منذ سنتين

المعراج و العلوم العصرية

نرجو من سماحتكم الإجابة علي هذه الشبهة: إن مسألة الإسراء والمعراج لايمكن أن تغطي ليلة واحدة؟


ان قصر الفترة الزمنية، ليس هو الاشكال الوحيد الذي طرح في هذا الخصوص، بل هناك اشكالات اخري طرحت و قد اجاب عنها المفسرون و العلماء و ممن تعرض لذلك، الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره الامثل حيث قال تحت عنوان (المعراج و العلوم العصرية...) كان بعض الفلاسفة القدماء يعتقد بنظرية «الأفلاك البطليموسية التسعة» و التي تكون علي شكل طبقات البصل في إحاطتها بالأرض، لذلك فقد أنكر المعراج بمزاعم علمية تقوم علي أساس الإيمان بنظرية الهيئة البطليموسية و التي بموجبها يلزم خرق هذه الأفلاك و من ثم التئامها ليكون المعراج ممكنا، و لكن مع انهيار قواعد نظرية الهيئة البطليموسية أصبحت شبهة خرق و التئام الأفلاك في خبر كان، و ضمتها يد النسيان، و لكن التطور المعاصر في علم الأفلاك أدي إلي إثارة مجموعة من الشبهات العلمية التي تقف دون إمكانية المعراج علميا و هذه الشبهات يمكن تلخيصها كما يلي: أولا: إن اول ما تواجه الذي يريد أن يجتاز المحيط الفضائي للأرض إلي عمق الفضاء هو وجوب الإنفلات من قوة الجاذبية الأرضية، و يحتاج الإنسان للتخلص من الجاذبية إلي وسائل إستثنائية يكون معدل سرعتها علي الأقل (40) ألف كيلومتر في الساعة. ثانيا: المانع الآخر يتمثل في خلو الفضاء الخارجي من الهواء، الذي هو القوام في حياة الإنسان. ثالثا: المانع الثالث يتمثل بالحرارة الشديدة الحارقة (للشمس) و البرودة القاتلة و ذلك بحسب موقع الإنسان في الفضاء من الشمس. رابعا: هناك خطر الإشعاعات الفضائية القاتلة كالأشعة الكونية و الأشعة ماوراء البنفسجية وأشعة إكس، إذ من المعروف أن الجسم يحتاج إلي كميات ضئيلة من هذه الإشعاعات و هي بهذا الحجم لا تشكل ضررا علي جسم الإنسان و لكن خارج محيط الأرض، حيث الفضاء الخارجي تكثر هذه الإشعاعات التي تحول الطبقات الهوائية في الغلاف الجوي المحيط بالأرض دون تسربها بكثرة إلي الأرض لتشكل خطراً علي الذي يتجاوز محيط الأرض نحو الفضاء الخارجي. خامسا: هناك مشكله فقدان الوزن التي يتعرض لها الإنسان في الفضاء الخارجي، و إذا كان من الممكن للإنسان أن يتعود تدريجيا علي الحياة في أجواء انعدام الوزن إلا أن انتقاله مرة واحدة إلي الفضاء الخارجي ـ كما في المعراج ـ هو أمر صعب للغاية، بل غير ممكن. سادسا: المشكلة الأخيرة هي مشكلة الزمان، حيث تؤكد علوم اليوم علي أنه ليست هناك وسيلة تسير أسرع من سرعة الضوء، و الذي يريد أن يجول في سماوات الفضاء الخارجي يحتاج إلي سرعة تكون أسرع من سرعة الضوء! في مواجهة هذه المسألة: أولا: في عصرنا الحاضر، و بعد أن أصبحت الرحلات الفضائية بالإستفادة من معطيات العلوم أمراً عادياً، فإن خمساً من المشاكل الست الآنفة تنتفي، و تبقي فقط مشكلة الزمن و هذه المشكلة تثار فقط عند الحديث عن المناطق الفضائية البعيدة جداً. ثانيا: إن المعراج لم يكن حدثا عادياً، بل أمر إعجازي خارق للعادة تم بالقدرة الإلهية، و كذلك الحال في كافة معجزات الأنبياء، و الذي يهمنا هنا أن نثبت عدم استحالة المعجزة عقلاً، أما الأمور الأخري فتتم بالإستناد إلي القدرات الإلهية، و إذا كان الإنسان قد استطاع باستثماره لمعطيات العلوم الحديثة أن يوفر حلولا للمشكلات الآنفة الذكر، مثل مشكلة الجاذبية و الأشعة و انعدام الوزن و ما إلي ذلك حتي أصبح بمستطاعه السفر إلي الفضاء الخارجي أ فلا يمكن لله خالق الكون، صاحب القدرت المطلقة أن يوفر وسيلة تتجاوز المشكلات المذكورة؟! إننا علي يقين من أن الله تبارك و تعالي وضع في متناول رسوله (ص) مركبا مناسبا صانه فيه عن كل المخاطر و الأضرار في معراجه نحو السماوات، و لكن ما اسم هذا المركب هل هو «البراق» أو «رفرف» ؟ ثم علي أي شكل و هيئة كان؟ كل هذه أمور غامضة بالنسبة لنا، و لكنها لا تتعارض مع يقيننا بما تم، و إذا اردنا أن نتجاوز كل هذه الأمور فإن مشكلة السرعة التي بقيت لوحدها الشبهة التي تحتاج إلي حل، فإن آخر معطيات العلم المعاصر بدأت تتجاوز هذه المشكلة بعد أن وجدت لها حلولا مناسبة بالرغم مما يؤكده إنشتاين في نظريته من أن سرعة الضوء هي أقصي سرعة معروفة اليوم. إن علماء اليوم يؤكدون أن الأمواج الجاذبة لا تحتاج الي الزمن، و هي تنتقل من طرف من أطراف العالم إلي الطرف الآخر فيه، و هي تترك آثارا واضحة علي حركتها هذه! و نفس الاحتمال مطروح بالنسبة للحركة المرتبطة بتوسع الكون (من المعروف أن الكون في حالة اتساع و أن النجوم و المنظومات السماوية تبتعد عن بعضها البعض بحركة سريعة) إذ يلاحظ أن الأفلاك و النجوم و المنظومات الفضائية تبتعد عن بعضها البعض و عن مركز الكون إلي اطرافه بسرعة تتجاوز سرعة الضوء! إذن بكلام مختصر نقول: إن المشكلات الآنفة ليس فيها ما يحول عقلا دون وقوع المعراج، و دون التصديق به، و المعراج بذلك لا يعتبر من المحالات العقلية وانه مضاد للعقل، بل بالإمكان تذليل المشكلات المثارة حوله بتوظيف الوسائل و القدرات المناسبة. و بذلك فالمعراج لا يعتبر أمرا غير ممكن لا من وجهة الأدلة العقلية، و لا من وجهة معطيات و موازين العلوم المعاصرة، و هو بالاضافة إلي ذلك أمر إعجازي خارق للعادة لذلك إذا قام الدليل النقلي السليم عليه فينبغي قبوله و الإيمان به [1] . [2] الخلاصة: ان المعرج لايعد امراً مضاداً للعقل وانه من الامور المستحيلة، بل كل مايثار من الاشكالات يعد من الاستبعادات العادية، اي ان المسالة فوق العقل، ومن الواضح وكما قلنا حتي زمن قريب كانت هذه القضية بكل ابعادها فوق تصور الذهن البشري، ولكن مع تطور التكنولوجيا انحلت الكثير من الشبه والاشكالات المثارة، ولعله سياتي اليوم الذي تحل فيه باقي الاشكالات، فان عجلة التطور مازالت مستمرة .