logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

خلق القرآن

هل القرآن مخلوق ام لا؟


نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون » و لأجل ذلك إلتجأ المتأخرون من الأشاعرة الي القول بأن لفظ «كن» حادث، و القديم هو المعني الأزلي النفساني‏.[1] الثاني: قوله سبحانه: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ في‏ سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوي‏ عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمين‏ .)[2] قال الأشعري: «فالخلق» جميع ما خلق داخل فيه، و لما قال «الأمر» ذكر أمرا غير جميع الخلق . فدل ما وصفناه علي أن أمر اللّه غير مخلوق. و أمّا أمر اللّه فهو كلامه. و باختصار: إنه سبحانه أبان الأمر من الخلق، و أمر اللّه كلامه، و هذا يوجب أن يكون كلام اللّه غير مخلوق.[3] يلاحظ عليه: إنّ الاستدلال مبني علي أن «الامر» في الآية بمعني كلام اللّه، و هو غير ثابت بل القرينة تدل علي أن المراد منه غير ذلك، كيف و قد قال سبحانه في نفس الآية: « وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمين‏ » و المراد من اللفظين واحد، و الأول قرينة علي الثاني. و هدف الآية هو أن الخلق بمعني الإيجاد و تدبير الموجد كلاهما من اللّه سبحانه، و ليس شأنه سبحانه خلق العالم و الأشياء ثم الانصراف عنها و تفويض تدبيره إلي غيره، حتي يكون الخلق منه، و التدبير علي وجه الاستقلال من غيره، بل الكل من جانبه سبحانه. و باختصار: المراد من الخلق هو إيجاد ذوات الأشياء، و المراد من الأمر النظام السائد عليها، فكأن الخلق يتعلق بذواتها، و الأمر بالأوضاع الحاصلة فيها و النظام الجاري بينها. و تدل علي ذلك بعض الآيات التي يذكر فيها « تدبير الأمر» بعد الخلق. يقول سبحانه: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ في‏ سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوي‏ عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلا تَذَكَّرُون‏) [4] و قال تعالي: ( اللَّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ... المزید.)[5] فليس المراد من الأمر ما يقابل النهي، بل المراد الشؤون الراجعة إلي التكوين، فيكون المقصود إن الإيجاد أولا، و التصرف و التدبير ثانيا، و منه سبحانه، فهو الخالق المالك لا شريك له في الخلق و الإيجاد، و لا في الإرادة. و في الختام نضيف أنه سبحانه يصف الروح بكونه من مقولة الأمر و يقول: ( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏ ) [6] فهل الأشعري يسمح لمسلم أن يعتقد بكون الروح (بأي وجه فسر) المسؤول عنه في الآية غير مخلوق؟ الثالث ـ قوله سبحانه: ( إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَر ) [7] قال الأشعري: فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر، و هذا ما أنكره اللّه علي المشركين.[8] يلاحظ عليه: إنّ من يقول بأن القرآن مخلوق لا يريد إلا كونه مخلوقا لله سبحانه. فاللّه سبحانه خلقه و أوحي به الي النبي، و نزله عليه نجوما في مدة ثلاث و عشرين سنة و جعله فوق قدرة البشر، فلن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا. نعم، كون القرآن مخلوقا لله سبحانه لا ينافي أن يكون ما يقرأه الإنسان مخلوقا له، لبداهة أن الحروف و الأصوات التي ينطق بها الناس مخلوقة لهم و هذا كمعلقة امري‏ء القيس و غيرها، فأصلها مخلوق لنفس الشاعر، لكن المقروء مثال له، و مخلوق للقاري‏ء. و العجب إن الاشعري و من قبله و من بعده لم ينقحوا موضع النزاع، فزعموا أنه إذا قيل «القرآن مخلوق» فإنما يراد منه كون القرآن مصنوعا للبشر، مع أن الضرورة قاضية بخلافه، فكيف يمكن لمسلم يعتنق القرآن و يقرأ هتاف البارئ سبحانه فيه: ( نزل عليك الكتاب بالحقّ )[9]، أن يتفوه بأن القرآن مخلوق للبشر بل المسلمون جميعا يقولون في القرآن نفس ما قاله سبحانه في حقه، غير أن المقروء علي ألسنتهم مخلوق لأنفسهم، فيكون مثال ما نزله سبحانه مخلوقا للإنسان و كون المثال مخلوقا ليس دليلا علي أن الممثل مخلوق لهم و الناس بأجمعهم عاجزون عن إيجاد مثل القرآن، و لكنهم قادرون علي إيجاد مثاله. فلاحظ و تدبر. و بذلك تقف علي أنّ أكثر ما استدل به الأشعري في كتاب «الإبانة» غير تام من جهة الدلالة، و لا نطيل المقام بإيراده و نقده، و فيما ذكرنا كفاية. بقيت هنا نكتة ننبه عليها و هي: إنّ المعروف من إمام الحنابلة أنه ما كان يري الخوض في المسائل التي لم يخض فيها السلف الصالح، لأنه ما كان يري علما إلا علم السلف، فما يخوضون فيه يخوض فيه، و ما لا يخوضون فيه من أمور الدين يراه ابتداعا يجب الإعراض عنه. و هذه مسألة لم يتكلم فيها السلف فلا يتكلم فيها. و المبتدعون هم الذين يتكلمون، و علي هذا، كان عليه أن يسير وراءهم، و كان من واجبه حسب أصوله، التوقف و عدم النبس في هذا الموضوع ببنت شفة. نعم، نقل عنه ما يوافق التوقف ـ رغم ما نقلنا عنه من خلافه و أنه قال: من زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي، و من زعم أنه غير مخلوق فهو مبتدع. و يري المحققون أن إمام الحنابلة كان في أوليات حياته يري البحث حول القرآن بأنه مخلوق أو غير مخلوق ـ بدعة، و لكنه بعدما زالت المحنة و طلب منه الخليفة العباسي المتوكل، المؤيد له، الإداء برأيه، اختار كون القرآن ليس بمخلوق، و مع ذلك لم يؤثر عنه أنه قال إنه قديم [10] موقف أهل البيت عليهم السلام: إن تاريخ البحث و ما جري علي الفريقين من المحن، يشهد بأن التشدد فيه لم يكن بهدف إحقاق الحق و إزاحة الشكوك، بل استغلت كل طائفة تلك المسألة للتنكيل بخصومها فلأجل ذلك نري أن ائمة أهل البيت (عليهم السلام) منعوا أصحابهم عن الخوض في تلك المسألة، فقد سأل الريان بن الصلت، الإمام الرضا (عليه السلام) و قال له: « ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام اللّه لا تتجاوزوه و لا تطلبوا الهدي في غيره فتضلوا ». و روي علي بن سالم عن أبيه قال: « سألت الصادق جعفر بن محمد فقلت له: يابن رسول اللّه ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام اللّه، و قول اللّه، و كتاب اللّه، و وحي اللّه، و تنزيله، و هو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل حكيم حميد » و حدث سليمان بن جعفر الجعفري قال: « قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) يابن رسول اللّه: ما تقول في القرآن؟ فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق و قال قوم أنه غير مخلوق، فقال (عليه السلام): أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون و لكني أقول إنه كلام اللّه ». فإنا نري أن الامام (عليه السلام) يبتعد عن الخوض في تلك المسألة لما رأي أن الخوض فيها ليس لصالح الإسلام، و أن الاكتفاء بأنه كلام اللّه أحسم لمادة الخلاف.و لكنهم (عليهم السلام) عندما أحسوا بسلامة الموقف، و هدوء الأجواء أدلوا برأيهم في الموضوع، و صرّحوا بأن الخالق هو اللّه، و غيره مخلوق، و القرآن ليس نفسه سبحانه، و إلا يلزم اتحاد المنزل (بالكسر) و المنزل فهو غيره، فيكون لا محالة مخلوقاً. فقد روي محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسي الرضا (عليه السلام) إلي بعض شيعته ببغداد: « بسم اللّه الرحمن الرحيم، عصمنا اللّه و إياك من الفتنة، ان يفعل فقد أعظم بها نعمة، و إن لم يفعل فهي الهلكه، و نحن نري أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل و المجيب، فيتعاطي السائل ما ليس له، و يتكلف المجيب ما ليس عليه و ليس الخالق إلاّ اللّه عز و جل، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام اللّه، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا اللّه و إياك من الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون »[11] في الروايات المروية إشارة إلي المحنة التي نقلها المؤرخون، فقد كان أحمد بن أبي دؤاد في عصر المأمون كتب إلي الولاة في العواصم الإسلامية أن يختبروا الفقهاء و المحدثين في مسألة خلق القرآن، و فرض عليهم أن يعاقبوا كل من لا يري رأي المعتزلة في هذه المسألة . و جاء المعتصم و الواثق فطبقا سيرته و سياسته مع خصوم المعتزلة، و بلغت المحنة أشدها علي المحدثين، و بقي أحمد بن حنبل ثمانية عشر شهرا تحت العذاب فلم يتراجع عن رأيه. و لما جاء المتوكل العباسي نصر مذهب الحنابلة و أقصي خصومهم، فعند ذلك أحس المحدثون بالفرج، و أحاطت المحنة بأولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بقوة السلطان. فهل يمكن عدّ مثل هذا الجدال جدالاً إسلامياً، و قرآنياً، لمعرفة الحقيقة و تبيينها، أو أنه كان وراءه شي‏ء آخر. و اللّه العالم بالحقائق و ضمائر القلوب.[12]

2