منذ سنتين

الشيعه و نفي الجسمية عن اللّه تعالي

عن إبراهيم بن محمد الخراز، ومحمد بن الحسين قالا : دخلنا علي أبي الحسن الرضا رضي الله عنه ، فحكينا له ما روي أن محمداً رأي ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء الثلاثين سنة، رجلاه في خضره، وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلي السرة والباقي صمد..الخ. ، كيف يكون هذا ارجو التفصيل فيه؟


الرواية المذكورة في الكافي (باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالي). هذه الرواية تشير الي ان اللّه تعالي ليس بجسم و لا يمكن ان يكون له مثل ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ )[1] و هذا ما نعتقده و سنذكر الدليل علي ذلك، الا ان الرواية لا يمكن الاعتماد عليها، لانها في الواقع تنسب القول بالجسمية الي بعض شخصيات الشيعة المعروفة من قبيل هشام بن سالم و مؤمن الطاق و ... و هذه النسبة غير صحيحة لأن الرواية المذكورة ساقطة عن الاعتبار لضعف سندها حيث ورد في السند (بكر بن صالح) و قد ضعّفه علماء الرجال حيث جاء في ترجمته: بكر بن صالح الرازي من اصحاب الرضا (ع) الضبّي مولي بني ضبة، روي عن ابي الحسن الكاظم عليه السلام ضعيف جدا، كثير التفرّد بالغرائب.[2] فاذاً الرواية لا يمكن اعتمادها في نسبة القول بالجسمية لهشام بن سالم و ... نعم، مضمون الرواية و هو نفي الجسمية عن اللّه تعالي صحيح و هذا ما اتفقت عليه كتبنا الكلامية: عرّف الجسم بتعاريف مختلفة لا يتسع المجال لذكرها. و علي كل تقدير فالجسم هو ما يشتمل علي الابعاد الثلاثة من الطول و العرض و العمق، و علي قول ما يشتمل علي الأبعاد الأربعة بإضافة البعد الزماني الي الأبعاد الثلاثة المكانية. و هو ملازم للتركيب، و المركّب محتاج الي أجزائه، و المحتاج ممكن الوجود لا واجبه، و الممكن لا يكون إلها خالقا مدبّرا تنتهي إليه سلسلة الموجودات. و بدليل آخر، إنّ كل جسم محتاج إلي الحيّز و المحل، و المحتاج إلي غيره ممكن واجب. و بدليل ثالث، إنّ الحيّز أو المحل، إمّا أن يكون واجب الوجود كالحالّ، فيلزم تعدد الواجب، و إمّا أن يكون ممكن الوجود، مخلوقا للّه سبحانه فهذا يكشف عن أنه كان موجودا غنيّا عن المحل و الحيز فخلقهما، فكيف يكون الغني عن الشي‏ء محتاجا إليه. الكتاب العزيز و نفي الجسميّة 1ـ إنّ الذكر الحكيم يصف الواجب تعالي بقوله:  ( يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماء... )[3]و الآية صريحة في سعة وجوده سبحانه، و أنه معنا في كل مكان نكون فيه، و من هذا شأنه لا يكون جسما و لا حالاّ في محل أو موجودا في جهة. إذ لا شك إنّ الجسمين لا يجتمعان في مكان واحد وجهة واحدة، فالحكم بأنّه سبحانه موجود في أي مكان كنا فيه، لا يصحّ إلاّ إذا كان موجودا غير مادي و لا جسماني.  ثمّ إنّ المجسّمة و من يحذو حذوهم إذا و قفوا علي هذه الآية يؤولونها بأنّ المراد إحاطة علمه، لا سعة وجوده، و لكنه تأويل باطل لا دليل عليه، و العجب إنّ هؤلاء يفرّون من التأويل في الصفات الخبرية و يرمون المؤولّة بالتعطيل مع أنهم ارتكبوا ما ألصقوه بغيرهم. أضف إلي ذلك إنه سبحانه صرّح بإحاطة علمه بكل شي‏ء في نفس الآية، و قال: ( يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فيها )[4] ، فإذاً لا وجه لتكرار هذا المعني بعبارة مبهمة، و علي ذلك لا مناص من حمل الآية علي سعة وجوده و إحاطته بكل شي‏ء لا إحاطة حلوليّة حتي يحل في الأجسام و الإنسان بل إحاطة قيومية عبّر عنها في الآيات الأخر بقوله: ( اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم‏ ) [5]أي قائما بالذات، و سائر الأشياء قائمة به فليست كل إحاطة ملازمة للحلول و الإتحاد، و لا يمكن أن يكون ما تقوم الأشياء بذواتها به غائبا عنها غيبوبة الجسم عن الجسم. 2ـ يقول سبحانه: ( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوي‏ ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْني‏ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَليم‏) [6] و الآية صريحة في سعة وجوده، و أنّه موجود في كل مكان و مع كل أنسان، لكن لا بمعني الحلول، بل إحاطة قيومية قيام المعلول بالعلّة، و المعني الحرفي بالمعني الإسمي، و مع ذلك فلا يصل الإنسان إلي كنه هذه الإحاطة و هذه القيومية، فالآية تفيد المعية العلميّة و المعية الوجودية، فكلما فُرِضَ قوم يتناجون، فاللّه سبحانه هناك موجود سميع عليم. و بعبارة أخري إنّه سبحانه وصف نفسه في الآية بالعلم بما في السموات و ما في الأرض، ثم أتي بقوله: ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوي‏ ثَلاثَةٍ ) كالدليل علي تلك الإحاطة العلمية، فيما أنّه يسع وجوده كل مكان وجهة، فهو عالم بكل ما يحويه المكان و الجهة، و مثل هذا لا يمكن أن يكون جسما، لأنّ كل جسم إذا حواه مكان خلا منه مكان آخر. مكافحة علي (ع) القول بالتجسيم. إن عليّا (عليه السلام) و سائر الأئمة من أهل البيت مشهورون بالتنزيه الكامل، و كانوا يقولون إنّه سبحانه لا يشبهه شي‏ء بوجه من الوجوه و لا تدرك الأفهام و الأوهام كيفيته و لا كنهه، و يظهر ذلك من خطبّه عليه السلام و الآثار الواردة عن سائر ائمة أهل البيت عليهم السلام. و قد وقف علي ذلك القريب و البعيد، قال القاضي عبدالجبار: «و أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فخطبه في بيان نفي التشبيه و في إثبات العدل اكثر من أن تحصي»[7] روي المبرّد في الكامل: «قال قائل لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: أين كان ربّنا قبل أن يخلق السموات و الأرض؟ فقال علي عليه السلام: أين سؤال عن مكان، و كان اللّه و لا مكان »[8] و قال البغدادي: قال أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه: « إن اللّه تعالي خلق العرش إظهارا لقدرته، لا مكانا لذاته » و قال أيضا: «قد كان و لا مكان و هو الآن علي ما كان »[9] و قد بلغ بعلي (عليه السلام) من الأمر أنّه كان يراقب العوام و السّوقة في كلماتهم و ما يصدر منهم فدخل يوما سوق اللحامين و قال: « يا معشر اللحامين، من نفخ منكم في اللحم فليس منّا، فإذا هو برجل موليه ظهره، فقال: كلا و الذي احتجب بالسبع. فضربه علي ظهره ثم قال يالحّام و من الذي احتجب بالسبع؟ قال: ربّ العالمين يا أمير المؤمنين فقال: اخطأت، ثكلتك أمك، إنّ اللّه ليس بينه و بين خلقه حجاب، لأنّه معهم أينما كانوا. فقال الرجل ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: أن تعلم أنّ اللّه معك حيث كنت. قال: أُطعِمُ المساكين؟ قال: لا إنّما حلفت بغير ربّك »[10] و هذه المعية التي ذكرها علي (عليه السلام) قد وردت في آيات الذكر الحكيم منها ما سبق و منها قوله تعالي: ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُم‏ ) [11]و قال عليه السلام: « و من أشار إليه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من قال «فيم؟» فقد ضمّنه. و من قال «علام؟» فقد أخلي منه. كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شي‏ء لا بمقارنة، و غير كل شي‏ء  لا بمزايلة »[12] و قال عليه السلام: « الحمد اللّه الذي لا تدركه الشواهد، و لا تحويه المشاهد، و لا تراه النواظر، و لا تحجبه السواتر »[13] و قال (عليه السلام): « ما وحّده من كيّفه، و لا حقيقته أصاب من مثله، و لا إياه عَني من شبّههُ، و لا حمده من أشار إليه و توّهمه »[14] و قال عليه السلام: « قد علم السرائر، و خبر الضمائر، له الإحاطة بكل شي‏ء، و الغلبة لكل شي‏ء و القوة علي كل شي‏ء »[15] إلي غير ذلك من خطبه و كلمه في التنزيه و نفي الشبيه، و من أراد الإسهاب في ذلك و الوقوف علي مكافحة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لعقيدة التشبيه و التكييف و التجسيم، فعليه مراجعة الأحاديث المروية عنهم في الجوامع الحديثية.[16].[17]