ما صحة ما يروي من أن الإمام عليا(ع) نزل للبئر وقاتل الجن؟
هذه القصة لم ترد في الكتب المعتبرة التي كتبت في تاريخ الرسول صلي الله عليه و آله و الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بل وردت في بعض كتب الفضائل و من الكتب التي نقلت القصة[1] للشيخ جعفر نقدي. حيث أورد القصة تحت عنوان "غزوة بئر ذات العلم" و قال: روي العالم الفاضل. السيد محمد تقي القزويني عن بعض الكتب الغزوية، و العلامة الأجل محمد صالح البرغاني في كتابه "كنز الواعظين" عن بعض كتب أصحابنا، انه روي أبو الحسن العسكري عن ابي سعيد الخدري و حذيفة بن اليمان قال: لما رجع النبي صلي الله عليه و آله من غزاة الكاسك و السكون مؤيداً منصوراً ... المزید ثم ساق تمام القصة و كيف أن أمير المؤمنين عليه السلام حارب الجن و انتصر عليهم. و قد جاء في طيات الحديث مجموعة من النقاط الجديرة بالذكر هي:
1ـ إن أحد الأصحاب و هو "عمرو بن أمية الضيمري" قال للرسول صلي الله عليه وآله:" أنا اعرف هذه الأرض (التي وقعت فيها أحداث القصة) و أن اسمها الكثيب الازرق ، ثم اخذ يوصف البئر يقال له (ذات العلم) فيه ماء ابرد من الثلج و. .." و هذا لا ينسجم مع أحداث القصة و أن المنطقة ممنوعة الدخول لأي إنسان كان.
2ـ تقدم أحد أصحاب الرسول صلي الله عليه و آله اسمه "ابوالعاص بن الربيع" لمحاربة الجن و انه احرق في تلك المعركة، إضافة إلي أمور أخري لم تذكرها خوف الإطالة في الجواب علي هذا الأساس يمكن الإجابة عن السؤال ضمن فقرتين:
1ـ مناقشة سند الرواية.
2ـ مناقشة المتن.
الف: أما بالنسبة إلي السند
1ـ فقد ذكرنا أن القصة نقلها (أبو الحسن العسكري) عن أبي سعيد الخدري و حذيفة بن اليمان، و من المعلوم أن أبا سعيد و حذيفة من أصحاب الرسول(ص) و أما (أبو الحسن العسكري) فلم يرد له ذكر في كتب الرجال المعتبرة مثل (معجم رجال الحديث للسيد الخوئي) و (مستدركات رجال الحديث للنمازي) و إنما ورد ترجمة لشخص بهذا الاسم هو (أبو الحسن العسكري البحراني، يروي بالإجازة عن الشيخ البهائي سنة 998 و 999 و 1000) كما ذكر ذلك صاحب أعيان الشيعة المجلد العاشر صفحه 100.
فإذا كان هو المقصود فمن الواضح أن الفاصلة الزمنية بينه و بين أبي سعيد الخدري و حذيفة اكثر من 900 سنة، فكيف يروي عنهما مباشرة؟
ثم أن الفاصلة بينه و بن محمد تقي القزويني المتوفي 1264 ه و محمد صالح البرغاني المتوفي سنة 1283ه اكثر من قرنين من الزمن. فكيف يرويان عنه مباشرة؟
2ـ إن القزويني يرويها عن (بعض الكتب الغزوية) و محمد صالح البرغاني يرويها عن (بعض كتب أصحابنا) و من المعلوم أن عدم ذكر اسم الكتاب الذي أخذت منه القصة يعتبر نقطة ضعف في السند.
3ـ و هناك نقطة جديرة بالاهتمام: و هي أن الشيخ جعفر النقدي الذي أورد القصة في كتابه (الأنوار العلوية) لم يذكرها في كتابه (غزوات أمير المؤمنين) و الذي وضعه خصيصا لدراسة غزواته عليه السلام و قد ذكر المؤلف نفسه في هذه الكتاب (26) غزوة من غزوات النبي صلي الله عليه وآله ليس من ضمنها غزوة بئر ذات العلم ثم قال أي النقدي و قد ذكرت في كتب المناقب و غيرها غزوات أخري لكنها لم تبلغ من الشهرة مبلغا يمكن الاعتماد عليه ... (انظر غزاوت أمير المؤمنين ص 119 وهذا كلام صريح من المؤلف أن هذه الغزوة لم تكن من الشهرة التي توجب الاطمئنان لها.
4ـورد في هذه القصة اسم (ابوالعاص بن الربيع) و انه قتل في هذه المعركة مع الجن، و لكن بعض الكتب التي ترجمت لصحابة الرسول مثل (أسد الغابة ص 186،طبعة الشعب) فقد ترجم لابي العاص قائلا: و لما أرسل رسول الله صلي الله عليه و آله علياً إلي اليمن سار معه يعني أبن الربيع و كان مع علي أيضا لما بويع أبو بكر. و هذا يعني أن الرجل بقي حياً إلي ما بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله و لم يقتل في تلك المعركة المزعومة.
5ـ إن القصة لم تذكر في الكتب المعتبرة عند الشيعة و كذلك عند العامة، و خاصة كتاب "موسوعة غزوات النبي صلي الله عليه و آله" الذي استقصي جميع الغزوات و لم يذكر هذه الغزوة. كل ذلك يجعل التصديق بالقصة أمرا صعباً جداً إذا لم نقل بأنه مستحيل.
ب ـ و أما متن القصة فنقول: انه متن متهافت و غير دقيق و انه اقرب إلي نفس القصاصين و الوضاعين.
انظر المصادر التالية:
1ـ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي.
2ـ أسد الغابة لابن حجر.
3ـ موسوعة غزوات الرسول صلي الله عليه و آله.
4ـ أعيان الشيعة للأميني.
5ـ الذريعة للطهراني.
6ـ الأنوار العلوية جعفر النقدي.
7ـ غزوات أمير المؤمنين عليه السلام للنقدي.