اود ان اسأل لماذا الامام الحسن عليه السلام لم يقم بثورة كما قام الامام الحسين عليه السلام بثورة رغم ان الامام الحسين عليه السلام لم يكن يملك انصار بالشكل الذي يمكنه القيام بالثورة اريد ان اعرف السبب الجوهري والاساسي الذي لم يقم به الامام الحسن عليه السلام بالثورة؟
من الامور التاريخية التي وقع البحث عنها هي مسألة صلح الامام الحسن عليه السلام و قد كثر البحث فيها بين من يري ان الامام الحسن قد اخطأ ـ نعوذ باللّه ـ في عمله و بين من يدافع عنه و يدرس الامور بموضوعية و محاكمة للادلة و دراسة للواقع التاريخي الذي اديّ لأن يختار الامام الحسن هذا الطريق.
و لعلّ افضل من كتب في هذا المجال هو الشيخ راضي آل ياسين(قدس)في كتابه صلح الحسن (ع).
و هناك من بحث القضية ضمنا و هو الاستاذ عادل الاديب في كتابه الائمة الاثنا عشر دراسة تحليلية،كذلك السيّد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس)في كتابه (الائمة تعدد ادوار و وحدة هدف)حيث اشار الي نقطة جوهرية و هي ان الامّة في زمن الامام الحسن عليه السلام ابتليت بمرض الشك في القيادة و هذا المرض يحتاج الي فرصة زمنية تمنح للأمة لمعرفة الحق و هذا يستلزم عقد الصلح، و اما في زمن الامام الحسين(ع)فقد ابتليت الامة بمرض فقد الأرادة يعني ان الامة بعد ان اتضح امر معاوية و يزيد من خلال الفرصة التي منحها الامام الحسن عليه السلام للامة عن طريق الصلح وانكشف القناع الذي كان الامويون تسترون به.بدأت الامة تعرف من هو الامام الحق و من هو المتسلط الظالم و لكنها فقد الارادة علي التغيير وذلك بسبب العنف والقهر والطريقة الوحشية التي كان يستعملها معاوية وزبانيته في الترعيب والاخافة والتي نقل لنا التاريخ الكثير منها، ومن المعلوم وحسب قواعد علم النفس والاجتماع ان هذا المرض يحتاج الي دماء زكية تراق و ثورة تنطلق لتعيد للامة ارادتها و حيوتيها و نشاطها علي خلاف مرض الشك في القيادة الذي ابتليت به الامة في زمن الامام الحسن عليه السلام.فانه يحتاج الي منح الامة فرصة لمعرفة الحق من الباطل وهذا ما قام به الامام الحسن عليه السلام من خلال الصلح.
و نحن هنا سوف نستعرض الظروف التي احاطت بالامام الحسن عليه السلام و اسباب الصلح.
فنقول: تولي الإمام الحسن(ع)مسؤولية الخلافة في مناخ قلق غير مستقر و في ظروف التعقيد و الصراع،و التي برزت و تأزمت في أواخر حياة أبيه الأمام علي(ع (و في هذه الظروف المعقدة القاسية نذكر مايلي:
1ـبدأ الأمام الحسن(ع)حكمه،مع جماهير لا تؤمن إيمانا واضحا كاملا برسالية المعركة، و كانت قد توزعت في تلك الفترة علي أحزاب أربعة هي:
أـالحزب الأموي: و يضم عناصر قوية تتمتع بنفوذ و كثرة في الاتباع و هؤلاء عملوا علي نصرة معاوية في أوساط شيعة الحسن و كانوا بمثابة جواسيس و عيون علي تحرك الامام(ع).
ب - الخوارج:و كانوا أكثر أهل الكوفة لجاجة علي الحرب حتي أنهم اشترطوا علي الحسن(ع)عند بيعتهم له حرب الحاليّن الضالين فرفض، فأتوا إلي الحسين مبايعين فقال لهم:"معاذ اللّه أن أبايعكم مادام الحسن حيا"
عندئذ لم يجدوا بدّا من مبايعة الحسن(ع).و هؤلاء تعاونوا مع الحزب الأموي علي حياكة المؤامرات الخطيرة و المناهضة لخطة الامام الحسن(ع).
ج- الشكاكون:و هم المتأثرون بدعوة الخوارج من دون أن يكونوا منهم فهم المذبذبون لا إلي هؤلاء و لا إلي هؤلاء، و يغلب علي طبعهم الانهزام.
دـ الحمراء:و هم شرطة زياد طابعهم العام أنهم جنود المنتصر و سيوف المتغلب، بلغ من استفحال أمرهم آنذاك أن نسبوا الكوفة إليهم فقالوا«كوفة الحمراء»و بمواجهة هولاء جميعا كان«اتباع الحسن»الذين هرعوا إلي مبايعته بعد وفاة أبيه علي عليه السلام و كانوا هم الأكثر عددا في الكوفة و لكن دسائس الآخرين و فتنتهم كانت تعمل دائما لا حباط أي تحرك صادر عنهم .
2ـالفارق التأريخي بين شخصية الامام الحسن(ع) و شخصية أبيه الامام علي(ع) و نعني بالفارق التاريخي: رصيد كل واحد منهما في أذهان الناس، إذ ليس هناك فارق بينهما في حساب اللّه عز و جل فإن كل واحد منهما أمام معصوم، ولكن المقصود هو أن المسلمين آنذاك لم يكونوا يؤمنون بفكرة النص علي امامة الامام سوي القلّة القليلة منهم، و لذلك لم يعاملوا الامام الحسن (ع) كإمام مفترض الطاعة، منصوص عليه، و إنما عاملوه علي أن امامته امامة عامة و امتداد لخط السقيفة و مفهومها للخلافة.
و الذي نؤكده هناك أن رصيد الامام علي(ع) التأريخي في نفوس الناس لم يمتلك نظيره الامام الحسن(ع).
3ـتسلّم الامام الحسن(ع) الحكم بعد استشهاد أبيه مباشرة مما قوّي موجة الشك في رسالة المعركة التي يخوضها الامام الحسن(ع) حتي أن الإيحاء كان لديهم قويا بأن المعركة هي معركة بيت مع بيت،أمويين مع هاشميين و هم بالتالي ليست معركة رسالية.
كل هذه الأسباب و الملابسات، عقدّت موقف الامام(ع) من مسألة الحكم و بات الامام امام خيارات أربع لا خامس لها:
الخيار الأول:و هو اغراء الزعامات و أصحاب النفوذ باعطائهم الأموال و وعدهم بمناصب،لاستمالتهم إلي جانبه، و هذا الخيار اقترحه البعض علي الامام الحسن(ع) لكنه رفضه بقوله «أتريدون أن أطلب النصر بالجور فو اللّه ما كان ذلك أبدا"
2ـالخيار الثاني: و هو أن يتجه الامام إلي الصلح من أول الأمر مادامت الأمة قد أنست بحياة الدعة و مادامت زعاماتها قد بدأت تتصل بمعاوية.
الامام الحسن(ع) استبعد العمل بأحد هذين الخيارين نهائيا لعدم جدواهما و بقي عليه أن يخوض معركة يائسة يستشهد فيها هو و جماعته، أو أن يصالح بعد أن يستنفذ أطول وقت ممكن ليسجل المواقف و ليبين الناس من يثبت ممن ينحرف.
و ها نحن نسأل بدورنا: هل خوض معركة يائسة كانت تؤدي إلي مفعول ايجابي او الي تغيير للواقع الاسلامي آنذاك؟
و الإجابة:كلا، لم تكن تلك المعركة اليائسة لتؤدي إلي أي مفعول، مادامت سوف تتم في ظل شك الجماهير بهذه المعركة.
و من هنا جاء لوم كثير من المؤرخين للامام الحسن(ع) منددين بتكاسله و ضعفه و تنازله عن حقه،حسما للفتنة و قبوله لحياة الدعة و الراحة حسب زعمهم.
و جوابا عن هذا الافتراء نقول: ان خوض الامام(ع) و دخوله في معركة يائسة سلفا يجعل معركته في نظر كثير من المسلمين، بمستوي المعركة التي خاضها عبداللّه بن الزبير حتي قتل و قتل معه كل اصحابه الخواص.
و نسأل،هل أحد من المسلمين فكر بابن الزبير؟ و هل أن معركته التي خاضها حققت مكسبا حقيقيا للاسلام او قدمت زخما جديدا للعمل؟
الجواب :كلا، لم يفكر فيه أحد،لأن الناس كانوا يعيشون مفهوما واضحا تجاه عبداللّه بن الزبير، فهو في نظرهم، خاض المعركة لزعامته الشخصية ضد عبدالملك بن مروان، و لم تكن من أجل انقاذ الرسالة أو حماية الاسلام أو تعديل في المجتمع، فنفس هذا الشك، بل بدرجة اقوي قد وجد عند الجماهير التي عاشت مع الامام الحسن(ع).
و هناك أرقام تاريخية كثيرة،تؤكد لنا أن الامام(ع) كان مدركا لموقفه و عارفا أن معركته مع معاوية مستحيلة الانتصار مع وجود ظاهرة الشك في الجماهير.والامام(ع) ببياناته التأريخية، يرسم لنا ابعاد سياسته بوضوح في معالجته الواعية لأزمة الوضع مع اصحابه، و في مقارعته لاعدائه، في بيان سياسي مؤثر، نلحظ فيه عمق المرارة و بليغ الرفض، ليؤكد من خلال كل كلمة من كلماته الحق الذي اطمأن إليه.
و نحن نعطي دور الإيضاح و البيان للامام(ع) ليكلمنا بكل شيء عن مجتمعه و موقفه من مشاكل زمانه، و عن الحلول التي خرج بها لحسم المشكلة:
" عرفت أهل الكوفة و بلوتهم و لا يصلح لي منهم ما كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم و لا ذمة في قول و لا فعل أنهم المختلفون و يقولون أن قلوبهم معنا و إن سيوفهم لمشهورة علينا "
" غرر تموني، كما غررتم من كان من قبلي مع أي أمام تقاتلون بعدي؟ مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن باللّه و لا برسوله قط "
" اما و اللّه ما ثنانا عن قتال اهل الشام ذلة و لا قلة، و لكن نقاتلهم بالسلامة و نشيب السلامة بالعداوة و الصبر و الجزع، و كنتم تتوجهون معنا، و دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم الآن، و دنياكم أمام دينكم و كنتم لنا، و قد صرتم علينا "
لقد وصل الأمر في جمهور الامام عليه السلام إلي حد الخيانة و الإنحياز إلي جانب معاوية طمعا، بما يغدقه عليهم من المال و الجاه و بما يهيؤه لهم من الاستقراء حتي أن زعماء الكوفة كانو يراسلون معاوية بتسليم الامام(ع) مكتوفا إليه متي شاء، ثم يأتون الي الامام(ع) فيظهرون له الطاعة و الولاء، و يقولون له «أنت خليفة أبيك و وصيه و نحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك» فقال لهم الامام(ع): «كذبتم و اللّه ما وفيتم و الله لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي،و كيف اطمئن إليكم ولا اثق بكم،أن كنتم صادقين،فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوا إلي هناك» و خرج الامام(ع)الي المدائن فتخلف عنه اكثر الجيش.
إن تاريخ الحسن(ع)و مواقفه الإيجابية تدين كل من يتهمه بالضعف و التنازل عن حقه راضيا، أو أنه سلم الحكم الي معاوية دون أن يتصدي لتصفيته و محاربته، و نحن نؤكد موقف الامام(ع) الإيجابي، و موقفه متحديا الإنحراف و استعداده لمحاربة معاوية عند ما قال(ع):« بلغني أن معاوية بلغه أن كنا ازمعنا علي المسير إليه فتحرك لذلك،أخرجوا رحمكم اللّه إلي معسكركم بالنخيلة حتي ننظر و تنظرون و نري و ترون ".
و في مكان آخر يشير الامام(ع) إلي استحالة خوض معركة منتصرة،في هذا الجو من الشك و قلة الأعوان المخلصين« و اللّه اني ما سلمت الأمر إلا لأني لم أجد انصارا،و لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي و نهاري حتي يحكم اللّه بيني و بينه " اذن بقي علي الامام كما ذكرنا أن يخوض معركة يائسة و يستشهد فيها و يقتل فيها من يقتل،.يقول الامام(ع ):" اني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فاردت أن يكون للدين ناع" .
و في مجال آخر يقول :«و إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه، فنظرت اصلاح الأمة و قطع الفتنة،فرأيت ان أسالم معاوية و أضع الحرب بيني و بينه، و قد رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها و لم أر الا صلاحكم و بقاءكم، و إن ادري لعله فتنه لكم و متاع إلي حين"
فالمؤشرات الاجتماعية كلها تشير بأن أي معركة يخوضها الامام لا تؤدي الي أي نتيجة علي الاطلاق، و لن تؤدي مفعولا علي مستوي اهداف الامام(ع) من التغيير الذي تتطلبه الرسالة بحضارة و ممارسة حياتية لكل الأجيال و علي مدي العصور.
و لا بد من ان نتساءل عن اهداف هذه المعركة خصوصا و الأمة تعيش ظروف محنة الشك، و قسوة المواجهة و استحالة النصر.
ماهي اهدافها؟ و ماهي طبيعتها؟ أ هي مجرد عناد،أم هي رسالة و أمانة؟ يقول الحسن(ع )«إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر"
و يجيب(ع)عندما سأله سائل عن الجهل فأجابه« سرعة الوثوب علي الفرصة قبل الاستمكان منها،و الامتناع عن الجواب،و نعم العون الصمت في مواطن كثيرة و إن كنت فصيحا "
و في حديث آخر له(ع) يبين لنا الموقف أكثر وضوحا عند ما سئل عن معني العقل قال(ع ):" التجرع للغصة حتي تنال الفرصة"
و علي ضوء هذه الحقائق التأريخية الثابتة يحق لنا أن نطمئن إلي النتيجة القائلة لو أن الحسن(ع) خاض المعركة اليائسة لكانت معركته تشبه إلي درجة كبيرة معركة ابن الزبير اليائسة التي لم تكن لتقدم أي عطاء للاسلام و لرسالته الخالدة.
و من هنا جاءت قرارات الامام(ع)الصائبة، بأن يهادن موقتا و يقبل بالصلح و يفسح المجال لمعاوية يستولي علي العالم الاسلامي، لكي يكشف واقعه و واقع اطروحته الجاهلية و لكي يعرّف هؤلاء المسلمين البسطاء، و الذين لم يكونوا يعرفون الا ما يرون باعيتهم و حواسهم، من هو معاوية و ما هو واقعه و واقع حكمه و من كان علي بن أبي طالب و ماذا كانت اطروحته.
و بناء علي هذا استجاب الامام لدعوة الصلح في وقت أصبحت فيه الاستجابة نصرا علي معاوية و فضحا لسياسته المخادعة و كشفا لخلقه أمام الجماهير،فقد كان معاوية في ذلك الوقت يلبس وجه من يريد حقن دماء المسلمين بعد أن ادرك أن نتائج الحرب ستكون لصالحه، و هو يري تصلّب الحسن(ع)و اصراره علي خوض المعركة، فأراد أن يبرز كمحب للصلح و لحقن دماء المسلمين و لكن سرعان ما فاجأته استجابة الامام الحسن(ع) لعقد الصلح فشعر بخيبة في تحقيق سياسته الماكرة خاصة أن بنود الصلح ألزمته بأمور لم يكن له بد إلا القبول بها، و هي كما يلي[1]:
المادة الأولي: يسلم الأمر الي معاوية،علي أن يعمل بكتاب اللّه و بسنة رسوله(ص)و بسيرة الخلفاء الصالحين.
المادة الثانية: أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين،و ليس لمعاوية أن يعهد به إلي أحد.
المادة الثالثة:أن يترك سب أمير المؤمنين و القنوت عليه بالصلاة و أن لا يذكر عليا إلا بخير.
المادة الرابعة:استثناء ما في بيت مال الكوفة، و هو خمسة آلاف ألف فلا يشمله تسليم الأمر، و علي معاوية أن يحمل الي الحسن كل عام ألفي الف درهم و أن يفضل بني هاشم في العطاء و الصلات علي بني عبد شمس، و أن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل و أولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم و أن يجعل ذلك من خراج دار(أبجرد)ولاية بفارس علي حدود الأهواز.
المادة الخامسة:علي أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه،في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم ، و أن يؤمن الأسود و الأحمر،و أن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم و أن لا يتبع احدا بما مضي و أن لا يأخذ أهل العراق بإحنة.
و علي أمان اصحاب علي حيث كانوا،وأن لا ينال أحدا من شيعة عليّ بمكروه و أن اصحاب علي و شيعته آمنون علي أنفسهم و اموالهم و نسائهم و أولادهم و أن لا يتعقب عليهم شيئا،و لا يتعرض لأحد منهم بسوء،و يوصل إلي كل ذي حق حقه و علي ما أصاب علي حيث كانوا.
و علي أن لا يبغي للحسن بن علي،و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول اللّه غائلة، سرا ولا جهرا،و لا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق.
و نجحت خطوة الامام الحسن (ع) و بدأ معاوية يساهم إلي درجة كبيرة بكشف نفسه و واقعه المنحرف،و لم ينتظر الوقائع و الظروف لتساهم في كشف حقيقته،بل أعلن منذ اليوم الاول عن مضمون اطروحته،و أخذ يواصل الايمان عنها،و في مختلف المجالات السياسية «و اللّه إنّي ما قاتلتكم لتصلوا و لتصوموا و لتحجوا و لا لتزكوا،و لكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، و قد اعطاني اللّه ذلك و أنتم لها كارهون ألا و أني كنت منيت الحسن و اعطيته اشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها".
و بهذا الأعلان،أخذ المسلمون يشعرون شعورا واضحا بأن اطروحة معاوية ماهي إلا امتداد للجاهلية،التي تريد هدم الاسلام،و إن الامام عليا(ع)هو الممثل الحقيقي لاطروحة الاسلام حتي أن تجربته القصيرة في الحكم بقيت املأ و حلمأ في نظر الجماهير الاسلامية و هم في خضم بؤسهم الذي كانوا يعيشون فيه.
مطالبة الامام بفسخ الهدنة
عندما أخل معاوية بشروط الصلح المتفق عليها،أخذ كثير من المسلمين يطالبون الامام(ع) بفسخ الهدنة و مواجهة معاوية من جديد ... المزیدو لكن الامام(ع)كان بحبيبهم بقوله «أن لكل شيء أجل و لكل شيء حساب»...«و لعله فتنة لكم و متاع إلي حين"
و لم يكن الامام(ع) يرفض بشكل مطلق فكرة نقض الهدنة، و لكن كان يؤجلها بالمنطق الذي يجعل لكل شيء أجل و لكل شيء حساب. لأنه كان يريد أن تتكشف شخصية معاوية بشكل اوضح،و ان تكون اهدافه الجاهلية مشكوفة لكل انسان.
إلا أن معاوية احس بخطة الامام،و عرف أن الامام سيكشفه أمام الملأ بنجاح أمام الجماهير،و عند ذاك ينفضح أمره للمسلمين و لذا بادر معاوية لتحصين نفسه ضد هذه الفضيحة و العمل علي افساد خطة الامام(ع)حتي لا يكون مصيره مصير عثمان.
و لما كان معاوية يريد التمتع بالدنيا من خلال ملكه إلي اقصي ما يمكن أن يتمتع به الملك،فهو لابد اذن أن ينكشف للناس،فعمد إلي اخفاء فضيحته بالعمل و التخطيط إلي اماتة ضمير الأمة و ارادتها و قابليتها بتحدي الظالمين.
فكانت سياسته علي مدي عشرين سنة،تخطيطا دائبا لتمييع ضمير الأمة و ارادتها،بأن يجعلهم ينصرفون عن التفكير في الهموم الكبيرة و ينقطون إلي الهموم اليومية الصغيرة و ينصرفون بها عن الاهداف التي حملوها مع نبيهم العظيم في تحطيم جاهليات العالم الي الاهتمام بعيشهم و مصالحهم الشخصية و الي اعطياتهم التي يتقاضونها من بيت المال.
و فعلا أفلحت بعض خطط معاوية،حتي أصبح المسلم الذي كان يفكر بتحطيم عروش الظالمين في بلاد كسري و قيصر أصبح الآن لا يفكر الا بعطائه الرخيص و حياته المبتذلة.
و قد وصل الحال بشيوخ بعض قبائل الكوفة،أن أصبحوا جواسيسا لمعاوية بالرغم من تشيعهم لأمير المؤمنين(ع) و أخذوا ينقلون الأخبار أولا بأول عن أي بادرة تحرك أو تمرد من قبل رجال قبائلهم،ثم تأتي شرطة الحكومة و تلقي القبض عليهم و تخنق أنفاس المعارضة.
هذه الأعوام العشرون التي حكمها معاوية قد تكون من أخزي و أحرج الفترات التأريخية التي مرت علي الأمة الاسلامية،أصبح خلالها الانسان المسلم يحس احساسا مدمرا بأنه مظلوم و أمته اصبحت مهددة بخطر الفناء وإن احكام الشريعة يتلاعب بها،و أصبح الفيء و السواد بستانا لقريش و الخلافة كرة يتلاعب بها صبيان بني امية.
دفاع عن الامام الحسن(ع)
مع الأسف،أن كثيرا من المؤرخين يؤكدون تصورا شائعا بينهم حول قيادة الامام(ع)و ضعفها و تراجعها أمام ضغط الأحداث،أو أنه تنازل عن حقه راضيا حسما للفتنة،أو أنه خان الثورة و سلمها دون قتال إلي معاوية عدو الاسلام،ركونا للدعة و الراحة...هكذا و بكل بساطة!!
هذا الاعتقاد الشائع أغلب الظن سببه اعتقاد هؤلاء المؤرخين بأن دور الائمة في حياتهم كان دورا سلبيا علي الاغلب،بسبب اقصائهم عن الحكم.و هذا التفكير بالرغم من أنه خاطئ الا أنه يدل علي جهل هؤلاء المؤرخين بتاريخ حياة الائمة(ع) فالأئمة،بالرغم من اقصائهم من مسؤولية الحكم،كانوا يتحملون بإستمرار مسؤوليتهم في الحفاظ علي الرسالة و علي التجربة الاسلامية و تحصينها ضد التردي إلي هاوية الانحراف و الإنسلاخ من مبادئها و قيمها اسلاما تاما"
فالإمام الحسن(ع) عند ما هادن معاوية،و تنازل عن الحكم،اتجه إلي تغيير الأمة و تحصينها من الأخطار التي كانت تهددها،و الاشراف علي القاعدة الشعبية،و توعيتها بمتطلبات الشخصية الاسلاميةو تعبئتها بمحتوي التغيير الرسالي للاسلام،و لبعث الأمة من جديد.
هذا الدور الإيجابي للإمام(ع) و تحركه الفاعل علي مسرح الاحداث كلفه الكثير من الرقابة و الحصار،و قصة محاولات اغتياله المتكررة،تشير بكل وضوح إلي مخاوف السلطة من تواجد الامام (ع) كقوة معبرة عن عواطف الأمة و وعيها المتنامي،و لربما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني امية.
و أغتيال الامام(ع) بالاسم دليل صارخ بتواجده(ع)عملا و نشاطا دائبا في بعث الأمة و انهاضها من جديد
فالإمام لم ينفرد و لم يتخاذل عن قيادة الأمة و متطلباتها في الكفاح.
و معاوية أدرك جيدا أن الإمام(ع)هو صاحب رسالة و مبدأ فلابد أنه عامل لاعطاء رسالته من جهده و عرقه سيادة الحكم بما يبذله من اساليب العمل و التغيير.[2]