منذ سنتين

حكم الاستنساخ في الشريعة الاسلامية

ما حكم الاستنساخ في الشريعة الاسلامية؟ فقد قيل في فوائده ما تقدم من التغلّب علي بعض مشاكل العقم أو تشخيص عدم وجود مرض في النسخة لتودع في الرحم أو نزع الجنين المريض الوراثي و إبداله بجنين صحيح و ما إلي ذلك ممّا قيل في الاستتئام، فراجع. و لكن السؤال الشرعي هو هل في الاستنساخ حرمة شرعية من حيث المبدأ أو فيه حرمة شرعية من ناحية ثانوية؟


إنّ نفس عملية الاستنساخ البشري بعنوانها الأولي لو نجحت فهي لا بأس بها بشرط أن لا تقارن محرّما آخر. أمّا من ناحية اخري فإنّ حكمة اللّه البالغة التي جرت علي اختلاف الألسنة و الألوان حفظاً للنظام قد تؤدي إلي تحريم الاستنساخ بهذا اللحاظ لو طبقّ بصورة واسعة حيث يؤدّي  التماثل بين النسخ -اذا كان كتماثل نسخ الكتاب الواحد تماما ـ إلي اختلال النظام‏[1]حتماً، و ذلك لما تقدم، ففي النكاح مثلا يختلط الأمر بين الزوجة و الأجنبية و بين المحرّم و غيره، و في المعاملات كافة لا يمكن تمييز طرفيها، و في القضاء و الشهادات لا يمكن تمييز المدّعي من المدّعي عليه، و هما عن الشهود، و لا يمكن تمييز الملاك عن غيرهم، و في المدارس و المشاغل و الإدارات و الامتحانات حيث يسهل إرسال النسخة بدل الأصل، فتذهب الحقوق و تضيع العدالة و يذهب النظام، بالأضافة إلي ضياع الأنساب. و خلاصة القول: إنّ في تطبيق الاستنتاخ البشري بصورة واسعة يحصل هذا الخطر و العدوان علي ذاتية الفرد و خصوصيّته و تمييزه من بين أشباهه فيتخلخل الهيكل الاجتماعي المستقر و يحصل الخطر علي البشرية بأجمعها. و لكن هذا كلّه لا ينسف ما تقدّم من حلّية أن نصنع نسخة واحدة لشخص معيّن بحيث يحصل الفارق و التمييز بين الاثنين بالفرق السنّي، أو نقول بحلّية أن يصنع كل فرد له نسخة واحدة، إذ لم يحصل المحذور المتقدم من تطبيق الاستنساخ بصورة واسعة، و لم يوجد دليل علي حرمة ذلك، فلا حاجة الي القول بحرمة الاستنساخ مطلقاً، بل لا يجوز ذلك القول مع عدم وجود دليل عليه. تحفّظان: 1ـ إنّ جواز استنساخ نسخة واحدة لكلّ شخص إذا جوّز ـ كما تقدم ـ قد يمنع منه الآن و ذلك لأنّ تقويم نفع هذه العملية أو ضررها لا يزال في حوزة المستقبل فقد تكون العملية مختزنا لأضرار لا تحصل الاّ بعد تطبيق الاستنساخ علي البشر بحيث يفوت التمكن من ضبطها إذا أجيزت حالات خاصّة للاستنساخ، و لا ننسي ما حصل من الاضرار بعد انشطار الذرّة ما لم يكن معلوماً و لا متوقعا قبل و بعد انكشافها، إذ أنّ بعض المضارّ لا تظهر قبل مرور وقت طويل علي الحادث‏.[2] لذا فإن حالة الجواز إنّما تكون حتمية إذا خلت من الضرر تماماً، و هذا الأمر يستدعي أن يطلق للبحث العلمي العنان ـ من باب معرفة أسرار اللّه تعالي في خلقه ـ في استنساخ النبات و الحيوان الثديّ بحيث يمرّ وقت طويل تثبت التجارب عدم وجود ضرر يمنع من تطبيقه علي الإنسان الذي هو من الحيوانات الثديية، و لم يتضمّن العمل في الإنسان أيّ مخالفة للشرع المقدّس. و هذا التحفّظ يجري في الاستتئام أيضا. 2ـ يتمكّن ولي الأمرـو هو الحاكم الشرعي الذي بيده زمام امور المسلمين ـ أن يحرّم عمليتي الاستتئام و الاستنساخ بالحكم الولائي (الحكومي) فيما إذا وجد مصلحة توجب ذلك، كما إذا رأي الدولة الغربية قد منعت من بحث الاستنساخ البشري أو حرمت هكذا أبحاث من ميزانية الدولة أو جمّدت تلك الأبحاث لسنوات رثيما تبحثها اللجان المتخصّصة ثمّ ينظر في أمرها من جديد، و يخشي الفقيه (ولي الأمر) من سعي أصحاب رأس المال الخاصّ و شركات الأدوية في الدول الأوربية إلي تخطي هذا الخطر بتهيئة الأموال و استمرار الأبحاث في دول العالم الثالث و استغلالها حقلا للتجارب البشرية كما كان ديدنها في كثير من السوابق. و لكن مع ذلك نقول: إنّ هذا التحريم ليس حكما شرعيا لا يتبدّل، بل هو حكم ولائي حكومي قد يتبدّل في زمان ما أو مكان ما.[3]