منذ سنتين

معني قوله تعالي: (و عصي آدم ربّه فغوي)

ما معني قوله: (و عصي آدم ربّه فغوي)؟


أما معني قوله (و عصي) و (فغوي): ربّما يتمسك المخالف بهذين اللفظين، حيث قال سبحانه: (وَ عَصي‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوي‏)  لكن لا دلالة لهما علي ما يرتئيه المستدل. أمّا لفظة (عصي) فهي و إن كانت مستعملة في مصطلح المتشرعة في الذنب و المخالفة للإرادة القطعية الملزمة، و لكنه اصطلاح مختص بالمتشرعة و لم يجر القرآن علي ذلك المصطلح، بل و لا اللغة، فإن الظاهر من القرآن و معاجم اللغة أنّ العصيان هو خلاف الطاعة، قال ابن منظور: العصيان خلاف الطاعة عصي العبد ربه: إذا خالف ربّه، و عصي فلان أميره، يعصيه، عصيا و عصيانا و معصية: إذا لم يطعه ،و علي ذلك فيجب علينا أن نلاحظ الأمر الذي خولف في هذا الموقف، فإن كان الأمر مولوياً إلزامياً كان العصيان ذنباً، و إذا كان أمراً إرشادياً أو نهيا تنزيهيا لم تكن المخالفة ذنبا في‏المصطلح، لأجل ذلك لا يصلح التمسّك بهذا اللفظ و إثبات الذنب علي آدم عليه السلام. و إمّا اللفظة الثانية: أعني (فغوي) فالجواب عنها: انّ الغي يستعمل بمعني الخيبة، قال الشاعر: فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره* و من يغو لا يعدم علي الغي لائما أي و من حرم من الخير و لم يلقه، لا يحمده الناس و يلومونه. و في حديث موسي و آدم: (أغويت الناس) أي خيّبتهم، كما أنّه يستعمل في معني الفساد، و به فسر قوله سبحانه: (وَ عَصي‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوي) أي فسد عليه عيشه كما سيأتي‏ إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ المراد من الغي في الآية هو خيبة آدم و خسرانه و حرمانه من العيش الرغيد الذي كان مجردا عن الظمأ و العري، بل من المنغصات و المشقات، و ليس كل خيبة تتوجه الي الإنسان ناشئة من الذنب المصطلح، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد منه هو الفساد، و بذلك فسر ابن منظور المصري في لسانه قوله سبحانه (وَ عَصي‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوي) أي فسد عليه عيشه   و لا شك أنّ العيش في الجنّة لا يقاس بالعيش في عالم المادة الذي هو دار الفساد و الانحلال. و لو سلم أنّ الغي بمعني الضلال في مقابل الرشد، لكن ليس كل ضلال معصية، فإنّ من ضل في طريق الكسب أو في طريق التعلّم يصدق عليه أنّه غوي: أي ضل، و لكنه لا يلازم المعصية . و كان الأستاذ العلامة الطباطبائي ـ رضوان اللّه عليه ـ يقول في مجلس بحثه: إن لفظة (غوي) تعين الحالة التي تعرض للغنم عندما تنفصل عن القطيع فتبقي حائرة تنظر يميناً و شمالا و لا تشق طريقا لنفسها، و كان آدم ابو البشر حائرا بعد ما خالف نهي ربّه و ابتلي بما ابتلي به لا يدري كيف يعالج مشكلته، و كيف يتخلّص من هذا المأزق الحرج؟! و بالجملة: فالغي إن أريد منه الخروج عن جادّة التوحيد، و الانحراف عمّا رسم للإنسان من الواجبات والمحرمات، فهو يلازم الكفر تارة و الذنب أخري، و لكن ليس كل ضلال ـ علي فرض كون الغي بمعني الضلال ـ ملازماً للجرم و الذنب، فمن ضل عن الطريق و تاه عن مقاصده الدنيوية أو المصالح التي يجب أن ينالها، يصدق عليه أنّه (غوي) مقابل أنّه (رشد) و لكنه لا يلازم المعصية المصطلحة. و لا شك أنّ آدم بعد ما أكل من الشجرة بدت له سوأته و خرج من الجنة و هبط إلي دار الفساد، فعندئذ غوي في طريقه و ضل عن مصلحته. و بالجملة: فهذه الوجوه الثلاثة المذكورة حول (غوي) تثبت وهن الاستدلال بها علي العصيان

3