وباطلٍ وفساد، لايستحيون من فعل القبيح، يأتون المنكرات بمحضر النساء والبنات كما وصفهم الله تعالى حيث وجّه الخطاب إليهم على لسان نبيِّه لوط عليه السلام: ﴿وتأتون في ناديكم المنكر﴾ . ليس هذا فحسب، بل كان أهل سدوم أهل ظلم وجور، حتى أن القاضي عندهم كان يحكم لهم على الغرباء، بحقٍ وبغير حق، حيث يُروى أن سارة زوجة إبراهيم عليه السلام بعثت إلى سدوم رسولاً من قبلها ليستطلع لها أخبار أخيها لوط عليه السلام ويأتيها بها. فلما وصل الرسول إلى تلك البلاد لقيه رجل من أهلها وضربه بحجر على رأسه، فسال دمه على وجهه وثيابه، ثم أن ذلك الرجل تعلَّق برسول سارة وأخذ يطالبه بأجر على فعلته تلك، بحجة أنَّ الدم الذي سال لو بقي لأضرَّ بجسم الرسول. وبعد مشاحنات ومجادلات دعاه رسول سارة إلى القضاء وهو لايعرف ماذا ستكون النتيجة. وتوجها إلى قاضي سدوم فما كان منه إلا أن حكم على الرسول المضروب للرجل المعتدي... فعمد رسول سارة إلى حجر وضرب به راس القاضي فشجّه وأسال دمه وولى هارباً وهو يقول له: "ادفع إلى ضاربي هذا مايتوجب لي عليك لقاء ضربي إياك". ومهما يكن من أمر صحة هذه الرواية وطرافتها سواء أكانت صحيحة أم مروية على سبيل التندّر والتهكم والمبالغة في التدليل على ظلم أهل سدوم، فإنها تبقى دليلاً على أن أهل تلك البلاد كانوا يتجاوزون الحدود في أعمالهم وتصرفاتهم. ويحدثنا المؤرخون أن أهل سدوم كلهم باستثناء أهل بيت واحد هو بيت لوط عليه السلام كانوا يتضاربون في مجالسهم ونواديهم، ويجتمعون على نكاح الرجل الغريب، ويتوالون على ذلك حتى في محضر نسائهم وبناتهم، كما كانوا يخذفون الغرباء الذين يمرون في ديارهم بالحجارة، فأيهم أصابه حجر أخذوا ماله ونكحوه، وكان لهم قاضٍ يفتي لهم بذلك، بلا حشمة أو حياء، حتى أنهم قطعوا الطريق على المارة خشية هذه الفاحشة المنكرة. رأى لوط عليه السلام عمل أهل تلك البلاد، فساءه ذلك منهم، خصوصاً وأنه كان يعيش بين ظهرانيهم وقد تزوج امرأة منهم، وحاول عليه السلام إصلاح حالهم، فدعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ونهاهم عن الفواحش والمحرمات والمنكرات التي كانوا يرتكبونها. وقد قصَّ القرآن الكريم قصّة تلك الدعوة فقال: ﴿ولوطاً إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين؟ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء! بل أنتم قوم مسرفون﴾ . أما أهل سدوم فكانت ردة فعلهم على هذه الدعوة معاكسة، فراحوا ينهون لوطاً عن استقبال الضيوف ويهددونه بالإخراج من بلادهم إن هو أصر على دعوته وملاحظاته وتأنيبه لهم، ومازادتهم دعوته إلاّ إصراراً على منكرهم، واستمروا في كفرهم وفجورهم، كما حكى ذلك القرآن الكريم: ﴿وماكان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون﴾ . واستمر لوط عليه السلام في نصحة وإرشاده، فما كان منهم إلا أن اشترطوا عليه ألاَّ يضيف أحداً من الناس، وإلا طردوه من ديارهم، ولكنه عليه السلام راح يكرر دعوته لهم، رغم مضايقاتهم له، محاولاً ثنيهم وردعهم عن ارتكاب المحرمات والفواحش، ولكن برفقٍ ولينٍ هذه المرَّة قائلاً لهم: ﴿أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم؟ بل أنتم قوم عادون﴾ ! وورد عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان قوم لوط من أفضل قوم خلفهم الله فطلبهم إبليس الطلب الشديد ، ثم ذكر كيف علمهم أن يلوطوا به ـ إلى أن قال ـ فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بالرجال بعضهم ببعض ، ثم جعلوا يرصدون مارة الطريق فيفعلون بهم وأقبلوا على الغلمان ، ثم ذكر كيف بعث الله إليهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكيف أهلكهم الله ، وأنجى لوطا وبناته ـ إلى أن قال : ـ قال الله عزّ وجلّ : لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) من ظالمي امتك إن عملوا ما عمل قوم لوط . وفي (علل الشرايع)باسناده إلى أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ من البخل؟ قال نعم في كل صباح ومساء، ونحن نتعوذ بالله من البخل، انه يقول: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وسأخبرك عن عاقبة البخل: ان قوم لوط كانوا أهل قرية اشحاء على الطعام، فأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم. فقلت وما أعقبهم؟ فقال إن قرية قوم لوط كانت على طريق السيارة تنزل بهم فيضيفونهم، فلما أكثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا بخلا ولؤما، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم، وانما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى ينكل النازل عنهم، فشاع أمرهم في القرى، فأورثهم البخل بلاءا لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم من غير شهوة إلى ذلك حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل. فقلت له جعلت فداك فهل كان أهل قرية لوط كلهم يفعلون؟ فقال نعم الا أهل بيت منهم من المسلمين، اما تسمع لقوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وان لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذرهم عذابه، وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط، ولا يتطهرون من الجنابة، وكان لوط ابن خالة إبراهيم، وكانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط، وكان لوط وإبراهيم نبيين مرسلين منذرين، وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به ويحذرهم قومه، قال: فلما رأي قوم لوط ذلك منه قالوا له: إنا ننهاك عن العالمين لا تقري ضيفا ينزل بك، ان فعلت فضحنا ضيفك الذي ينزل بك وأخزيناك، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم امره مخافة أن يفضحه قومه وذلك أنه لم يكن للوط عشيرة، قال: ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقعان نزول العذاب على قومهم، فكانت لإبراهيم وللوط منزلة من الله تعالى شريفة وان الله تعالى إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته مودة إبراهيم وخلته ومحبة لوط فيراقبهم فيؤخر عذابهم. قال أبو جعفر عليه السلام فلما اشتد أسف الله على قوم لوط وقدر عذابهم وقضى ان يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليهم فيسلى به مصابه بهلاك قوم لوط فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل فدخلوا عليه ليلا يفزع منهم وخالف أن يكونوا سراقا، فلما رأته الرسل فزعا مذعورا (قالوا سلام قال سلام إنا منكم وجلون قالوا لا توجل انا رسل ربك نبشرك بغلام عليم) قال أبو جعفر عليه السلام: والغلام العليم هو إسماعيل بن هاجر، فقال إبراهيم للرسل أبشرتموني على أن مسني الكبر، فبم تبشرون؟ قالوا: بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، فقال إبراهيم: فما خطبكم بعد البشارة؟ قالوا: انا أرسلنا إلى قوم مجرمين، قوم لوط انهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين. قال أبو جعفر عليه السلام: فقال إبراهيم للرسل ان فيها لوطا، قالوا: نحن اعلم بمن فيها، لننجينه وأهله أجمعين إلا امرأته قدرنا انها لمن الغابرين، قال: فلما جاء آل لوط المرسلون، قال: انكم قوم منكرون، قالوا: بل جئناك بما كانوا فيه قومك من عذاب الله يمترون وأتيناك بالحق لتنذر قومك العذاب وانا لصادقون فاسر بأهلك يا لوط إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيام ولياليها بقطع من الليل إذا مضى نصف الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك انه مصيبها ما أصابهم وأمضوا من تلك الليلة حيث تؤمرون. قال أبو جعفر (ع) فقضوا ذلك الامر إلى لوط ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، قال: أبو جعفر (ع) فلما كان يوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله تعالى رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط، وذلك قوله: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ يعني ذكيا مشويا نضجا فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف انا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة، فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت، يعني فتعجبت من قولهم قالت يا ويلتي أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشئ عجيب قالوا تعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد. قال أبو جعفر (ع) فلما جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق وذهب عنه الروع أقبل يناجي ربه في قوم لوط ويسأله كشف البلاء عنهم، فقال الله تعالى: يا إبراهيم اعرض عن هذا انه جاء أمر بك وانهم أتاهم عذابي بعد طلوع الشمس من يوم محتوم غير مردود. وفي (علل الشرائع): ابن المتوكل، عن الحميري، عن محمد بن الحسين، عين البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام في قول لوط: " إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين " فقال: إن إبليس أتاهم في صورة حسنة فيه تأنيث عليه ثياب حسنة، فجاء إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به، ولو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه ولكن طلب إليهم أن يقعوا به، فلما وقعوا به التذوه، ثم ذهب عنهم و تركهم فأحال بعضهم على بعض. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال في المنكوح من الرجال: هم بقية سدوم، أما إني لست أعني بقيتهم أنهم ولده ولكن من طينتهم، قلت: سدوم الذي قلبت عليهم؟ قال: هي أربعة مدائن: سدوم، وصديم، ولدنا وعميراء، قال: فأتاهم جبرئيل عليه السلام وهن مقلوبات إلى تخوم الأرضين السابعة، فوضع جناحه تحت السفلى منهن ورفعهن جميعا حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ثم قلبها. وقال الطبرسي رحمه الله: قيل: كانت أربع مدائن وهي المؤتفكات: سدوم، و عامورا، وداذوما، وصبوايم. وأعظمها سدوم، وكان لوط يسكنها. وقال المسعودي: أرسل الله لوطا إلى المدائن الخمسة وهي: سدوم وعموراء، و أدوما، وصاعورا، وصابورا. دمتم في رعاية الله

3