منذ سنتين

حكمة الأسراء والمعراج

تري ما الحكمة التي يجب أن نفهمها من وراء الأسراء والمعراج؟


قد تعرض المفسرون لذلك و نحن نذكر لكم بعض ما جاء في تفسير من وحي القرآن حيث قال: ( لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [1] في ما عاشه من أجواء الإسراء الدالة علي عظمة القدرة و روعة النعمة، و ما رآه من مواقع الرسالات الأولي، و ما كشف اللّه عن عينيه من آفاق الغيب ـ كما ترويه تفاصيل القصة ـ و هكذا كان هذا الحدث الكبير نافذةً للمعرفة، تطلّ به علي كثير من حركة الكون في ما غاب عنه من أمره، و علي حركة الغيب في ما انفتح له من سرّه، و علي حركة التاريخ في ما كشف الله له منه، كما لو كان شيئا حاضرا لديه مما عاينه ورآه. و ربما نستوحي من ذلك أن اللّه يريد لرسله أن تتكامل لهم المعرفة في آفاق آيات الله، من خلال ما يملكون الحصول عليه بشكل مباشر و ما يحصلون عليه بالقدرة الغيبية بشكل غير مباشر، لأن ذلك هو سبيل التكامل في شخصية من يريد أن يقوم بعملية تغيير العالم في الفكر و الحياة، مما يفرض عليه أن يملك وعي المعرفة في أوسع آفاقها لتقوم به الحجة علي الناس من موقع المعرفة التي تقهر الجهل، كما تقوم به من موقع المعجزة التي تصدم التحدي فينفتح عقل الإنسان علي الحقيقة من خلال الرسالة. و ربما نستوحي من ذلك، أن هذه المهمة لا تنحصر في شخصية الرسول في خصوصيته الذاتية التي تتميز بميزة الوحي، بل هي خصوصية الرسالة التي تتصل بهداية الناس، مما يوحي للدعاة إلي الله، أن ينفتحوا علي المعرفة في أوسع مجالاتها، في ما يحتاجونه في قضايا التبليغ و حركة التغيير، مما يجعل من الداعية إنساناً في مركز القيادة علي مستوي وعي الفكرة و انطلاق الحركة، ليستطيع التأثير في مجتمعه من مركز القوة و الانفتاح، و هذا يفرض عليهم الإطلاع علي آيات الله في الكون ليزدادوا معرفة به، نتيجة، ما يشاهدونه و ما يسمعونه و ما يقرأونه و يفكرون به، ليحققوا عطاء المعرفة من خلال سعة العلم، و عمق الفكرة، و حيوية التجربة.[2] و جاء في تفسير الامثل مايلي: من الواضح لنا من خلال البحوث الماضية، أن هدف المعراج لم يكن تجوالا للرسول (ص) في السماوات للقاء اللّه كما يعتقد السذج، و كما نقل بعض العلماء الغربيين ـ و مع الأسف ـ لجهلهم أو لمحاولتهم تحريف الأسلام أمام الآخرين و منهم (غيورغيف) الذي يقول في كتاب (محمد رسول ينبغي معرفته من جديد): (بلغ محمد في سفر معراجه إلي مكان كان يسمع فيه صوت قلم اللّه). و يفهم أن اللّه منهمك في تدوين حساب البشر! و مع أنه كان يسمع صوت قلم اللّه إلا أنه لم يكن يراه! لأن أحدا لا يستطيع رؤية اللّه و إن كان رسولا) [3] و هذا يظهر أن القلم كان من النوع الخشبي! الذي يهتز و يولد أصواتا عند حركته علي الورق و أمثال هذه الخرافات و الأوهام. كلا. فالهدف كان مشاهدة الرسول (ص) لأسرار العظمة الإلهية في أرجاء عالم الوجود، لا سيما العالم العلوي الذي يشكل مجموعة من براهين عظمته، و تتغذي بها روحه الكريمة و تحصل علي نظرة و إدراك جديدين لهداية البشرية و قيادتها. و يتضح هذا الهدف بشكل صريح في الآيةالأولي من سورة الإسراء و الآية (18) من سورة النجم . و هناك رواية أخري منقولة عن الأمام الصادق عليه السلام في جوابه عن سبب المعراج، أنه قال عليه السلام: «إ ن اللّه لا يوصف بمكان، و لا يجري عليه زمان، و لكنه عزّ و جلّ أراد أن يشرف به ملائكته و سكان سماواته، و يكرم بمشاهدته، و يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه »[4].[5]