logo-img
السیاسات و الشروط
منذ 3 سنوات

معني "الله موجود في كل مكان"

ما المقصود بعبارة " الله موجود في كل مكان " وهل هو موجود بذاته في كل مكان؟ أم هذا تعبير مجازي عن احاطته بكل مكان؟ وعبارة " كل مكان " تشمل مادة الأشياء, مثل وجوده في اي شيء مصنوع علي سبيل المثال في الأبواب والسقوف وفي الجدران؟ او الاشياء الطبيعية مثل الجبال والانهار والاشجار؟ خصوصا ان الاشياء المصنوعة مستحدثة ؟ واذا قلنا بانه غير موجود بهذه الاشياء بل محيط بها فهل هذا القول يحدد جلالته؟ باعتبار انه موجود خارج حدود الكون ولكنه محيط به؟ وما هو حكم وجوده في الكائنات الحية؟ واذا سلمنا بانه موجود في الاشياء لا بمداخلة ولا بممازجة فكيف هو موجود في الاشياء النجسة (عذرا لهذا التعبير حيث احتج بعض ابناء العامة بذلك )؟


قبل الاجابة عن السؤال لابّد من بيان مقدمة ضرورية[1]و هي: اذا كان الانسان لا يقوي علي معرفة نفسه و لا يتمكن من ان يتعرف علي حقيقة النفس و الروح-علي القول بان الروح المسؤل عنها هي الروح الانسانية- اولا يعرف الملك -علي القول بان المقصود من الروح هو جبرائيل عليه السلام- ( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَليلا ) [2]، فانيّ له ان يعرف خالق الروح معرفة تامة؟! اذا كان الانسان لا يقوي علي معرفة حقيقة الجاذبية الأرضية أو حقيقة القوة الكهربائية او حقيقة الالكترون فأنّي له ان يعرف حقيقة خالق الجاذبية و خالق الضوء و الكهربائية و خالق الالكترون ؟! و هل تري أن المتناهي و هو هذا الانسان في مقدوره أن يحيط باللامتناهي و هو الله تعالي. فكيف يرجو الانسان ان يعرف الله تعالي معرفة تامة و أن يحيط به أحاطة كاملة!!!  و من الواضح أنه لا يعرف الله تعالي أحد حق معرفته الا هو، فقد جاء في الحديث «سبحان من لا يعلم كيف هو الا هو» [3] - نفي الجسم و الصورة و التشبيه . اذ عرفنا ذلك نقول: ان وسائل الادراك البشرية [ادوات المعرفة] متعددة منها العقل و منها الحس فامّا الحواس فان مجال عملها هو الامور المحسوسة فقط، و اما الامور غير المحسوسة فلا مجال للحس و التجربة فيها، و الله سبحانه و تعالي خارج عن أطار الحس، و الذي يؤسف له ان الكثير ممن انبهروا بالمعطيات الحسية والعلوم التجربية غالوا فيها حتي انهم انكروا ما هو خارج هذه المحدودة [دائرة المحسوس‏] و لكن الوسيلة الاخري للادراك و هي العقل اثبتت ان الموجود لا ينحصر بالامور المادية المحسوسة بل هناك ماوراء المادة يمكن ادراكه و معرفته من خلال الادراك العقلي[4]. و من خلال ممارسة مجموعة من الفرضيات العقلية المسلمة استطاع العقل ان يثبت ان للكون خالقاً و ان هذا الخالق [الله‏] لابد ان يتحلي بكل صفات الكمال اي لابد ان يتصف بكل صفة جمالية مثل العلم و الحياة و القدرة و ... المزید لانه واهب الحياة و واهب العلم و واهب القدرة فلو كان فاقداً لها فكيف يمنحها لغيره «فان فاقد الشي‏ء لا يعطيه» ثم ان العقل ادرك ان الله تعالي لابد ان ينزّه من كل النواقص و من هذه النواقص التي لابد ان ينزه منها هي: ان  يكون الله تعالي «جسماً» و ذلك لان القول بان الله تعالي جسم محدود يستلزم محذورات كثيرة، منها لو فرضنا ان الله تعالي جسم محدود فهذا يعني انه ناقص لانه يوجد في مكان دون مكان و الناقص محتاج الي غيره و المحتاج الي غيره لا يمكن ان يكون هو واجب الوجود [الله‏] من خلال هذه المقدمة نعرف: 1) ان الله موجود غير مادي فلا يخضع لقوانين المادة. 2) ان الله لا يخضع لادوات المعرفة الحسية. 3) ان الله تعالي لا يمكن ان يكون محدداً في مكان دون مكان مركباً من اجزاء لان في كل ذلك نقصا يجل الله تعالي عنه. اذا عرفنا ذلك نقول في مقام جواب الاسئلة المطروحة: 1) ان المقصود من الله تعالي موجود في كل مكان ان الله تعالي لا يخلو منه مكان اي ان الله لا يخضع لشروط الزمان و المكان المادي و ان ذاته غير محددة بمكان معيّن بل هو موجود مطلق لا يحدد بحدود معينة. 2) ان احاطة الله تعالي بالأشياء تعبير حقيقي و ليس تعبيرا مجازياً. 3) ان الله موجود في كل شي لا يعني ان الله تعالي يحل في هذه الاشياء بمعني انه اما ان يحل جميعه في الشي‏ء و هذا مستحيل لانه يستلزم محدودية الله و هو امر ممنوع عقلا كما ثبت ذلك في الكتب الكلامية والفلسفية، واما حلول جزء من الله تعالي في الاشياء و هذا ايضاً مستحيل لأنه مستلزم ان يكون الله تعالي جسماً مركباً من اجزاء و هذا مستحيل أيضاً. 4) ان الوجود لا يعني الاحاطة بالمعني المذكور في السؤال لأنه يستلزم ان يكون هناك اماكن تخلو من الله تعالي و تكون خاصة بالشي‏ء المحاط به مثل الجبال ـ الاشجار ـ و ... و هذا أيضاً مستحيل لانه يستلزم تحديد الله تعالي و هو مستحيل أيضاً لانه يستلزم الجسمية المستحيلة علي الله تعالي‏. 5ـ ان الله تعالي موجود في الاشياء لا بممازجة و لا بمداخلة وهذا امر طبيعي حتي في الامور المادية فان العلم اثبت وجود انواع من الطاقة عندها الاستعداد لاختراق الاجسام المادية من دون ان تؤثر بالاشياء او تتأثر بها. فاذا كان هذا ممكن بالنسبة للمادة فكيف يصعب ذلك علي خالق المادة سبحانه و تعالي؟ و اخيراً نقول: ان الاخوة الذين ذكرتهم من ابناء العامة لو اطلعوا علي المحذورات التي يستلزمها القول بان الله محدد بمكان معين، لما ذهبوا الي ذلك القول لانه في الواقع انكار لوجود الله من دون ان يشعروا بذلك. يقول الامام علي(ع) في نهج البلاغة « و من أشار إليه فقد حده، و من حده فقد عده، و من قال فيم؟ فقد ضمنه، و من قال علي م فقد أخلي منه. كائن لاعن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شي‏ء لا بمقارنة و غير كل شي‏ء لا بمزايلة »[5]

3