منذ سنتين

حديث الثقلين بصيغة ((عترتي)) و ((سنتي))

لقد اقتنيت "كنز العمال" للمتقي الهندي {تحقيق محمود عمر الدمياطي. دار الكتب العلمية، بيروت.الطبعة الأولي 1419هج. ثمان مجلدات ضخمة} و ذلك بسبب إحاطته "بكل" الحديث لأهل المذاهب الأربعة. هناك { المجلد الأول؛ الكتاب الأول في الإيمان و الإسلام من قسم الأقوال،الباب الثاني: في الإعتصام بالكتاب و السُنة. ثُم كتاب الإيمان و الإسلام من قسم الأفعال، الباب الثاني: في الإعتصام بالكتاب و السُنة} رأيتُ العجب العُجاب و (أظن) تناقضات في الحديث؛ و من هذا نشأت عندي أسئلة عن حديث الثقلين، الأسئلة: 1- هل حديث "كتاب الله و عترتي" يناقض "كتاب الله و سنتي"؟ أو يوافقه أو يكمله أم ماذا؟! 2- هل حديث "كتاب الله و سنتي"؛ حديث صحيح عند أصحاب المذاهب الأربعة؟ يبدو أنه موجود {هكذا في نسختي كنز العمال} عند البخاري و مسلم، لكني لم أجده!!! 3- هل يوجد حديث "كتاب الله و سنتي" عندنا؛ و هل هو حديث صحيح؟ 4- هل حديثي "كتاب الله و عترتي" و "كتاب الله و سنتي" حديثان متواتران؟ عند أصحاب المذاهب الأربعة و عندنا؟ 5- هل يوجد بحث معروف، مشهور عن هذين الحديثين عند أصحاب المذاهب الأربعة؟ الرجاء ذكر عنوان كتاب. 6- هل يوجد بحث عميق و مُعتَمد عن هذين الحديثين عندنا؟ الرجاء ذكر عنوان كتاب.


قبل ان نعرض لحديث الثقلين بلفظ (و عترتي اهل بيتي) نشير الي ان الحديث ورد في بعض كتب اهل السنة بروايتين: الاولي,( اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ). الثانية:( تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنة نبيه(ص)او وسنتي ) وقبل ان نشير الي ضعف رواية (وسنتي) و انها من الاحاديث الموضوعة ,نقول: ان الامام مسلما لم يرو هذه الرواية في صحيحه, و هذا من اظهر الادلة علي وضعها , في قبال رواية (و عترتي اهل بيتي) التي رواها الامام مسلم في صحيحه باربع روايات.(حديث الثقلين في كتب اهل السنة, ص 106 للدكتور علاء الدين القزويني.) و اما بخصوص حديث الثقلين بلفظ (و عترتي),يقول السيد محمد تقي الحكيم: "حديث التمسك بالثقلين بلفظ(عترتي اهل بيتي ) متواتر في جميع طبقاته, والكتب التي حفلت به اكثر من ان تحصي, و طرقه الي الصحابة كثيرة, و رواياته منهم.كثيرون جدا, و في رواته عدة روايات كانت في اعلي درجات الصحة,كما شهد بذالك الحاكم و غيره, بينما تري ان الحديث الاخر (و سنتي) لا يتجاوز في الاعتبار عن كونه من احاديث الاحاد, و هي مع ذلك مشتركة في رواية الحديثين معا عدا مالكا, فقد اقتصر علي ذكرها فحسب, دون الحديث الاخر في الموطا, ولهذا يري انه يكفي لتوهين الرواية انها مرفوعة و لم يذكر الكتاب رواتها, و لذلك فهي لا تزيد علي كونها من اخبار الاحاد ولا يمكن ان تقف بوجه حديث الثقلين بلفظ (و عترتي اهل بيتي) مع وفرة رواته في كتب السنة و تصحيح الكثير من رواتها...[1]. فساد سند حديث (تركت فيكم كتاب الله و سنتي): لقد عقد الدكتور علاء الدين القزويني بحثا خاصا اثبت فيه (فساد ) سند حديث (كتاب الله وسنتي) وقد جاء البحث في الصفحات ((113-119)) من كتابه ((حديث الثقلين في كتب اهل السنة )) ونحن نكتفي بذكر مناقشتين فقط. جاء في كتاب ( الموطا ) للامام مالك بن انس امام المذهب, (عن مالك, انه بلغه ان رسول الله(ص) قال: تركت فيكم امرين لن تضلوا ما مسكتم بهما كتاب الله و سنة نبيه)[2]. وهذه الرواية كما تراها مرفوعة ومرسلة, والحديث المرسل لا حجة فيه اطلاقا, وذلك لعدم وجود سند نبحث فيه عن وثاقة رواته.هذا هو المثال الاول . و اما المثال الثاني: قال الحاكم النيسابوري في المستدرك:((حدثنا ابو بكر احمد بن اسحاق الفقية, انبانا العباس بن الفضل الاسفاطي, حدثنا اسماعيل بن ابي اويس, و اخبرني اسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني, حدثني جدي, حدثني ابي اويس, حدثني ابي, عن ثور بن زيد الديلي, عن عكرمة, عن ابن عباس, ان رسول الله(ص) خطب الناس في حجة الوداع فقال:...ايها الناس اني تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا ابدا, كتاب الله و سنة نبيه..)).[3] و هذا الحديث ضعيف من جهة السند, لان فيه (اسماعيل بن ابي اويس),و هو من الوضاعين, قال ابن حجر العسقلاني في التهذيب:( اسماعيل بن عبدالله بن اويس بن مالك... قال معاوية بن صالح عنه: هو و ابوه ضعيفان..وقال ابراهيم بن الجنيد عن يحيي: مخلط يكذب ليس بشيء ...و قال النسائي: ضعيف, و قال في موضع آخر: غير ثقة... و قال ابن عدي: روي عن خاله احاديث غرائب لايتابعه عليها احد... وقال ابن حزم في المحلي: قال ابوالفتح المازدي حدثني سيف بن محمد ان ابن ابي اويس كان يضع الحديث...)[4] و هكذا الحال في جميع الروايات التي وردت بلفظ (و سنتي) فانها اما مرفوعة او ساقطة الاعتبار لضعف سندها, برجال من امثال :(صالح بن موسي الطلحي) فانه من الكذابين منكر الحديث, و (كثير ابن عبدالله) و هو من الوضاعين و متروك الحديث كما عبر عنه الدار القطني. و (سيف ابن عمرالتميمي) الذي قال عنه ابن حجر في التهذيب: قال ابن معين: ضعيف الحديث...و قال ابوحاتم: متروك الحديث.[5] و اما ما جاء في سيرة ابن هشام فيلاحظ عليه امران : الاول:ان الحديث  مرسل ولا سند له, و عليه فلا يمكننا الحكم بصحته لعدم وجود سلسلة الروايات الذين يبحث عن وثاقتهم. الثاني: ان ابن هشام ذكر الحديث من رواية(محمد بن يسار),و هو مطعون فيه في كتب الرجال من قبل ائمة الجرح و التعديل و فيه يقول الذهبي في الميزان:(محمد بن يسار ..قال النسائي وغيره ليس بالقوي و قال الدار قطني:لا يحتج به... و قال سليمان التيمي:كذاب...)[6] الي غير ذلك من كلمات الذم الواردة بحق الرجل. ولهذا لو نظرنا بانصاف الي هذا الحديث نجد انه لا وجود له في صحيحي البخاري و مسلم, و لا في كتب اهل السنة المعروفة كسنن ابن ماجة و الترمذي و ابي داود, و لا في مسند الامام احمد, فهو خبر اتفق ارباب الصحاح و السنن و المسانيد علي تركه والاعراض عنه.[7] هذا هو حال الحديث بلفظ (وسنتي) من ناحية السند وللدكتور محمد التيجاني السماوي مناقشة اخري غير السند اثبت فيها ان الحديث بلفظ (و سنتي)  لايصح وفق مسلك اهل السنة انفسهم فقال: و لابد من الملاحظة بان الحديث ((كتاب الله و سنتي)) لا يصح حتي عند ((اهل السنة و الجماعة)) لانهم رووا في صحاحهم بان النبي(ص) نهاهم عن كتابتها(اي السنة) فاذا كان حديث النهي صحيحا, فكيف يجوز النبي(ص) ان يقول : تركت فيكم سنتي و هي غير مكتوبة و لا معلومة؟؟ ثم لو كان حديث((كتاب الله و سنتي)) صحيحا, فكيف جاز لعمر بن الخطاب ان يرد علي رسول الله (ص) و يقول :حسبنا كتاب الله؟! و اذا كان الرسول (ص) ترك سنة مكتوبة, فكيف جاز لابي بكر و عمر حرقها و منعها من الناس؟! و اذا كان حديث ((كتاب الله و سنتي)) صحيحا, فلماذا يخطب ابو بكر بعد وفاة النبي (ص) و يقول: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا, فمن سالكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله و حرموا حرامه؟[8] واذا كان حديث ((كتاب الله وسنتي)) صحيحا فلماذا خالفها ابو بكر في قتال مانعي الزكاة و قد قال رسول الله( ص): من قال لا اله الا الله عصم مني دمه و ماله و حسابه علي الله؟! و اذا كان حديث ((كتاب الله و سنتي)) صحيحا فكيف استحل معاوية والصحابة الذين بايعوه و ساروا في ركابه ان يلعنوا عليا و يسبوه علي المنابر طيلة حكم بني امية الم يسمعوا امر الله لهم بان يصلوا عليه كما يصلون علي النبي؟ الم يسمعوا قول النبي (ص ):(( من سب عليا فقد سبني و من سبني فقد سب الله ))؟؟[9] بعد ان اتضح ضعف الحديث بلفظ (و سنتي ) نشرع في بيان الحديث بلفظ ( و عترتي) والذي عرفت تواتره و لاثبات ذلك المدعي اورد الدكتور التيجاني في كتابه مع الصادقين و قال : ... و هذا الحديث (اي كتاب الله و عترتي) صحيح ثابت اخرجه المحدثون من الفريقين السنة والشيعة و رووه في مسانيدهم وفي صحاحهم عن طريق ما يزيد علي ثلاثين صحابيا. و بما انني- والقول للتيجاني- و كالعادة لا احتج بكتب الشيعة و لا باقوال علمائهم فكان لزاما علي ان اذكر فقط علماء السنة الذين اخرجوا حديث الثقلين معترفين بصحته حتي يكون البحث دائما موضعيا يتصف بالعدل والانصاف و ان كان العدل و الانصاف يقتضي ذكر قول الشيعة ايضا). و هذه قائمة وجيزة عن رواة  هذا الحديث من علماء السنة: 1- صحيح مسلم كتاب فضائل علي بن ابي طالب ج 7 ص122 . 2– صحيح الترمذي ج 5 ص 328. 3- الامام النسائي في خصائصه ص 21. 4– الامام احمد بن حنبل ج 3 ص 17. 5- مستدرك الحاكم ج 3 ص 109. 6 - كنز العمال ج 1 ص 154. 7 – الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 194. 8– جامع الاصول لابن الاثير ج 1 ص 167. 9 – الجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 353. 10- مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 163. 11- الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451. 12- اسد الغابه في معرفة الصحابة لابن الاثيرج2 ص 12. 13– تاريخ ابن عساكر  ج 5 ص 436. 14- تفسير ابن كثير ج 4 ص 113. 15 - التاج الجامع للاصول ج 3 ص 308. اضف الي هؤلاء ابن حجر الذي ذكره في كتابه الصواعق المحرقة معترفا بصحته والذهبي في تلخيصه معترفا بصحته علي شرط الشيخين و الخوارزمي الحنفي و ابن المغازلي الشافعي والطبراني في معجمه و كذلك صاحب السيرة النبوية في هامش السيرة الحلبية و صاحب ينابيع المودة و غيرهم ... فهل يجوز بعد هذا ان يدعي احد ان حديث الثقلين ((كتاب الله وعترتي)) لا يعرفه اهل السنة وانما هو من موضوعات الشيعة؟؟[10] و من العلماء الذين اوردوا الحديث  وجمعوه في مصادره السنية العلامة المرحوم عبدالحسين  شرف الدين في كتابه القيم المراجعات .

1