المراد من الغلو
ماهو الغلو؟
الغُلو من المفاهيم التي يتبّناها الإنسان أحياناً، بسبب تبني فكرة ما أو دين أو عنصرية أو غير ذلك، والذي يهمُّنا هنا الآن هو الغلو في الدين دون غيره. فما هو معنى الغلو؟ وما هي حدوده التي إذا تعداها الإنسان كان مغالياً؟ الغلو في اللغة: تدور الأحرف الأصلية لهذه الكلمة ومشتقاتها على معنى واحد يدل على مجاوزة الحد والقدر: قال ابن منظور: "غلا في الدين، والأمر يغلو غُلُواً: جاوز حده. وقال بعضهم: غلوت في الأمر غلواً إذا جاوزت فيه الحد وأفرطت فيه. وفي الحديث: إياكم والغلو في الدين أي التشدد فيه ومجاوزة الحد"(ابن منظور، لسان العرب، ج 10، ص 112، مادة غلا). أمّا الغلو في القرآن فقد استعمل في معنى مجاوزة الحد المفترض للمخلوق والارتفاع به إلى مقام الألوهية. قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوْا فِيْ دِيْنِكُمْ وَلاَ تَقُوْلُوْا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيْحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُوْلُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوْحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوْا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُوْلُوْا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوْا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيْلاً}(النساء: 171) فنهى سبحانه عن تجاوز الحد في المسيح، وحذّر من الخروج عن القصد في القول، وجعل ما ادّعته النصارى فيه غلوّاً؛ لتعديهم الحدِّ على ما بيّناه في التعريف. وورد الغلو في كلمات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عدد وافر من النصوص الروائية التي نهت وحذرت من المغالاة فيهم (عليهم السلام)، والارتفاع بهم إلى مقام الألوهية والربوبية، فقد نسبوا لأمير المؤمنين(عليه السلام) الأُلوهية، وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام) فيهم: "لا تَتَجاوَزوا بِنَا العُبودِيَّةَ، ثُمَّ قُولوا ما شِئتُم ولَن تبلُغوا، وإِيّاكُم وَالغُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصارى، فَإِنّي بَريءٌ مِنَ الغَالينَ"(الاحتجاج للطبرسي: ج2، ص438)، ووصفوا الأئمة(عليهم السلام) إلى ما تجاوزوا فيه الحدَّ، وخرجوا عن القصد، وهم ضلّال، حكّم فيهم أمير المؤمنين(عليه السلام) القتلَ، وقضتِ الأَئمةُ(عليهم السلام)عليهم بالكفر والخروج عن الإسلام. فالغلاة أخرجوا الأئمة أو بعضهم(عليهم السلام) عمّا نعتقده في حقّهم، من كونهم وسائط ووسائل بين الله تعالى وبين خلقه لوصول النعم منه إلينا، حيث إنه ببركتهم حلّت النعم على العباد، ورفع عنهم الشرور، قال الله سبحانه: {وَابتَغُوا إلَيه الوَسيلةَ}(المائدة(٣٥)، وقال عزت كلمته: {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}. وكأن الغلاة التزموا بكون الأئمة(عليهم السلام)شركاء للهِ تعالى في العبودية والخلق والرزق، أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، وغير ذلك من الأباطيل. فدعا الإمام الرضا(عليه السلام) إلى مقاطعة المنحرفين عقائدياً كالغلاة والمجبّرة والمفوِّضة مقاطعة شاملة وكلّية؛ لمنع تأثيرهم السلبي على الأمة، وأسند هذا الأمر إلى آبائه الأطهار تارة وإليه تارة أخرى، فورد عنه(عليه السلام): "الغُلاةُ كُفّارٌ، وَالمُفَوِّضَةُ مُشرِكونَ، مَن جالَسَهُم أو خالَطَهُم أو آكَلَهُم أو شارَبَهُم، أو واصَلَهُم أو زَوَّجَهُم أو تَزَوَّجَ مِنهُم، أو آمَنَهُم أوِ ائتَمَنَهُم عَلى أمانَةٍ، أو صَدَّقَ حَديثَهُم، أو أعانَهُم بِشَطرِ كَلِمَةٍ ، خَرَجَ مِن وَلايَةِ اللهِ عزَّ و جل ووَلايَةِ رَسولِ اللهِ(صلّى الله عليه وآله) ووَلايَتِنا أهلَ البَيتِ(عليهم السلام)"(عيون أخبار الرضا(عليه السلام) للصدوق: ج2، ص119). وعن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: "فَإِنَّ الغُلاةَ شَرُّ خَلقِ اللهِ، يُصَغِّرونَ عَظَمَةَ اللهِ، ويَدَّعونَ الرُّبوبِيَّةَ لِعِبادِ اللهِ، وَاللهِ إنَّ الغُلاةَ أشَرُّ مِنَ اليَهودِ وَالنَّصارى وَالَمجوسِ وَالَّذينَ أَشرَكوا"(البحار للمجلسي: 25، 283، ح33). كما إن الشّيعة بريئون من الغلاة تبعاً لموقف أئمتهم المعصومين (عليهم السلام)، حيث أكدّوا على انحرافهم، وحذّروا النّاس من الاِنخداع بمعتقداتهم.