logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

هل يعد التوسل بأهل البيت(ع) شركا ام لا؟

اريد ان اسأل سماحتكم عن استنجادنا بأهل البيت(ع) و دعائنا ان يعينونا هل يؤدي ذلك الي الشرك بالله عزوجل؟ و كيف يعينوننا و هم ليسوا احياء بيننا؟


ان التوسل من المفاهيم الاسلامية، و من اجل فهم ذلك لابدّ من بيان الموضوع بالصورة التالية: التوحيد في العبادة أساس دعوة الأنبياء. التوحيد في العبادة يشكل أساس دعوة الأنبياء في جميع عهود الرسالة السماوية، و المقصود منه دعوة الإنسان إلي عبادة اللّه، وردعه عن عبادة غيره أيّا كان. فالتوحيد في العبادة، وتحطيم أغلال الشرك والوثنيّة، هوالحجر الأساس للتعاليم السماوية، فكأن الأنبياء والرسل لم يبعثوا إلاّ إلي هذا الهدف الوحيد وهو تثبيت دعائم التوحيد ومكافحة الشرك بعامّة ألوانه، و أخصّ منها بالذكر الشرك في العبادة. لقد جاءت تلك الحقيقة في الذكر الحكيم بجلاء، إذ قال تعالي: ( وَ لَقَدْ بَعَثْنا في‏ كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت‏ )[1] و قال سبحانه:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحي‏ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ )[2]، و في موضع آخر يصف القرآن الكريم التوحيد في العبادة، بالأصل المشترك بين جميع الشرائع السماوية إذ يقول: ( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلي‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا )[3] إن القرآن الكريم يصوّر موقف المشرك في الحياة بالذي خرّ من السماء فلا يكون مصيره إلاّ طعمة للصقور و النسور، أو ملقيّ في مكان سحيق، قال سبحانه: ( وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوي بِهِ الرِّيحُ في‏ مَكانٍ سَحيق‏ )[4] ، و ما هذا إلاّ لأنّ المشرك اعتمد في الحياة علي ما ليست له مسحة من الواقعية أو لمسة من الصدق فاعتمد علي المخلوق المحتاج، و اتّخذه عماداً في حياته و زعم أنّه ينفع و يضرّ مع أنّه ليست له أيّة مقدرة لحفظ نفسه فضلاً عن صيانة عابده، فأشبه منخرئ من السماء، فليس له أيّ صائن يصونه من السقوط أو يحفظه من شرور الطيور أو السقوط في مهاوي الأودية. فنبيّ الاسلام (ص) حسب هذه الآيات و وفق ما وصلنا من سيرته، كافح الشرك في العبادة بكل حول و قوة، و جعله السبيل إلي سائر دعواته كما كافح سائر ألوانه و إن كان التركيز علي الشرك في العبادة أكثر. فالمسلم لا يدخل في حظيرة الإسلام إلاّ بالاعتقاد بهذا الأصل الذي لا يقبل التخصيص و لا التقييد، فالعبادة بمعناه الحقيقي، مختصة باللّه سبحانه لا تعمّ غيره و إشراك الغير معه ظلم و تعدّ علي حدود اللّه قال سبحانه حاكياً علي أحد عباده الصالحين: ( يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ )[5] ، فعلي ضوء ذلك فكل عمل في الشريعة إلاسلامية يجب أن ينطبق علي هذا الأصل و لا يتعدّاه، حتي لو ورد في حديث، أو نقل عن إمام شي‏ء يزاحم ذلك الأصل فهو كذب علي النبي أو الإمام، و هو مرفوض يضرب به عرض الجدار.   التوسّل لغة و اصطلاحاً. التوسّل لغة من وسلت إلي ربّي وسيلة: إلي ربّي وسيلة: عملتُ عملاً أتقرّب به إليه، و توسّلت إلي فلان بكتاب أو قرابة، أي تقربت به إليه‏.[6] و قال الجوهري في الصحاح: الوسيلة ما يتقرّب به إلي الغير و الجمع: الوُسُل و الوسائل‏ [7] و نحن في غني عن تحقيق معني الوسيلة في اللغة، لأنّها من المفاهيم الواضحة لدينا و حقيقتها لا تتجاوز اتّخاذ شي‏ء ذريعة إلي أمر آخر يكون هو المقصود و المبتغي، و هي تختلف حسب اختلاف المقاصد. فمن ابتغي رضي اللّه تبارك و تعالي يتوسّل بالأعمال الصالحة التي بها يكتسب رضاه، و من طلب استجابة دعائه يتوسّل بشي‏ء جعل في الشريعة وسيلة لها، و من أراد زيارة بيت اللّه الحرام يتوسّل بالأعمال الصالحة التي بها يكتسب رضاه، و من طلب استجابة دعائه يتوسل بشي‏ء جعل في الشريعة وسيلة لها، و من أراد زيارة بيت اللّه الحرام يتوسّل بما يوصله إليها،فوضوح معناه يبعثناه الي أن نترك نقل أقوال اللغويين في ذلك المضمار و إن كانت أكثر كلماتهم في المقام متماثلة. و المقصود من التوسّل في المقام، هو أن يقدّم العبد إلي ربه شيئا، ليكون وسيلة إلي اللّه تعالي لأن يتقبّل دعاء و يجيبه إلي ما دعا، و ينال مطلوبه، مثلا إذا ذكر اللّه سبحانه بأسمائه الحسني و صفاته العليا و مجدّه و قدّسه و عظّمه، ثم دعا بما بدا له، فقد اتخذ أسماءه وسيلة لاستجابة دعائه و نيل مطلوبه و مثله سائر التوسّلات، و التوسّل بالأسباب في الحياة أمر فطري للإنسان، فهو لم يزل يدق بابها ليصل إلي مسبباتها و قال الإمام الصادق عليه السلام: « أَبَي اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَبا »[8] إن الوسيلة إذا كانت وسيلة عادية للشي‏ء و سبباً طبيعياً له، فلا يشترط فيها إلاّ وجود الصلة العادية بين الوسيلة و المتوسّل إليه، فمن يريد الشبع فعليه الأكل و لا يريحه شرب الماء، إذ لا صلة بين شرب الماء، و سدّ الجوع فالعقلاء في حياتهم الدنيوية ينتهجون ذلك المنهج بوازع فطري، أو بعامل تجريبي، نري أنّ ذا القرنين عندما دعي إلي دفع شرّ يأجوج و مأجوج اللذين كانوا يأتيان من وراء الجبل و يفسدان و يقتلان و يغيران، لبّي دعوتهم و تمسك بالسبب الطبيعي القويم الذي يدفع به شرّهم فخاطبهم بقوله: ( آتُوني‏ زُبَرَ الْحَديدِ حَتَّي إِذا ساوي‏ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّي إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُوني‏ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبا )[9] ففي هذا الموقف العصيب توسّل ذو القرنين ـ ذلك الإنسان الإلهي ـ بسبب طبيعي إذ أنه وقف علي الصلة بين الوسيلة و ما يهدف إليه، و هو سدّ الوديان بقطع الحديد حتي إذا سوي بين الجبلين أمر الحدادين أن ينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه حتي جعله نارا، و عند ذلك قال: ائتوني نحاسا مذابا أو صفرا مذابا، حتي أصبّه علي السد بين الجبلين و نسد بذلك النقب و يصير جدارا مصمتاً،فكانت حجارته الحديد و طينه النحاس الذائب. ففي المورد و أضرابه التي بنيت عليها الحياة الإنسانية في هذا الكوكب، لا يشترط بين الوسيلة و الهدف سوي الرابطة الطبيعية أو العادية التي كشف عنها العلم و التجربة و أمّا التوسّل في الأمور الخارجة عن نطاق الامور العادية، فبما أنّ التعرّف علي أسبابه خارج عن إطار العلم و التجربة بل يعد من المكنونات الغيبية، فلا يقف عليها الإنسان إلاّ عن طريق الشرع و تنبيه الوحي، و بيان الأنبياء و الرسل و ما ذاك إلاّ لأنّهم هم الذين يرفعون الستار عن وجه الحقيقة و يصرّحون بالوسيلة و يبيّنون بأنّ هناك صلة بينها و بين ما يبغيه الإنسان المتوسّل. و هذا الأصل يبعثنا إلي أن لا نتوسل بشي‏ء فيما نبتغيه من رضي الربّ و غفران الذنوب و استجابة الدعاء و نيل المني إلاّ عن طريق ما عيّنه الشارع و صرّح بأنّه وسيلة لذلك الأمر، فالخروج عن ذلك الإطار يسقطنا في مهاوي التشريع و مهالك البدع التي تعرّفت علي مضاعفاتها . فالمسلمون سلفهم و خلقهم، صحابيّهم و تابعيّهم، و التابعون لهؤلاء بإحسان في جميع الأعصار ما كانوا يخرجون عن ذلك الخط الذي رسمناه، فما ندب إليه الشرع في مجال التوسّل يأخذون به، و ما لم يذكر، أو نهي عنه يتركونه، و لا اعتبار بالبَدعِ االمحدثة التي ما أنزل اللّه بها من سلطان. و ها نحن نذكر بعض التوسلات المشروعة التي يندب اليها الشارع: 1ـ التوسّل باسمائه و صفاته تعالي. 2ـ التوسل بالقرآن الكريم. 3ـ التوسل بالاعمال الصالحة. 4ـ التوسل بدعاء الرسول الأكرم. 5ـ التوسل بدعاء الأخ المؤمن. 6ـ التوسل بدعاء النبي في حياته البرزخية. 7ـ التوسل بالانبياء و الصالحين انفسهم. 8ـ التوسل بحق الصالحين و حرمتهم و منزلتهم. 9ـ التوسل بمقام النبي و منزلته عند اللّه. و في الختام نذكر بعض ما جاء في كتاب التوسل و الزيارة في الشريعة الاسلامية للشيخ محمد الفقي من علماء الأزهر الشريف الطبعة الاولي 1968 م ص 153 حيث قال: التوسل بالأحياء والموتي و أدلة الشارع علي جواز ذلك. تحدث القرآن الكريم علي جواز التوسل، و تكلمت الرسالة السماوية عن سر الترغيب في القيام به، و أفاضت آيات الشريعة في الإعراب عن تقدير الشارع له و التعبير عن مدي حياة التوسل و غيرهم في قبورهم، لا سيما من أوحي إليه بذلك الجواز في قوله تعالي ( وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَة -)[10] عليه و عليهم الصلاة و السلام. نعم،قدمنا من روائع الأحاديث و آيات الرسالة ما يثبت جوازه و يقرر مدي اعتبار و تقدير الدين الإسلامي له و أثره في تحقيق الروحانية و تجاوبها في القلوب، فمما يبعث علي ذلك الجواز مما تقدم ما جاء في حديث عثمان بن حنيف، إذ في توجيه الضرير و دعوته الي الأخذ بالتوسل أبلغ آية و أكبر برهان علي فضل هذه الهدية الرائعة، يتجلي ذلك في الحديث المشار إليه و في إرشاد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الي استقبال الرسول الأعظم و استدبار القبلة عند زيارته له (ص) و اعتباره الوسيلة إليه تعالي، فقد جاء ذلك في كتاب (الشفا) للقاضي عياض حينما سأل ابو جعفر المنصور الإمام مالك رضي اللّه عنه عن ذلك فيجيبه بقوله: كيف تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك، و وسيلة أبيك آدم إلي يوم القيامة. و هناك أحاديث أخري تنطق بجواز التوسل بالأحياء و الموتي، فقد دل حديث فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه علي ذلك، فقد توسل صلي اللّه عليه و اله و سلم بذاته الشريفة و بإخوانه النبيين و جلهم موتي، و قد تأيد هذا الحديث بما تعددت طرقه و صحت أسانيده و اعتمدت رواته في عالم الرواة الثقات. فالجزء الثالث من (الإصابة في تاريخ الصحابة) ص 461 يعبر أبلغ تعبير و أصدقه في مجال الاستدلال و الاحتجاج عن مدي ما حققه في شأن الرواة إذ يقرر في ذلك عن مدي الثقة في الراوي الذي يتحدث عنه فيقول: مالك بن عياض مولي عمر هو الذي يقال له مالك الدار له إدراك و سمع من أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، و روي عن الشيخين و معاذ و أبي عبيدة، و روي عنه أبو صالح و ابناه عون و عبد اللّه ابنا مالك.[11]

7