من هو الشوكاني؟ وما هو رأيكم في تفسير فتح القدير؟
من هو الشوكاني؟
و ما هو رأيكم و تقديركم لتفسير" فتح القدير" للشوكاني؟
هو ابوعبدالله محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني الخولاني الصنعائي مفسر محدث مؤرخ فقية أصولي.
ولد بهجرة شوكان من بلاد خولان في 28 ذي القعده 1173 ه وتوفي بصنعاء في جمادي الآخر 1250 ه [1]
و قد عقد له الشيخ جعفر السبحاني ترجمة وافية في موسوعة الملل و النحل الجزء السابع جاء فيها:
لقد ترك الشوكاني آثاراً في التفسير و الفقه و الحديث و الكلام و هنا نذكر من آثاره مايلي:
فتح القدير في التفسير، وقد طبع في خمسة اجزاء جمع بين فني الرواية و الدارية من علم التفسير.
نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار في الحديث، و المنتقي تأليف الشيخ أبي البركات شيخ الحنابلة مجدالدين عبدالسلام بن عبدالله الحراني (542 : 621 ه) جد ابن تيمية.
القول المفيد في أدلة الاجتهاد و التقليد.
ارشاد الثقات الي اتفاق الشرائع علي التوحيد و الميعاد و النبوات، و رد به علي موسي بن ميمون الأندلسي اليهودي.
ان الالمام بحياة الشوكاني دراسة وقراءة، استاذاً و شيخاً، تعرب علي أنه كان سلفي المذهب، متحرراً عن التقيد بمذهب أحد الائمة، و كتابه “نيل الأوطار” يشهد علي ذلك.
و قد أوجد هزة في الأوساط اليمنية، و هو وان أخذ من السلفية، بهذا الجانب، الجميل، ولكنه تورط في مغبة لوازم التجسيم و التشبية، و تتلخص عقائده في الأمور التالية:
أولا: يري حمل صفات الله تعالي الواردة في القرآن و السنة علي ظاهرها من غير تأويل، و قد ألف رسالة في ذلك سماها: التحف بمذهب السلف” و يذكر في تفسير قوله سبحانه: ( َ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ )[2] ، أن الكرسي جسم وردت به الآثار بصفته، ثم ذكر الأقوال الأخر.
و قال: والحق هو الأول، ولا وجه للعدول عن المعني الحقيقي إلي مجرد خيالات و ضلالات.[3]
و المتتبع في تفسيره يجد أنه يقوي مذهب السلف في غالب المواضع حتي رؤية الله في الآخرة لو سلم كونها مذهب السلف.
ثانياً: لا يري للمجتهد تقليد أئمة المذاهب الفقهية، و هو في تلك الفكرة مصيب مشكور، لكنه أفرط في تطبيق الآيات الذامة للمشركين في تقليدهم الآباء، علي مقلدي ائمة المذاهب [4]
ثالثاً: إن الرجل جمع بين القولين المتضادين، فمن جانب يري أن الشهداء أحياء حقيقة لا مجازاً.
قال في تفسير قوله تعالي: ( وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُون )[5]
أي لاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات بل هم أحياء، ولكن لاتشعرون بهذه الحياه عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب أرواحهم، لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه عملكم، الذي هو بالنسبة إلي علم الله كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر، و ليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ.[6]
و من جانب آخر يري التوسل بالأنبياء مخالفاً للذكر الحكيم، و قد أفاض الكلام في الإنكار علي التوسل عند تفسير قوله سبحانه (قل لا أَمْلِكُ لِنَفْسي ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ )[7]، فقد ذكر في تفسير الآية نفس ما ورثه من ابن تيمية .[8]
رابعاً: إن الشوكاني و إن كسر قيد الالتزام بمذهب الزيدية ولكنه لم يتخل عنه تماماً في بعض الموارد من تفسيره، فربما يذكر بعض الروايات الدالة علي إمامة علي عليه الصلاة و السلام، لكن بشكل هادئ، حيث ذكر في تفسير قوله سبحانه: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُون )[9]
أحدهما: إنها نزلت في حق عبادة بن الصامت، و ثانيهما: أنها نزلت في حق علي، و أخرج الخطيب في المتفق و المفترق عن ابن عباس، قال: تصدق علي بخاتم وهو راكع فقال: النبي (ص) للسائل: “ من أعطاك هذا الخاتم ؟” قال: هذا الراكع. فأنزل الله فيه: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ... المزید.) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد و ابن جرير و أبو الشيخ و أبن مردوية عن ابن عباس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب... إلي آخر ما ذكره.[10]
و يذكر في تفسير قوله سبحانه: ( ُ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) [11]
الأول: أنها نزلت في زوجات النبي (ص) ، ثم قال: قال أبو سعيد الخدري و مجاهد، و قتادة: إن أهل البيت المذكورين في الآية علي و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام خاصة، و من حججهم الخطاب في الآية بما يصلح للذكور لا للإناث، و هو قوله (عنكم، وليطهركم) ولو كان للنساء خاصة لقال: عنكن، يطهركن. و أجاب الأولون عن هذا التذكر باعتبار لفظ الأهل كما قال سبحانه: ( قالُوا أَ تَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيد ) و كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ يريد زوجته أو زوجاته، فيقول: هم بخير. ثم إنه ذكر أدله القولين، وخرج بأن الحق شموله للطائفتين.[12]
و لعل هذا الجمع الذي لجأ اليه، كان مقتضي ظروفه، وإلا فكيف يمكن القول بالجمع، و هو فرق للإجماع المركب أولا،ً و مخالف للروايات المتضافرة من أن النبي الأكرم (ص) جمع علياً و ابنيه و زوجته تحت الكساء وقال: هؤلاء أهل بيت، ولم يجز لأم سلمة أن تدخل تحت الكساء؟
لكنه قد قصر في بعض المواقع، حيث لم يذكر نزول قوله سبحانه ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَ رَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دينا )[13]، في حق علي مع تضافر الروايات، و فسر إكمال الدين بإكمال ظهوره علي الأديان كلها، و غلبته لها.[14]
نعم، ذكر في تفسير قوله سبحانه: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس )[15]
قال: أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردوية و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية علي رسول الله يوم غديرخم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه
و قال: و أخرج ابن مردوية عن أبن مسعود قال: كنا نقرأ علي عهد رسول الله : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أن علياً مولي المؤمنين ( وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس ) [16]
و علي كل تقدير فما يذكره في حق أئمة أهل البيت أثر من آثار نشأته بين الزيدية ولكنه في مجال العقيدة سلفي، يتمسك بحرفية القرآن و يجوز الرؤية في الآخرة [17] و يذهب في مجال الفقة إلي حجية كل صحابي من غير فرق بين المعلوم و المجهول، حتي ألف كتاباً باسم “القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول” [18]
و يصدر عن الصحاح و المسانيد و يخالف مذهب الزيدية كثيراً، و كتابه المعروف “السيل الجرار المتدفق علي حدائق الأزهار” يعد ثورة عارمة علي الزيدية في المجالات الفقهية.[19]