ان مثل هؤلاء الافراد لو توفرت لهم وسائل معرفة الدين الحق و كان بمقدورهم الوصول الي ذلك و قد قصروا في استعمال تلك الوسيلة التي توفرت لهم في اتباع الحق والعمل به، فمثل هؤلاء لا يكونون معذورين و يحاسبون يوم القيامة باعتبارهم مقصرين.
و اما اذا لم تتوفر لهم الوسيلة في معرفة الحق، أوسعوا ـ حسب قدرتهم ـ لمعرفة الحق و لكن امكاناتهم اوصلتهم الي المقدار الذي هم عليه من المعرفة فان مثل هؤلاء الناس يكونون معذورين امام الله تعالي، بمعني ان الله تعالي لا يحاسبهم علي عدم معرفتهم للدين الحقيقي او المذهب الواقعي.
و لكن هذه الطائفة من الناس مكلفة بالعمل وفق ما أوصلهم اليه الدليل العقلي مثلا، كمعرفة الله تعالي أو معرفة حسن العدل و قبح الظلم و الفساد و الانحراف الاخلاقي فان هؤلاء يجب عليهم العمل طبق معلوماتهم العقلية و قد يطلق علي هؤلاء الافراد مصطلح (المستضعفون) [1]و ان للمفسرين بحوثا قيمة في هذا المجال و قد عقد الشهيد المطهري بحثا قيما في هذا المجال في كتابه العدل الألهي، أورد فيه الآيات و الروايات التي تدل علي المطلوب، حيث قال رحمه الله:
القاصرون و المستضعفون: لعلماء الاسلام اصطلاح معروف، فهم يقولون بعض الناس «مستضعفون» أو «مرجون لأمر الله» اي ان امرهم يعود الي الله، و الله يتصرف معهم كما تقتضي حكمته و تشاء رحمته.
و كلا هذين المصطلحين مقتبسان من القرآن الكريم:
و جاء في سورة النساء الايات: 97، 98، 99:
« إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصيرا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطيعُونَ حيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبيلا* فَأُولئِكَ عَسَي اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً »
ففي الآية الاولي يجري السؤال و الجواب بين الملائكة و بعض الناس بعد الموت و تكون النتيجة ان هؤلاء مقصرون و مستحقون للعذاب.
و تذكر الآية الثانية المستضعفين حقا. اما الآية الثالثة فهي تمنح الامل و الرجاء لهؤلاء المستضعفين في عفو الله و غفرانه.
و يعقب العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان علي هذه الآية بقوله:
«ان الله سبحانه يعد الجهل بالدين و كل ممنوعية عن اقامة شعائر الدين ظلما لا يناله العفو الالهي ثم يستثني من ذلك المستضعفين و يقبل منهم معذرتهم بالاستضعاف ثم يعرفهم بما يعمهم و غيرهم من الوصف و هو عدم تمكنهم مما يدفعون به المحذور عن أنفسهم و هذا المعني كما يتحقق في من احيط به في الارض لا سبيل فيها الي تلقي معارف الدين لعدم وجود عالم بها خبير بتفاصيلها أو لا سبيل الي العمل بتلك المعارف للتشديد فيه بما لا يطاق من العذاب مع عدم الاستطاعة من الخروج و الهجرة الي دار الاسلام و الالتحاق بالمسلمين لضعف في الفكر او لمرض او نقص في البدن أو لفقر مالي و نحو ذلك، كذلك يتحقق في من لم ينتقل ذهنه الي حق ثابت في المعارف الدينية و لم يهتد فكره اليه مع كونه ممن لا يعاند الحق و لا يستكبر عنه اصلا، بل لو ظهر عنده حق اتبعه لكن خفي عنه الحق لشيء من العوامل المختلفة الموجبة لذلك.[2]
و وردت روايات متضافرة تعتبر الناس القاصرين لعلل مختلفة من جملة المستضعفين.[3]