منذ سنتين

خاتمية الاسلام للديانات السماوية

لماذا جاء الاسلام خاتما للديانات السماوية؟ بمعني آخر لم يات الاسلام مباشرة من غير ان تاتي قبله مقدمات كالمسيحية واليهودية وغيرها من الديانات؟


إن الشريعة الحقة الالّهية التي انزلها الله تعالي الي اوّل سفرائه لا تفترق جوهراً عما أنزله علي آخرهم بل كانت الشريعة السماوية في بدء أمرها كنواة قابلة للنمّو و النشوء، فأخذت تنمو و تتكامل عبر القرون و الأجيال، حسب تطور الزمان و تكامل الامم، و تسرب الحصافة الي عقولهم، و تسلل الحضارة الي حياتهم و يفصح عما ذكرنا قوله سبحانه (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّي بِهِ نُوحاً وَ الَّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهيمَ وَ مُوسي‏ وَ عيسي‏ أَنْ أَقيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فيهِ كَبُرَ عَلَي الْمُشْرِكينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبي‏ إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدي إِلَيْهِ مَنْ يُنيب‏) [1] فقد وصي الله تعالي نبينا محمداً بما وصي به نوحاً من التوحيد و الدعوة الي مكارم الاخلاق و ... و تتجّلي هذه الحقيقة الناصعة اي وحدة الشرائع السماويّة جوهراً من مختلف الآيات في شتّي المواضع قال سبحانه ( اإِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ) [2]، و ظاهر الآية يعطي ان الدين عند الله هو الاسلام في طول القرون و الاجيال و يعاضدها قوله تعالي: ( وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه‏) [3] فحقيقة الشرائع السماوية في جميع الادوار و الاجيال كانت أمراً واحداً، و هو التسليم للّه في فرائضه و عزائمه وحده، و علي هذا فرسالة السماء الي الارض رسالة واحدة في الحقيقة مقولة بالتشكيك، متكاملة عبر القرون جاءت بها الرسل طوال الاجيال و كلهم يحملون الي المجتمع البشري رسالة واحدة لتصعد بهم الي مدارج الكمال و تهديهم الي معالم الهداية و مكارم الاخلاق. نعم كان البشر في اوليات حياتهم يعيشون في غاية البساطة و السذاجة فما كانت لهم دولة تسوسهم و لا مجتمع يخدمهم و لا ذرائع تربطهم و كانت اواصر الوحدة و وشائج الارتباط بينهم ضعيفة جداً فلاجل ذاك القصور في العقل و قلة التقدم و ضعف الرقي، كانت تعاليم انبيائهم و الاحكام المشروعة لهم طفيفة في غاية البساطة فلما اخذت الانسانية بالتقّدم و الرقي و كثرت المسائل يوماً فيوماً اتسع نطاق الشريعة و اكتملت الاحكام. اذا عرفنا ذلك و عرفنا ان البشرية في تطور مستمر و عرفنا ان اللّه تعالي بعث الانبياء لتكميل البشرّية بصورة تدريجّية في عوالم النفس ذلك لاّن الانسان انسان بنفسه و روحه لابعظامه و عضلاته. فاللّه تبارك و تعالي انما سخر لهذا الانسان ما سخر و هيّأ له أسباب التعرف الي بعض ما أودع في هذا الكون من خواص و قوانين لكي يتكامل نفسياً فتتحقق انسانيته و لكي يتطهر مما علق به من رجس و دنس. و بما أن الوصول الي هذه الغاية العظمي التي هي غاية الغايات غير حاصل الاّ علي أيدي الأنبياء الطاهرين و بما جاؤوا به من سنن تكامل النفس من جانب الله تعالي، لذلك أرسل الله عدداً كبيراً من الرسل يهدون البشر سواء السبيل. و لا مراء أن الله أعرف بطرق تكامل النفس من هذا البشر الملوث، لأنه هو خالق النفس و مبدعها. فلا تفيد متابعة رأي الفيلسوف أو علماء النفس في سير الانسان التكاملي لأنّه بشر غير سماوي، و لأنه يحمل من نفس الفيلسوف غير المتكامل ما يناسب نفسيته و هو غير ما أمر الله به علي لسان أنبيائه(ع). فلا تكامل و لا نجاة الاّ باتّباع سنن الأنبياء(ع) و دساتيرهم تلك التي لم تمسّها يد التحريف. كان نبيّنا محمد بن عبد الله صلي الله عليه و آله و سلم خاتم النبييّن و أكملهم خلقا و خلقا ، جاء بشريعة سمحاء ، لا تتغير و لا تتبدل، من لدن رب العالمين، « حلال محمد حلال الي يوم القيامة و حرام محمد حرام الي يوم القيامة -[4] باب البدع و الرأي و المقاييس، و قد هدي البشرية الي طريق الحق و الي طراط مستقيم بتعاليمه و أعماله. و قد قال الله تعالي فيه (لَقَدْ كانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة )[5] فاذاً البشريّة تحتاج في كل وقت الي شخصية تناسب العصر الذي تعيشه، و شخصية الرسول(ص) تنسجم مع التطور الذي وصلت اليه البشرية فالرسول الأكرم ينبغي ان يبعث الي امة تستطيع ان تهضم مفاهيمه و تدرك افكاره السامية. اضف الي ذلك ان العمر الطويل للبشرية يحتاج الي تتكرر حالة الارتباط بالسماء من خلال الرسل و لهذا نجد ان عدد الأنبياء و الرسل في بعض الروايات [6]و هذا الكّم الهائل هو الاستجابة الطبيعية لحاجة البشرية و ليس من المعقول حصر ذلك الكّم الهائل في نبي واحد لاّن الانبياء السابقين كانت مهمتهم تهيئة البشرية لتصل الي مرحلة تكون فيها جديرة للعمل وفق شريعة الرسول الاكرم(ص) فالقرآن الكريم بهذه المفاهيم السامية و الافكار العالية من المستبعد بل من المستحيل ان تهضمه البشرية في أيامها الأولي و هي تعيش تلك الحالة من التخلف العلمي و التطّور الاجتماعي. اذاً خاتمية الرسول(ص) و عدم كون شريعته هي اول الشرائع امرٌ اقتضته ضرورة التكامل الانساني و اللّه تعالي هو اعرف بحاجات البشر و طرق تكامله و ما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل حياة البشرية[7]