منذ سنتين

لماذا غفر اللّه لآدم (ع) و لم يغفر لابليس؟

عندما عصي ابليس ربه لم يغفر له الله وحين عصي آدم ربه غفر الله له فما السبب في ذلك؟


قبل الاجابة عن السؤال نقول ان الله تعالي رؤوف رحيم بالعباد مهما كانوا، و انه لا يرضي لعباده الكفر و لذلك فتح جميع الابواب امام عباده للانابة و التوبة هذا من جهة و من جهة ثانية اعتبر السيئة بسيئة واحدة، و أما الحسنة فقد ضاعفها اضعافاً كثيرة كل ذلك ليمهد لعباده طريق الدخول الي الجنة، إذاً الله تعالي يريد لعباده (من الانس و الجن) الصلاح و الخير و لا يريد ان يدخلوا النار، الاّ ان البعض منهم و باختيار منه قد سلك طريق الغي. ثم لابدّ ان نفرق بين ما وقع من ابليس من المعصية و ما صدر من آدم عليه السلام: اولا: اننا اذا لاحظنا الآيات القرآنية فانها ترسم لنا صورة عن آدم (ع) و انه ارتكب ذلك العمل باغراء و اغواء من ابليس، فابليس شريك فيما وقع فيه آدم (ع) بل هو المسبب الأوّل. و ثانيا ان آدم (ع) و زوجته حواء عليها السلام قد صدر منهما ما صدر عن حسن نيّة و غفلة يقول الله تعالي: ( وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحين‏ )[1] فإبليس عليه اللعنة حلف لهما باللّه العظيم انه ناصح لهما. فأكلا من الشجرة و هما لا يتصوران أنه يوجد من يحلف باللّه كاذبا كما جاء في الرواية، و بعد ذلك و بعد ان تبين لهما ما صدر منهما تابا الي الله تعالي ( قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرين‏ )[2]. و أما ابليس لعنه الله، فانه عندما عصي اخذ يفلسف معصيته و يؤطرها باطار فكري ينبع من الانانية و الاستكبار، ورفض التوبة، ثم حاول ان ينسب الاضلال الي اللّه تعالي يقول تعالي واصفا لنا تلك القضية: ( قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني‏ مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طين‏ * قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرينَ )[3] و ابليس هنا بدل ان يختار طريق التوبة و الانابة الي اللّه تعالي نراه يقع في خطأ لا يقلّ خطورة عن الخطأ الاول، فيطلب من اللّه تعالي ان يمهله، لا ليتوب او يعبد اللّه، بل ليمارس عملية اضلال بني آدم ( قالَ أَنْظِرْني‏ إِلي‏ يَوْمِ يُبْعَثُون ‏)[4] لماذا ( قالَ فَبِما أَغْوَيْتَني‏ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقيم‏ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرين‏ )[5] فهنا تجد ابليس لعنه الله تعالي يكشف عن نواياه الخبيثة و بكل وقاحة و صلف امام اللّه تعالي و يكشف عن مخططه امام اللّه. اذا عرفنا ذلك يتبيّن بوضوح جواب السؤال المطروح و في هذا الخصوص يقول العلامة الطباطبائي : و قوله: « قال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني‏ مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طين‏ » يحكي عمّا أجاب به لعنه اللّه، و هو أول معصيته و أول معصية عُصي بها اللّه سبحانه فإن جميع المعاصي ترجع بحسب التحليل إلي دعوي الإنيّة و منازعة اللّه سبحانه في كبريائه، و له رداء الكبرياء لا شريك له فيه ،فليس لعبد مخلوق أن يعتمد علي ذاته و يقول: أنا قبال الإنيّة الإلهية التي عنت لها الوجود، و خضعت له الرقاب و خشعت له الأصوات، و ذل له كل شي‏ء. و لو لم تنجذب نفسه إلي نفسه، و لم يحتبس نظره في مشاهدة إنيّته لم يتقيد باستقلال ذاته، و شاهد الإله القيوم فوقه فذلت له إنيّته ذلة تنفي عنه كل استقلال و كبرياء فخضع للأمر الإلهي، و طاوعته نفسه في الايتمار و الامتثال، و لم تنجذب نفسه إلي ما كان يتراءي من كونه خيراً منه لأنه من النار و هو من الطين بل انجذبت نفسه إلي الأمر الصادر عن مصدر العظمة و الكبرياء و منبع كل جمال و جلال. و كان من الحري إذا سمع قوله: « ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك » أن يأتي بما يطابقه من الجواب كأن يقول: منعني أني خير منه لكنه أتي بقوله: «أنا خير منه» ليظهر به الإنيّة، و يفيد الثبات و الاستمرار، و يستفاد منه أيضاً أن المانع له من السجدة ما يري لنفسه من الخيرية فقوله: « أنا خير منه » أظهر و آكد في إفادة التكبر. و من هنا يظهر أن هذا التكبر هو التكبر علي اللّه سبحانه دون التكبر علي آدم.[6]