منذ سنتين

موقف الاسلام من العولمة

ما هو موقف الاسلام من العولمة؟


اوّلا: انّه لا شك و لا ريب ان للاسلام رؤيته الخاصة في جميع نواحي الحياة و له معالجاته الخاصة أيضا في المجالات كافة المجالات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية، فهو مشروع حضاري متكامل ينظر الي الحياة نظرة شمولية علي صعيد البعد الزماني والمكاني ، وهو رسالة خاتمة لجميع الرسائل و هو رسالة عالمية، كل ذلك اعتماداً علي النظرية القرآنية و التي تحصر التشريع و التقنين باللّه تعالي ( ِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّه )-[i]. فالتشريع الالهي هو الذي يجب ان يعم المعمورة. ثانيا: ان مشروع العولمة بما هو وجهة نظر تعميمية شمولية ليس امراً جديداً، بل هو مشروع قديم جداً ما دامت كل فكرة او كل عقيدة او كل فرد او كل جماعة ذات عصبية كلها تسعي و تناضل لتقنع الآخرين بنفسها، او لتفرض نفسها بقوّة في محاولة لتعميم رؤيتها، وانها تسعي لفرض نفسها علي العالم بأسره، و بهذا المعني يمكن القول ان المشروع الحضاري المادي هو بالتأكيد مشروع عولمي، و كذلك المشروع الحضاري الالهي المتمثل بالاديان التوحيدية و علي رأسها الاسلام مشروع عولمي، حتي انّ بعض مظاهر المشروع الالهي هي مظاهر عولمية، الفتح الاسلامي علي سبيل المثال هو فتح عولمي بالمعني الذي ذكرناه.[ii] اذاً العولمة كمشروع حضاري لا يرفضه الاسلام بل هو يسعي الي تحققه شريطة ان تكون الحاكمية للّه تعالي و لقوانينه. ثالثا: ان الصراع الدائر الآن هو صراع بين حضارتين الحضارة المادية و الحضارة الالهية، و الذي يظهر من المشروع العولمي الآن حسب ما يفهم من كتابات المفكرين الغربيين من امثال [فوكوياما] في كتابه [نهاية التاريخ‏]، و خاصة بعد انهيار المعسكر الشرقي [الاتحاد السوفياتي‏] ان هذا الرجل [فوكوياما] يدعو الي ان النظرية التي يجب ا ن تعُم المعمورة هي النظرية الغربية الرأسمالية في تفسيرها الاقتصادي، والليبرالية في تفسيرها السياسي و الاجتماعي و الثقافي، و يقول: انّ علي من يريد ان يلتحق بركب الحضارة و المدنية فعليه ان ينتهج المنهج الذي ذكرناه. و هذه النظرية: يرفضها الاسلام جملة و تفصيلاً، فاما في مجال البعد الاقتصادي فان للاسلام نظريته الخاصة التي يمكن ان تلتقي مع المنهج الغربي في بعض المفردات و الجزئيات، و كذلك البعد السياسي و الاجتماعي و الثقافي، ففي كل ذلك للاسلام نظريته الخاصة به، و ما يدعواليه [مفكروا العولمة] يعني اخضاع العالم لافكار و قوالب جاهزة تأتيهم من المعسكر الغربي، فان هذا المشروع و هذه النظرية لا شك انها مرفوضة من قبل الاسلام. اضف الي ذلك ان مشروع العولمة بوضعه الراهن مقدمة للهيمنة الغربية علي باقي شعوب العالم، و هذا امر مرفوض أيضا من قبل الاسلام. نعم هناك ملاحظة مهمة لا بدّ من الالتفات اليها و هي: ان الاسلام يؤمن بحوار الحضارات و بضرورة التلاقح الحضاري لكي تسير الانسانية سيراً تكاملياً. شريطة ان يكون هذا الحوار بطريقة تحفظ للاسلام هويته و رؤيته و كيانه و ثوابته التي لا يمكن التخلي عنها.