كيفية الحياة البرزخية
عندما يأتي أجل الانسان ويتوفي، بمعني ينقطع التنفس ويبرد الجسد وبعدها يفقد البصر ومن ثم السمع؟ يا تري ماذا يعني بـ : * ضغطة القبر وهل الغريق تحدث له هذه الحالة؟ وهل هي حالة عامة؟ وماالعبرة منها؟ *نسمع ان الميت يحس ويسمع زائريه؟كيف يكون ذلك وقد وري التراب بعمق يتجاوز 5/1 متر؟ * نسمع أن الروح تبقي والجسد يتحلل، كيف تبقي الروح وبأي صفة؟ ماذا يؤكد ذلك؟ *حياة البرزخ ،كيف تكون الروح سعيدة ( اذا كانت الاعمال صالحة) والجسد قد تحلل؟ وايضا كيف تكون الروح تتعذب(اذا كانت الاعمال غير صالحة) والجسد قد تحلل؟ ما هي نوع السعادة هذه والعذاب؟ * هناك قصص كثيرة تذكر ان أحياءا قد دفنوا ومن ثم خرجوا، ياتري هذا الكم الهائل من التراب قد انهال عليه في القبر، ذو الحفرة العميقة كيف يتمكن من الخروج و وسائل التنفس مفقودة؟
قبل الاجابة عن هذه التساؤلات لابّد من الاشارة الي نقطة مهمة و هي ان هذا الموضوع هو من الامور الغيبية الغير خاضعة لمنهج الحس و التجربة و الدليل عليها هو النصوص الشرعية فقط كالآيات و الروايات. نعم العقل يحكم باصل المعاد و اما كيفية المعاد او كيفية العذاب او كيفية الحياة البرزخية فهذه امور خارجة عن دائرة العقل بمعني انها فوق العقل وليس بامكانه البت فيها. و لذلك سوف نعرض لكم مجموعة من الآيات و الروايات التي تشير الي ذلك و تبينه بصورة واضحة. فاننا اذا نظرنا الي الآيات القرآنية نراها تشير الي حقيقة هامة هي ان الانسان بروحه لا بجسده، فان الجسد ثوب متغيّر و الشيء الثابت هو الروح التي هي حقيقة الانسان. و هي التي تعذب او تنعم ففي الحياة البرزخية تلبس هذه الروح ثوباً يناسب هذه الحياة و في القيامة ترتدي ثوبها المادي بحيث لو بعث الانسان يقال له، هذا فلان الذي كان في الدنيا و من هذه الآيات. قال سبحانه: 1ـ (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلي رَبِّكُمْ تُرْجَعُون) [1] . الآية ترد علي ادعاء المشركين القائلين بانّ الموت بطلان الشخصية و انعدامها و انها منوطة بجسده المادي، بانّ شخصيته قائمة بشيء آخر لا يضل و لا يبطل، بل يؤخذ عن طريق ملك الموت الي ان يحشره الله يوم القيامة. 2ـ (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة* ارْجِعي إِلي رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّة* فَادْخُلي في عِبادي* وَ ادْخُلي جَنَّتي) [2] فالآية لم تخاطب جسد الانسان و اعضاءه كما تري بل واقعه و حقيقته التي يعبّر عنها الذكر الحكيم بالنفس و هي الروح الباقية غير المادية و لا المحسوسة و الجسم المادي ليس الا كسوة عليه و قشرة. فاذا بموت الانسان ينفصل روحه عن جسمه و لكن هذا الروح يري و يسمع و يشم و يتكلم و لكن نحن لا نسمع كلامه كما قال تعالي:( وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون* فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنين) [3] . و بهذا البيان يتضح جواب اكثر الاسئلة لانها تنشأ من توهم مادّية الانسان، بينما ان الذي يسمع و يسأل و يضغط في القبر هو الروح و البدن البرزخي و هو باق بعد الموت و انقطاع التنفس، وهو الذي يحس و يسمع زائريه. اما بالنسبة الي ضغطة القبر و هل الغريق له هذه الحالة نقول: ان المراد من القبر الذي ورد في الروايات " اما ان يكون حفرة من حفر النيران او روضة من رياض الجنة "، ليس هذه الحفرة التي تحفر في الارض بل كما ورد في الروايات ان المراد منها هو محل الروح والتوفي في عالم البرزخ و ليس المقصود من ضغط القبر حركة الجدر الترابية و الضغط علي هذه الجسد المادي بل المقصود هو الضغط الشديد غير المادي الذي يضغط علي الروح و الجسد البرزخي و يعذبه شديداً و هذا القبر و الضغط يعم الغرقي ايضاً. و هذا الضغط هو نتيجة اعمال الانسان و مكتسباته و اما اذا كان الانسان مؤمناً باراً فقبره، روضة من رياض الجنة. اما بالنسبة الي حياة البرزخ و السعادة و الشقاوة فيها فهو ايضاً سعادة و شقاوة غير مادية و لا اشكال فيه اذا تصورنا بقاء الروح للانسان في عالم البرزخ و لا نظن أن مسلماً ملمّاً بالقرآن و السنّة ينكر الحياة البرزخية و ان للانسان بعد موته و قبل بعثه، حياة متوسطة بين الدنيا و الآخرة و هو فيها بين مرتاح و منعّم و متعب و معذب. و تدل علي وجود الصلة بين الحياتين مجموعة من الآيات و قسم وافر من الروايات نأتي في المقام ببعضها: ـ النبيّ صالح يكلّم قومه بعد هلاكهم: أخبر اللّه تعالي في القرآن الكريم عن النبيّ صالح عليه السلام أنّه دعا قومه إلي عبادة الله و ترك التعرض لمعجزته (الناقة) و عدم مسّها بسوء و لكنهم عقروا الناقة و عتوا عن أمر ربّهم: ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمينَ * فَتَوَلَّي عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحين) [4] تري ان الله تعالي يخبر علي وجه القطع و البتّ بأن الرجفة أهلكت أمة صالح(ع) فأصبحوا في دارهم جاثمين، و بعد ذلك يخبر أن النبي صالحاً تولي عنهم ثم خاطبهم قائلاً ( لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحين ) و الخطاب صدر من صالح لقومه بعد هلاكهم و موتهم بشهادة جملة (فتولي) المصدرة بالفاء المشعرة بصدور الخطاب عقيب هلاك القوم. ثم إنّ ظاهر قوله ( وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحين ) يبين وبوضوح ان الخطاب لقومه من بعد هلاكهم ايضا. 2ـ النبي شعيب يخاطب قومه الهالكين: لم تكن قصة النبيّ صالح هي القصة الوحيدة من نوعها في القرآن الكريم، فقد تبعه في ذلك شعيب إذ خاطب قومه بعد أن عمّهم الهلاك قال سبحانه: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمين* الَّذينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فيهَا الَّذينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرين* فَتَوَلَّي عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسي عَلي قَوْمٍ كافِرين) [5] و هكذا يخاطب شعيب قومه بعد هلاكهم و يكون صدور هذا الخطاب بعد هلاكهم بالرجفة، فلو كان الاتصال غير ممكن، و غير حاصل، و لم يكن الهالكون بسبب الرجفة سامعين لخطاب صالح و شعيب، فما معني خطابهما لهم؟ أيصح أن يفسّر ذلك الخطاب بأنه خطاب تحسّر و إظهار تأسّف؟ كلا، إنّ هذا النوع من التفسير علي خلاف الظاهر، و هو غير صحيح حسب الأصول التفسيرية، و إلا لتلاعب الظالمون بظواهر الآيات و أصبح القرآن الكريم لعبة بيد المغرضين، يفسرونه حسب أهوائهم و أمزجتهم. علي أنّ مخاطبة الأرواح المقدسة ليست أمراً ممتنعاً في العقل حتي تكون قرينه عليه 3ـ السلام علي الأنبياء: إنّ القرآن الكريم يسلّم علي الانبياء في مواضع متعدّدة و يقول: 1ـ (سَلامٌ عَلي نُوحٍ فِي الْعالَمينَ ). [6] 2ـ (سَلامٌ عَلي إِبْراهيمَ ) .[7] 3ـ (سَلامٌ عَلي مُوسي وَ هارُون) .[8] 4ـ (سلام علي إل ياسين) .[9] 5ـ (و سَلامٌ عَلَي الْمُرْسَلين) .[10] و لا شك أن ما ورد فيها ليس سلاماً سطحياً أجوف، بل هو سلام حقيقي و تحيّة جديدة يوجّها القرآن إلي انبياء الله و رسله. السنة الشريفة و الصلة بين الحياتين: ما تلوناه عليك كان مجموعة من الآيات الدالة علي وجود الصلة بين الحياتين، و أن قسماً من الأنبياء تكلّموا مع البرزخيين. و اما السنة الشريفة، فهناك روايات وافرة دالة علي ما نتوخاه، نأتي بقسم منها: 1ـ النبي الأكرم(ص) يكلم أهل القليب: لقد انتهت معركة بدر بانتصار عظيم في جانب المسلمين و هزيمة نكراء في جانب المشركين. فقد غادر المشركون ساحة القتال هاربين صوب مكة مخلفين وراءهم سبعين قتيلاً من صناديدهم و ساداتهم، و وقف النبي يخاطب القتلي واحداً واحداً و يقول: «يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، و يا شيبة بن ربيعة، و يا أمية بن خلف و يا أبا جهل (و هكذا عدّد من كان منهم في القليب) هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا» فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أتنادي قوماً موتي؟ فقال(ص) :«ما أنتم بأسمع لما أقول منهم و لكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني» و كتب ابن هشام يقول: إن رسول الله(ص) اضاف بعد هذه المقالة و قال: «يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذّبتموني و صدّقني الناس و أخرجتموني و آواني الناس ، و قاتلتموني و نصرني الناس» ثم قال: «هل وجدتم ما وعدكم ربّي حقّا» [11] ولمزيد الاطلاع علي الحياة الرزخية و صفاتها وابعادها [12]