( 20 سنة ) - العراق
منذ سنتين

الرجوع الى الله

السلام عليكم سوالي اريدُ ان اعلم عند التوبه ورجوع الى الله هل يجب عليه ان لا احب الحياة الدنيا واتركها ابدا وعدم التمتع في مباحها والشي الغير محرم او اهداف الحياه البصيطه مثلآ في الرياضه او في العمل او شراء سيارتك التي تحبها ولزهد بكل شي


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "حبّ الدنيا رأس كل خطيئة"وليس المقصود من حب الدنيا والتعلّق بها، حبّ الطبيعة من الجبال والأنهار وغيرها أو حبّ الناس، بل المراد بحبّ الدنيا تعلّق القلب بهذه الأمور بحيث تشكّل عائقاً أمام ارتقاء الإنسان، وسفره نحو الآخرة والحق. وبشكل أدقّ إنّ تعلّق القلب بملذّات الدنيا وشهواتها وأموالها وزينتها إلى الحدّ الذي يحول دون توجّه عقل الإنسان وقلبه وفكره وعمله إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الحدّ الذي يدفعه إلى الوقوع في الحرام هو الأمر القبيح والمذموم، وهو الذي قالت عنه الروايات الشريفة إنّه رأس كل ذنب وخطيئة، ففي الحديث أنه ممّا وعظ به الله تعالى عيسى عليه السلام: "يا عيسى.. واعلم أَنّ رأس كلّ خطيئة وذنب هو حبّ الدنيا فلا تحبها، فإني لا أحبها". وذلك لأنّ الدنيا والآخرة لا يجتمعان، وحبها وحب الله في القلب لا يلتقيان، كما جاء عن مولى الموحدين عليه السلام أنه قال: "كما أَنّ الشمس والليل لا يجتمعان، كذلك حبّ اللَّه وحبّ الدنيا لا يجتمعان" وإذا أردنا أن نختصر الأمر نقول إنّ الدنيا في الحقيقة دنياءان: دنيا ممدوحة ودنيا مذمومة، كما قال إمامنا السجاد عليه السلام: "الدنيا دنياءان: دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة" فليس طلب مطلق الدنيا وطيّباتها حراماً ومذموماً ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، وذات يوم جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال له: "إنّا لنطلب الدنيا، ونحبّ أن نؤتاها، فقال: تحبُّ أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأَصِلُ بها وأتصدّق، وأحجّ وأعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة". وورد في نهج البلاغة أنّ شخصاً ذمّ الدنيا في محضر الإمام علي عليه السلام فعارضه الإمام عليه السلام بشدّة قائلاً: "أيّها الذامّ للدنيا، المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها، أتغترّ بالدنيا ثم تذمّها؟ - إلى أن قال -: إنَّ الدنيا دار صدق لمن صدّقها ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلّى ملائكة الله ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله...". فالحياة الدنيا بنفسها غير مذمومة، بل إنّ علاقة الإنسان بها وانخداعه واغتراره بها وغفلته عن الآخرة، وانشغاله بالدنيا إلى الحدّ الذي ينسى معه الله تعالى ولقاءه هو المذموم. فالذمّ يتوجّه أوّلاً إلى سلوك الإنسان وعلاقته بالدنيا. بمعنى آخر المذموم من حبّ الدنيا هو الدنيا التي توقع الإنسان في الحرام، وتكون سبباً للبعد عن الحق عزّ وجلّ، ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾. كما وإنّ الإسراف في طلب حلال الدنيا دون حسيب أو رقيب، ودون الرجوع إلى الحدود والضّوابط الشرعيّة والأحكام الإلهية، بحيث يضرّ ذلك بواجباته تجاه ربه، هو بدوره يعدّ من مصاديق الدنيا وحبّها الذي يؤدّي إلى عواقب وخيمة، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾. وإنّ نقطة الانحراف الأساس والتي تنشأ منها كلّ العيوب هي الإفراط في اهتمام الإنسان بالدنيا، وتعلّق قلبه بها وابتغاؤها بصورة مستقلّة. هذه الرؤية والتعلّق ناشئان عن جهل الإنسان وقلّة بصيرته، لأنه لو عرف أنّ الدنيا ليست دار بقاء، بل ماهيّتها الانقضاء وأنّنا في حال تحرّك دائم فيها، ولا نتوقّف حتّى لحظة واحدة لا في النوم ولا في اليقظة ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾، لو كانت للإنسان مثل هذه الرؤية لم يتعلّق قلبه بالدنيا أبداً. وإنّ المشكلة ليست في الحياة الدنيا، بل في كيفيّة تعاملنا واستفادتنا منها، فالإخلاد إليها والرّضا بها هو المشكلة، وهو الذي يكون ضارّاً وخطيراً ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ﴾. لذا يسأل الله تبارك وتعالى الناس (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ). دمتم في رعاية الله

2