منذ سنتين

تفسير قول موسي (ع) (فعلتها و انا من الضالين‏).

هناك الكثير من الآيات تبين ان الانبياء يخطئون كالآية التي تذكر قول النبي موسي (فعلتها و انا من الضالين‏)، هل تدل علي عدم عصمته؟


المراد من الضلال هو الغفلة عمّا يترتب علي العمل من العاقبة الوخيمة، و نسيانها، و ليس ذلك أمراً غريباً، فقد استعمل في هذين المعنيين في الذكر الحكيم قال سبحانه: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْري‏)   فالمراد نسيان أحدي الشاهدتين و غفلتها عما شهدت به، و قال سبحانه: (أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفي‏ خَلْقٍ جَديد)  ، أي إذا غبنا فيه. قال في لسان العرب: الضلال: النسيان في التنزيل: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْري‏)) أي يغيب عن حفظها، و منه قوله تعالي: (َ فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) و ضللت الشي‏ء: أنسيته، و أصل الضلال: الغيبوبة يقال ضل الماء في اللبن إذا غاب، و منه قوله تعالي: (أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفي‏ خَلْقٍ جَديد) و علي الجملة: إنّ كليم اللّه يعترف بتلك الجملة عندما اعترض عليه فرعون بقوله: (وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتي‏ فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرين‏) و يعتذر عنها بقوله: (فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)  و المناسب لمقام الاعتذار هو تفسير الضلال بالغفلة عمّا يترتب علي العمل من النتائج و نسيانها. و حاصلة: أنّه قد استولت عليّ الغفلة حين الاقتراف، و غاب عني ما يترتب عليه من رد فعل و مر العاقبة، ففعلت ما فعلت. و من اللحن الواضح تفسير الضلالة بضد الهداية، كيف، و انّ اللّه سبحانه يصفه قبل أن يقترف القتل بقوله: (آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنين‏)  ، كما أنّ نفس موسي بعدما طلب المغفرة واستشعر إجابة دعائه (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهيراً لِلْمُجْرِمينَ) ، أ فيصح بعد هذا تفسير الضلالة بالغواية ضد الهداية ؟! كلا و لا.