منذ سنتين

هل جمهور المحدثين من الشيعة يعتقدون بالتحريف في القرآن؟

يقولون إن القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزل الله علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم، بل غير وبدل وزيد فيه ونقص منه. وجمهور المحدثين من الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن كما ذكر ذلك النوري الطبرسي في كتابه ( فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب). وقال محمد بن يعقوب الكليني في (أصول الكافي) تحت باب ( أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة) : (( عن جابر قال : سمعت أبا جعفر يقول: ما أدعي أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب و الأئمة من بعده)). وذكر أحمد الطبرسي في ( الاحتجاج ) و الملا حسن في تفسيره (الصافي) (( أن عمر قال لزيد بن ثابت : إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضائح وهتك المهاجرين و الأنصار. وقد أجابه زيد إلي ذلك، ثم قال : فإن أنا فرغت من القرآن علي ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أ ليس قد أبطل كل ما عملتم؟ فقال عمر : ما الحيلة؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر : ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله علي يد خالد بن الوليد فلم يقدر ذلك. فلما استخلف عمر سألوا علياً - رضي الله عنه - أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال عمر : يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلي أبي بكر حتي نجتمع عليه؟ فقال: هيهات، ليس إلي ذلك سبيل، إنما جئت به إلي أبي بكر لتقوم الحجة عليه و لا تقولوا يوم القيامة (إنا كنا عن هذا غافلين). أو تقولوا : (ما جئتنا). إن هذا القرآن لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر : فهل وقت لإظهار معلوم؟ فقال علي : نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه )). كيف يكون هذا، ارجو التفصيل في هذا الكلام لاني راجعت هذه الكتب ووجدتها صحيحة، كيف يمكن هذا؟


ان دراسة العقائد و الآراء لابدّ ان تسير ضمن منهج موضوعي و ان تكون معتمدة علي اسس علمية دقيقة، فعلي سبيل المثال ان اعتماد المنهج الروائي اعني وجود رواية او روايات في بعض المجامع الحديثية لا يمكن اعتماده كمنهج لنسبة مضمون الرواية الي مؤلف الكتاب الذي وردت فيه الرواية، و من هذا القبيل مسألة تحريف القرآن، ففي الوقت الذي توجد فيه روايات في المجامع الحديثية الشيعية، نجد ذلك أيضا في المجامع الحديثية السنية و بدرجة اكثر اعتباراً، و علي هذا الاساس اننا لو انتهجنا نفس المنهج لذهبنا الي ان اخواننا من اهل السنة يقولون بتحريف القرآن. الاّ اننا نعتبر هذا المنهج منهجاً خاطئاً و لا يمكن اعتماده، و نحن هنا نذكر لك رأي اكابر علماء الشيعة في مسألة تحريف القرآن.ثم نذكر رأيهم في الروايات الواردة. ثم بعد ذلك نذكر بعض النماذج الدالة علي النقص و التحريف في المصادر السنية: الشيعة و إتهامهم بالقول بتحريف القرآن. إنّ القرآن الكريم أحد الثقلين الذين تركهما النبي الأكرم صلي اللّه عليه و آله و سلم بين الأمة الإسلامية و حث علي التمسك بهما، و أنّهما لا يفترقان حتي يردا عليه الحوض، و قد كتب سبحانه علي نفسه حفظه و صيانته و قال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُون‏ )[1] و قال صلي اللّه عليه و آله و سلم: « إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفع، و ماحل مصدّق، من جعله أمامه قاده الي الجنة و من جعله خلفه ساقه إلي النار »[2] و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: « إنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش و الهادي الذي لا يفصل »[3] و قال عليه السلام: « ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، و سراجا لا يخبو توقده، و منهاجا لا يضل نهجه... و فرقانا لا يخمد برهانه »[4] بل إنّ أئمة الشيعة جعلوا موافقة القرآن و مخالفته ميزانا لتمييز الحديث الصحيح من الباطل، قال الصادق عليه السلام: « ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف »[5] و مع ذلك كله أتّهمت الشيعة ـ إغتراراً ببعض الروايات في جوامعهم الحديثية ـ بالقول بتحريف القرآن و نقصانه، غير أنّ أقطاب الشيعة و أكابرهم رفضوا تلك الأحاديث كما رفضوا الأحاديث التي رواها أهل السنة في مجال تحريف القرآن، و صرّحوا بصيانة القرآن عن كل نقصان و زيادة و تحريف، و نحن نكتفي فيما يلي بذكر بعض النصوص لأعلام الإمامية، الواردة في هذاالمجال : 1ـ قال الصدوق(م 381): «إعتقادنا في القرآن الذي أنزله اللّه تعالي علي نبيّه هو ما بين الدفتين، و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، و من نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب»[6] 2ـ و قال الشيخ المفيد (م 413): «قد قال جماعة من أهل الإمامية إنه لم ينقص من كلمة و لا من آية و لا من سورة، و لكن حذف ما كان ثبتاً في مصحف أمير المؤمنين من تأويله و تفسير معانيه علي حقيقة تنزيله و ذلك ثابتاً منزلاً و إن لم يكن من جملة كلام اللّه الذي هو المعجز، و قد يسمي تأويل القرآن قرآناً. قال تعالي: ( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضي‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْني‏ عِلْما ) [7] فسمّي تأويل القرآن قرآنا. و عندي أنّ هذا القول أشبه بمقال من أدّعي نقصان كلم من نفس القرآن علي الحقيقة دون التأويل، و إليه أميل، و اللّه أسأل توفيقه للصواب، و أما الزيادة فمقطوع علي فسادها»[8] 3ـ و قال الشيخ الطوسي (م 460): أمّا الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به أيضا، لأن الزيادة فيه مجمع علي بطلانها، و أما النقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، و هو الأليق بالصحيح من مذهبنا، و هو الذي نصره المرتضي، و هو الظاهر في الروايات ... إلي أن قال: و رواياتنا متناصرة بالحث علي قراءته و التمسك بما فيه وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه، و عرضها عليه فما وافقه عمل به، و ما خالفه تُجنّب و لم يُلتفت إليه»[9] 4ـ قال الطبرسي مؤلف مجمع البيان (م 548): «فأما الزيادة فمجمع علي بطلانها، و أما النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية أهل السنة أنّ في القرآن نقصانا،ً و الصحيح من مذهبنا خلافه و هو الذي نصره المرتضي قدس اللّه روحه، و استوفي الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات، و ذكر في مواضع أنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان و الحوادث العظام و الكتب المشهورة و أشعار العرب فإن العناية اشتدت و الدواعي توفرت علي نقله و حراسته و بلغت إلي حد لم تبلغه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوّة و مأخذ العلوم الشرعية و الأحكام الدينية، و علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه و حمايته الغاية، حق عرفوا كل شي‏ء اختلف فيه من إعرابه و قراءته و حروفه و آياته، فكيف يجوز أنّ يكون مغيرا و منقوصا مع العناية الصادقة و الضبط الشديد.[10] هؤلاء هم أعلام الشيعة في القرون السابقة من ثالثها إلي سادسها، و يكفي ذلك في إثبات أن نسبة التحريف إلي الشيعة ظلم و عدوان. و أما المتأخرون فحدث عنه و لا حرج فهم بين مصرّح بصيانة القرآن عن التحريف إلي باسط القول في هذا المجال، إلي، مؤلف أفرده بالتأليف. و نختم المقالة بكلمة قيمة للأستاذ الأكبر الأمام الخميني قال: «إنّ الواقف علي عناية المسلمين بجمع الكتاب و حفظه و ضبطه، قراءةً و كتابةً، يقف علي بطلان تلك المزعمة (التحريف) و أنه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة ،و ما ورد فيه من الأخبار، بين ضعيف لا يستدل به، إلي مجمل تلوح منه أمارات الجعل إلي غريب يقضي منه العجب، إلي صحيح، يدل علي أن مضمونه تأويل الكتاب و تفسيره، إلي غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها الي تأليفات كتاب حافل و لولا خوف الخروج عن طور البحث لأوضحنا لك أن مضمونه تأويل الكتاب و تفسيره، إلي غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها الي تأليف كتاب هو عين ما بين الدفتين و أنّ الاختلاف في القراءة ليس إلاّ أمراً حديثاً لاصلة له لما نزل به الروح الأمين علي قلب سيد المرسلين»[11] تحريف القرآن في روايات الفريقين‏ روي الفريقان روايات في تحريف القرآن، و قد قام أخيرا أحد المصريين بتأليف كتابا اسماه «الفرقان» ملأه بكثير من هذه الروايات كما أنّ المحدث النوري ألف كتابا باسم «فصل الخطاب» أودع فيه روايات التحريف، و ليس هذا و ذاك أوّل من نقل روايات التحريف، بل هي مبثوثة في كتب التفسير و الحديث و هذا هو القرطبي يقول في تفسير سورة الأحزاب: أخرج أبو عبيد في الفضائل، و ابن مردويه، و ابن الأنباري عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي ماءتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ علي ما هو الآن‏.[12] و هذا هو البخاري، يروي عن عمر قوله: «لولا أن يقول الناس إنّ عمر زاد في كتاب اللّه، لكتبت آية الرجم بيدي»[13] و غير ذلك من الروايات التي نقل قسما منها السيوطي في الإتقان‏.[14] و مع ذلك فنحن نجلّ علماء السنّة و محققيهم عن نسبة التحريف إليهم، و لا يصح الإستدلال بالرواية علي العقيدة، و نقول مثل هذا في حق الشيعه، و قد تعرفت علي كلمات الأعاظم منهم في العصور المتقدمة، و عرفت أنّ الشيخ المفيد يحمل هذه الروايات علي أنّها تفسير للقرآن، و أنّ ما يدلّ علي التحريف بالدلالة المطابقية يضرب به عرض الجدار. إنّ المحقق الاستاذ الشيخ جواد البلاغي فقد درس الروايات، فخرج بهذه النتيجة و هي أنّ القسم الوافر منها ترجع أسانيده إلي بضعة أشخاص وصفوا في علم الرجال بالصفات التالية: 1ـ ضعيف القول، فاسد المذهب، مجفو الرواية. 2ـ مضطرب الحديث و المذهب، يعرف حديثه و ينكر، و يروي عن الضعفاء. 3ـ كذاب متهم، لا تستحل رواية حديث واحد من أحاديثه. 4ـ غال كذّاب. 5ـ ضعيف لا يلتفت إليه و لا يعوّل عليه و من الكذابين. 6ـ فاسد الرواية يرمي بالغلو.  و من المعلوم أنّ رواية هؤلاء لا تجدي شيئا و إن كثرت و عالت، و أمّا المراسيل فهي مأخوذة من تلك المسانيد. هذا بعض القول في تنزيه الشيعة بل المسلمين عامة عن وصمة التحريف و من أراد التفصيل فليرجع الي الرسائل المؤلفة في هذا الموضوع‏.[15]. [16] جملة من الآيات و السور التي وقع فيها التحريف عند أهل السنة: 1ـ آية الرضا: «بلغوا قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا و رضينا عنه»[17]، و هذه الآية ليس لها وجود في القرآن فهي ساقطة منه. 2ـ آية الرغبة: «أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم»[18]، و هذه الآية لا وجود لها في القرآن. 3ـ آية الرجم: «الشيخ و الشيخة إذا زينا فارجموهما البتة»[19]، و هي ساقطة من القرآن عند أهل السنة. 4ـ آية الرضاع : عن عائشة أنها قالت: «كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول اللّه (ص) و هن فيما يقرأ من القرآن»[20] 5ـ سورة الفلق و سورة الناس: قال السيوطي: «أخرج أحمد و البزار و الطبراني و ابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس و ابن مسعود أنه أي ابن مسعود ـ كان يحك المعوذتين من المصحف و يقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب اللّه...»[21] 6ـ سورة الأحزاب: عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال: «كم تقرأون سورة الأحزاب، قال: بضعا و سبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول اللّه (ص) مثل البقرة أو أكثر منها...»[22] 7ـ سورة التوبة أو براءة: عن سعيد بن جبير قال: «قلت لابن عباس: سورة التوبة قال: بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل و منهم و منهم حتي ظننا ألا يبقي منّا أحد إلاّ ذكر فيها. ..»[23] و عن حذيفة قال: «التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب، و اللّه ما تركت أحدا إلاّ نالت منه، ولا تقرأون مما كنا نقرأ إلاّ ربعها»[24] 8ـ سورة شبيهة بإحدي المسبحات: جاء فيها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيمة[25] و لا وجود لها في القرآن‏[26]