logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

موسي (ع) وجر رأس أخيه هارون

الآية رقم (94،83) سوره طه: تتحدث عن قصه نبي الله موسي (ع) و تذكر بعد رجوعه من المنجاة أنه رمي الألواح و تصف حاله الغضب والأسف الذي كان عليه. و أنه اخذ برأس أخيه يجره اليه، حتي طلب منه هارون أن لايأخذ برأسه و لا بلحيته بعد ان وبخه.... كيف يصدر فعل كهذا من نبي الي نبي آخر و هو أخوه و أكبر منه سناً؟


 لا شك ان الانبياء معصومون من الخطأ في جميع الاحوال و ما يبدو لأول وهلة خطأ منهم فان بالتدبر و الامعان يزول هذا التوهم و تظهر الحقيقة جلية، و من تلك الافعال هو ما قام به موسي(ع) فهنا يطرح السؤالان التاليان‏: 1ـ لماذا ألقي الألواح؟ 2ـ لماذا ناقش أخاه و قد قام بوظيفته؟ و إليك تحليل السؤالين بعد بيان مقدمة و هي: إن موسي قد خلف هارون عندما ذهب الي الميقات، و قد حكاه سبحانه بقوله (وَ قالَ مُوسي‏ لِأَخيهِ هارُونَ اخْلُفْني‏ في‏ قَوْمي‏ وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبيلَ الْمُفْسِدينَ ) [1] و قام هارون بوظيفته في قومه، فعند ما أضلهم السامري ناظرهم بقوله: (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُوني‏ وَ أَطيعُوا أَمْري‏) [2] و اكتفي في ذلك بالبيان و اللوم و لم يقم في وجههم بالضرب والتأديب و قد بينه لأخيه بقوله: (إِنِّي خَشيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَني‏ إِسْرائيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلي‏) .[3] هذا ما يخص هارون، و أما ما يرجع الي موسي، فقد أخبره سبحانه عن إضلال السامري قومه بقوله : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) [4]، و رجع إلي قومه غضبان أسفاً و خاطبهم بقوله: (ً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُوني‏ مِنْ بَعْدي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُم‏) [5]، و قال أيضاً: (أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْد) [6] ، و في هذا الظرف العصيب أظهر كليم الله غضبه بانجاز عملين: 1ـ إلقاء الألواح جانباً. 2ـ مناقشة أخاه بقوله: (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْري‏) .[7] فعند ذلك يطرح السؤالان نفسهما: لماذا ألقي الألواح أولا؟ و لماذا ناقش أخاه و ناظره و قد قام بوظيفته ثانياً؟.  فنقول : لا شك أن ما اقترفه بنو إسرائيل من عبادة العجل كان من أقبح الأعمال و أفظعها، كيف؟! و قد أهلك الله عدوهم و أورثهم أرضهم، فكان المترقب منهم هو الثبات علي طريق التوحيد و مكافحة ألوان الشرك ـ و مع الأسف ـ فإنهم كفروا بعظيم النعمة و تركوا عبادته سبحانه، و انخرطوا في سلك الثنوية مع الجهل بقبح عملهم و فظاعة فعلهم. إن أمة الكليم و إن كانت غافلة عن مدي قبح عملهم، لكن سيدهم و رسولهم كان واقفاً علي خطورة الموقف و تعدي الأمة، فاستشعر بأنه لو لم يكافحهم بالعنف و الشدة و لم يقم في وجههم بالاستنكار مع إبراز التأسف و الغضب، فربما تمادي القوم في غيهم و ضلالهم و حسبوا أنهم لم يقترفوا إلا ذنبا خفياً أو مخالفة صغيرة و لم يعلموا أنهم حتي و لو رجعوا إلي الطريق المهيع، و اتبعوا جادة التوحيد ربما بقيت رواسب الشرك في أغوار أذهانهم، فلأجل إيقافهم علي فظاعة العمل، قام في مجال الإصلاح مثل المدير الذي يواجه الفساد فجأة في ادارته و لا يعلم من أين يتسرب إليها. فأول ما يبادر إليه هو مواجهة القائم مقامه الذي خلفه في مكانه، و أدلي إليه مفاتيح الأمور، فإذا ثبتت براءته و نزاهته و أنه قام بوظيفته خير قيام حسب تشخيصه و مدي طاقته، تركه حتي يقف علي جذور الأمر و الأسباب الواقعية التي أدت إلي الفساد و الانهيار. و هكذا قام الكليم بمعالجة القضية، و عالج الواقعة المدهشة التي لو بقيت علي حالها، لانتهت إلي تسرب الشرك إلي عامة بني إسرائيل و ذهب جهده طوال السنين سدي، فأول رد فعل أبداه، أنه واجه أخاه القائم مقامه في غيبته، بالشدة و العنف حتي يقف الباقون علي خطورة الموقف، فأخذ بلحيته و رأسه مهيمناً عليه متسائلاً بأنه لماذا تسرب الشرك إلي قومه مع كونه فيهم؟ ! و لما تبينت براءته و أنه أدي وظيفته كما يحكيه عنه سبحانه بقوله (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني‏ وَ كادُوا يَقْتُلُونَني‏ فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْني‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمين‏) [8]، اندفع اليه بعطف و حنان و دعا له فقال (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لي‏ وَ لِأَخي‏ وَ أَدْخِلْنا في‏ رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمين‏) [9] إن طلب المغفرة لنفسه و أخيه لا يدل علي صدور أي خلاف منهما، فأن الانبياء و الأولياء لاستشعارهم بخطورة الموقف و عظمة المسؤولية، ما زالوا يطلبون غفران الله و رحمته لعلو درجاتهم كما هو واضح لمن تتبع أحوالهم‏. و بعدما تبين ان السبب الواقعي لتسرب الشرك إلي قومه هو السامري و تبعه السفلة و العوام، أخذ بتنبيههم بقوارع الخطاب و عواصف الكلام بما هو مذكور في سورتي الاعراف وطه نكتفي ببعضها حيث خاطب عبدة العجل بقوله: (إِنَّ الَّذينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرين‏) [10] و لما واجه السامري خاطبه بقوله: (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِي‏ * قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لي‏ نَفْسي‏* قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَ انْظُرْ إِلي‏ إِلهِكَ الَّذي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفا * إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً ) [11]و بما ذكرنا يعلم أنه لماذا ألقي الألواح و تركها جانباً؟ فلم يكن ذاك العمل إلا كرد فعل علي عملهم القبيح و فعلهم الفظيع إلي حد استولي الغضب علي موسي فألقي الألواح التي ظل أربعين يوما في الميقات لتلقيها حتي يحاسب القوم حسابهم و يقفوا علي أنهم أتوا بأعظم الجرائم و اكبر المعاصي [12]

3