ان لفظ الشيعة و السنة من الالفاظ و الصفات التي تطلق علي طائفتين كبيرتين من المسلمين لكل منهما منهجها الخاص الذي تمتاز به عن الاخري، و بالطبع ان لفظ السنة عندما يطلق فانه لا ينصرف الي مذهب واحد معين بل هو لفظ يصدق علي اربعة مذاهب فقهية [الحنبلي و الحنفي و المالكي و الشافعي‏] و اما الشيعة فعندما يطلق فانه يراد به اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام، و هذا أيضاً يطلق علي بعض الفرق مثل الاسماعيلية و الزيدية و غيرها الاّ ان المذهب الرئيسي هو المذهب الجعفري الذي يقول بامامة الائمة الاثني عشر عليهم السلام. و نحن عندما نتحدث انما نتحدث عن الشيعة الاثني عشرية، و النكتة الجديرة بالذكر ان الامور المشتركة بين جميع المذاهب اكثر من الامور التي تختلف فيها. فمن الامور المشتركة هي اصول الدين [التوحيد ـ النبوة ـ المعاد] فانها مشتركة بين الشيعة و السنة. نعم وقع الاختلاف بينهم في مسألة الامامة فقد ذهبت الشيعة الي ان الامامة حكم الهي لابّد ان يصدر من الله تعالي و ليس للامة حق تنصيب الامام او تعيينه، و بعبارة اخري: ان الامامة من الامور التي تثبت بالنص لا بالانتخاب و الشوري. و قد ساق الشيعة ادلتهم في ذلك المجال بصورة واضحة و وافية، و اما الاخوة من اهل السنة فقد ذهبوا الي ان الامامة من الامور التي تركت الي الامة هي تنتخب من تشاء وفق شروط معينة، ذكرت في كتبهم الكلامية فهم يؤمنون بمنهج الشوري في الانتخاب و تعيين الامام. و بالطبع لكل من هذين المنهجين آثاره العملية في مجال الفقه و الكلام و التفسير و ... المزید و هذا امرٌ لا ينكر. و من الامور التي اختلفت فيها الشيعة عن بعض اهل السنة هي مسألة [العدل الألهي‏] فأن الشيعة من جهة و المعتزلة من اهل السنة من جهة اخري ذهبوا الي القول [بالعدل الألهي‏] خلافاً للأشاعرة ، و هذا لا يعني ان المسألة من المسائل الخلافية بين الشيعة و السنة لان طائفة كبيرة من السنة ذهبوا الي العدل و هم المعتزلة و هكذا الأمر في باقي المسائل العقائدية . و اما المسائل الفقهية فاننا نري ان الشيعة تعتمد في فقهها القرآن الكريم والسنة النبوية القطعية الصدور و التي تعتمد في أعمها الأغلب علي نقل اهل البيت عليهم السلام. و لذلك نري الفقه الشيعي يتفق مع الفقه السني في الامور الرئيسية، و اذا وجد اختلاف فانه لا يعني ان الشيعة لها فقه يتقاطع مع الفقه السني و انما نري في معظم المسائل الفقهية ان هناك اتفاق علي المسألة بين الشيعة و بين بعض المذاهب الاربعة و في بعض الاحيان يكون هناك اتفاق عليها بين المذاهب الخمسة و يكفيك في هذا المجال ان تلاحظ كتاب الفقه علي المذاهب الخمسة للشيخ محمد جواد مغنيه لتري صحة ما نقوله، علماً ان المذاهب السنية الاربعة لا تتفق في جميع المسائل الفقهية و كذلك في منهجها العلمي و لو كانت متفقة في جميع المسائل فلماذا هذا التقسيم الي حنفي و مالكي و شافعي و ...؟ و اما بخصوص المذهب العلوي لا شك ان العلويين يرجعون في الاصل الي الشيعة و انهم لظروف قاهرة احاطت بهم جعلتهم في معزل عن الجسم الام، و هذا الانقطاع و الانزواء في الجبال و الابتعاد عن مصادرهم الاصيلة كان له الاثر الكبير في تطرق بعض الخرافات الي اوساط العوام منهم.  يقول المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في مقدمته لكتاب [العلويون بين الغلو و الفلسفة ...]: و شيوع البدع و الخرافات من العوام المعزولين عن الفقهاء المستنيرين، أمر لا يختص ببعض عوام العلويين الذين مرت عليهم أحقاب من الزمن و هم محصورون مطاردون مهددون في كرامتهم و حياتهم و أموالهم و أعراضهم. بل يجد الباحث أمثال هذه الخرافات والبدع شائعة بين المسلمين من سائر المذاهب و طالما رأينا و سمعنا عند بدو الصحاري و فلاحي القري في شتي أنحاء العالم الاسلامي، خرافات و بدعاً كثيرة يمارسونها عن حسن نيّة و اعتقاد بأنها من الأسلام، و حين يتلقون الموعظة الحسنة و التعليم بالحكمة و الرفق فإنهم يصححون اعتقادهم و عملهم. قضية إسلام العلويين: العلويون (الشيعة الإمامية الإثني عشرية): نموذج ساطع و مؤلم لمشكلة الاختلاف و التعصب، فقد أدت بهم مشكلة اختلافهم مع القوي الغالبة و الحاكمة في المجتمع إلي عزلهم من قبل تلك القوي و من ثم إلي حصارهم و الإرجاف بهم و أدي بهم ذلك الي الانقطاع عن التواصل و التفاعل مع المجتمع الإسلامي حتي مع جمهور مذهبهم الشيعي الإمامي الإثني عشري، و من ثم تولدت الشكوك فيهم و تعاظمت الإتهامات و ترسخت حتي تحوّلت إلي التشكيك في إسلامهم بل بلغت في بعض الحالات درجة إدانتهم بالمروق عن الإسلام و الحكم عليهم بالكفر. ما هو الإسلام: ما هو الإسلام الذي يجمع المعتنقين له علي ما بينهم من تنوعات؟ و يثبت لهم جميعاً منزلة المسلمين، و يثبت لبعضهم علي بعض آحاداً و جماعات حقوق المسلم علي المسلم و حقوق المسلم علي الأمة. ان الاسلام الجامع يتحقق في كل من صدق و أذعن عن قناعة بأصول الإسلام و فروعه و هي مسائل العقيدة و الشريعة. أما مسائل العقيدة و هي الأصول فهي ثلاث: التوحيد و النبوة و المعاد و يكفي الاعتقاد في التوحيد بوحدة الله تعالي و كونه خالقاً لكل شي‏ء عالماً محيطاً بكل شي‏ء قادراً علي كل شي‏ء حكيماً في كل شي‏ء، و لا يطلب و لا يجب البحث عن الصفات الثبوتية و السلبية و أنها عين ذاته أو مغايرة لها و ما إلي ذلك من أبحاث علم الكلام. و أما بالنسبة إلي النبوة فيجب الاعتقاد بالنبوة العامة و هي أن الله سبحانه و تعالي بعث في الأمم السابقة أنبياء و رسلاً أوحي إليهم بالعقائد و الشرائع، و الاعتقاد بالنبوة الخاصة و هي أن الله سبحانه و تعالي أرسل محمدا(ص) خاتماً للنبيين و أنزل عليه الوحي القرآني و أوحي إليه بالعقيدة و الشريعة و أن النبي(ص) قد بلّغ ما أرسله الله به من العقيدة و الشريعة و بلّغ القرآن و أن محمداً هو خاتم النبيين و أن الدين الإسلامي هو الدين الحق. و أما المعاد فيكفي فيه الاعتقاد بأن كل من بلغ سن التكليف أن الله يبعثه بعد الموت حياً و يحاسبه علي ما عمله في حياته و أن لكل عمل من أعمال الخير ثواباً و لكل عمل من أعمال الشر عقاباً بمقتضي عدالة الله و حكمته و وعده و وعيده. في الشريعة: أما الشريعة فهي الفروع التي هي من ضرورات الدين هو الأحكام و التكاليف في العبادات و المعاملات التي اتفق عليها المسلمون كافة علي اختلاف مذاهبهم و اجتهادات فقهائهم كوجوب الصلاة و عدد الصلوات اليومية المفروضة و وجوب الصوم في شهر رمضان و الحج إلي بيت الله الحرام و الزكاة و حرمة نكاح المحارم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما إلي ذلك من احكام اتفقت عليها كلمة المسلمين من غير فرق بين مذهب و مذهب. و أما الإختلافات في تفاصيل ذلك و شروطه و كيفية أداء بعض أجزائه فهي أمور ناشئة من اختلاف المجتهدين في آرائهم و لا يؤثر الخلاف فيها علي صحة إسلام أحد علي الإطلاق. و بالإضافة إلي وجوب الإعتقاد بالاصول و الفروع بالمعني الذي بيّناه يتقوم الإسلام أيضاً بالاعتقاد بالقرآن الكريم، و هو هذا القرآن الذي يتداوله المسلمون بأنه وحي من الله تعالي إلي خاتم النبيين محمد(ص) و هو الأساس الأول للإسلام عقيدة و شريعة. هذا هو الإسلام الجامع و هذا ما عليه العلويون تجهر به و تنص عليه كتب علمائهم و بيانات فضلائهم.[1] اذاً العلويون هم مسلمون أولاً ثم شيعة ثانياً.