منذ سنتين

حقيقة زواج رسول الله(ص) من زينب بنت جحش والتشويه الذي احاط هذه المسألة

نقل الصدوق عن الرضا (ع) في قوله تعالي واذ تقول للذي انعم الله....... قال (ان رسول الله (ص) قصد دار زيد بن حارثه في امر اراده فرأي امراته زينب تغتسل فقال سبحان الذي خلقك) وان ذلك ورد في الاحتجاج ص431 وعيون اخبار الرضا ص 112 وقصص الانبياء للجزائري ص18


اما ما يتعلق بالرواية التي تتحدث عن حقيقة زواج النبي (ص) من زينب بنت جحش فقد تعرض لها الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الامثل حيث قال تحت عنوان [أساطير كاذبة] ان هناك دلائل واضحة بغض النظر عن مسألة العصمة و النبوة تكذب هذه الاساطير: الاولي: ان زينب كانت بنت عمة النبي (ص) و قد تربيا و كبرا معا في محيط عائلي تقريبا، و النبي (ص) هو الذي خطبها بنفسه لزيد، و اذا كان لزينب ذلك الجمال الخارق، و علي فرض انه استرعي انتباهه، فلم يكن جمالها امرا خافيا عليه، و لم يكن زواجه منها قبل هذه الحادثة امراً عسيراً، بل زينب لم تبد أي رغبة في الاقتران بزيد، بل اعلنت مخالفتها صراحة، و كانت ترجح تماما ان تكون زوجة للنبي (ص) بحيث انها سرت و فرحت عندما ذهب النبي (ص) لخطبتها ظنا منها بان النبي (ص) يخطبها لنفسه، إلا انها رضت لأمر الله و رسوله بعد نزول هذه الآية القرآنية و تزوجت زيداً. إشارة إلي قوله تعالي : (وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبينا) [1]  مع هذه المقدمات هل يبقي مجال لهذا الوهم بأن النبي (ص) لم يكن عالما بحال زينب و جمالها؟! و أي مجال لهذا الظن الخاطئ بان يكون راغبا في الزواج منها و لا يستطيع الاقدام عليه؟! و الثانية: ان زيداً عندما كان يراجع النبي (ص) لطلاق زوجته زينب، كان النبي (ص) ينصحه مراراً بصرف النظر عن هذا الأمر، و يصبح بهذه النصيحة مانعا من هذا الطلاق، و هذا بنفسه شاهد أخر علي نفي هذه الاكاذيب و الاساطير، و من جهة اخري فان القرآن الكريم قد اوضح الهدف من هذا الزواج بصراحة لئلا يبقي مجال لأقاويل اخري. و من جهة أخري ايضا: قرأنا في الآيات المذكورة أعلاه ان الله تعالي يقول: قد كان في حادثة زواج النبي (ص) بمطلقة زيد أمر كان النبي يخشي الناس فيه، في حين ان خشيته من الله احق من الخشية من الناس، ان مسألة خشية الله سبحانه توحي بان هذا الزواج قد تم كتنفيذ لواجب شرعي يجب عنده طرح كل الاعتبارات الشخصية جانبا من أجل الله تعالي ليتحقق هدف مقدس من أهداف الرسالة حتي و ان كان ثمن ذلك جراحات اللسان التي يجرحها عمي القلوب و حائكو الاكاذيب من المنافقين في مجال اتهام النبي، و كان هذا هو الثمن الباهض الذي دفعه النبي (ص) و لا زال يدفعه إلي الآن في مقابل طاعة امر الله سبحانه، و الغاء عرف خاطئ و سنة مبتدعة، إلا ان هناك لحظات تحل علي مدي حياة القادة المخلصين لابد ان يضحوا فيها، و يعرضوا انفسهم فيها لإتهام امثال هؤلاء الافراد ليتحقق هدفهم، أجل لو كان النبي (ص) لم يرالمراة من قبل مطلقا، و لم يكن يعرفها، و لم يكن لدي زينب الرغبة في الاقتران به، و لم يكن زيد مستعدا لطلاقها و بغض النظر عن مسألة النبوة و العصمة لكان هناك مجال لمثل هذه الاقاويل و التخرصات، لكن بملاحظة انتفاء كل هذه الظروف يتضح كون هذه الاكاذيب مختلقة، اضافة إلي ان تاريخ النبي (ص) لم يعكس أي دليل او صورة تدل علي وجود رغبة خاصة لديه في الزواج من زينب بل هي كسائر الزوجات، بل ربما كانت أقل من بعض الزوجات من بعض الجهات، و هذا شاهد تاريخي آخر علي نفي هذه الاساطير.[2] فاذن وجود رواية لا يعني ان الشيعة تعتقد بصحة هذه الرواية و الاعتماد عليها. و هذا هو التفسير الشيعي و الموقف الشيعي من القصة. ثم انظر إلي تفسير الفخر الرازي الذي هو من افضل التفاسير عند اهل السنة ماذا يقول: يقول الفخر الرازي في تفسير المقطع الاخير من الآية 38: ( وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) لطيفة: و هي انه تعالي لما قال (زوجناكها) قال ( و كان امر الله مفعولا ) . اي تزويجنا زينب اياك كان مقصودا متبوعا مقضيا مراعي، و لما قال ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذينَ خَلَوْا ) إشارة إلي قصة داود عليه السلام حيث افتتن بامرأة اوريا..[3] فانظر كيف ينسب الفخر الرازي إلي نبي الله داود (ع) ذلك الفعل القبيح هذا من جهة و من جهة ثانية يشبه عمل الرسول (ص) و زواجه من زينب بما فعله داود عليه السلام حسب ادعائه . فهل يوجد اقبح من هذه النسبة إلي نبيين من انبياء الله؟! و ايهما اقبح وجود رواية قابلة للمناقشة و الرد أو هذا الرأي الذي يعتمده مفسر كبير كالفخر الرازي؟! و الاعجب من هذا كله اننا لو راجعنا التفاسير السنية نجد انها تنقل نفس الرواية التي يشنع فيها الاخوة علينا و التي عرفت رأينا فيها فهذا السيوطي ينقل في تفسيره الدر المنثور الرواية التالية: و أخرج ابن سعد و الحاكم عن محمد بن يحيي بن حيان رضي الله عنه قال: «جاء رسول الله (ص) بيت زيد بن حارثة يطلبه، و كان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله (ص) فيجي‏ء لبيت زيد بن حارثة يطلبه فلم يجده و تقوم اليه زينب بنت جحش زوجته، فاعرض رسول الله (ص) عنها فقالت: ليس هو ههنا يا رسول الله فادخل فأبي أن يدخل فأعجبت رسول الله (ص)، فولي و هو يهمهم بشي‏ء لا يكاد يفهم منه الا ربما أعلن، سبحان الله العظيم، سبحان مصرف القلوب، فجاء زيد رضي الله عنه إلي منزله، فأخبرته امرأته ان رسول الله (ص) أتي منزله، فقال زيد رضي الله عنه: ألا قلت له أن يدخل؟ قالت: قد عرضت ذلك عليه فأبي. قال: فسمعت شيئا؟ قالت: سمعته حين ولي تكلم بكلام و لا أفهمه، و سمعته يقول: سبحان الله، سبحان مصرف القلوب، فجاء زيد رضي الله عنه حتي أتي رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها فيقول رسول الله (ص) ( أمسك عليك زوجك ) فما استطاع زيد اليها سبيلا بعد ذلك اليوم، فيأتي لرسول الله (ص) فيخبره فيقول ( أمسك عليك زوجك ) ففارقها زيد و اعتزلها.[4] و هذا القرطبي يقول في تفسيره: و اختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة و ابن زيد و جماعة من المفسرين منهم الطبري و غيره إلي أن النبي (ص) وقع منه استحسان لزينب بنت جحش و هي في عصمة زيد، و كان حريصا علي أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها، و يشكو منها غلظة قول و عصيان أمر، و أذي باللسان و تعظما بالشرف قال له: «إتق الله ـ أي فيما تقول عنها و امسك عليك زوجك» و هو يخفي الحرص علي طلاق زيد إياها، و هذا الذي كان يخفي في نفسه، و لكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف. و قال مقاتل: زوج النبي (ص) زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حينا، ثم إنه عليه السلام أتي زيدا يوما يطلبه، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش، فهويها و قال: «سبحان الله مقلب القلوب» ! فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطن زيد فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا تعظم علي و تؤذيني بلسانها، فقال عليه السلام: «أمسك عليك زوجك و اتق الله» . و قيل: إن الله بعث ريحا فرفعت الستر و زينب متفضلة في منزلها، فرأي زينب فوقعت في نفسه، و وقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي (ص) و ذلك لما جاء يطلب زيدا، فجاء زيد فأخبرته بذلك، فوقع في نفس زيد أن يطلقها، و قال ابن عباس: (و تخفي في نفسك) الحب لها [5] فقد اشار إلي وجود هذه الرواية في المصادر السنية ابو الفداء اسماعيل بن كثير في كتابه (تفسير القرآن العظيم) المعروف بتفسير ابن كثير حيث قال: و قد روي الامام احمد، ههنا ايضا حديثا من رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن انس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه ايضا [6] ثم قال: و قد روي البخاري أيضا بعضه مختصرا فقال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم.... ان هذه الآية ( و تخفي في نفسك ما الله مبديه ) نزلت في شأن زينب بنت جحش و زيد بن حارثة رضي الله عنهما. [7] و انظر هنا بدقة أيضا إلي قوله (روي البخاري أيضا بعضه). فالبخاري يروي بعض الحديث و ابن كثير يحذف الحديث، و نحن يحق لنا أن نسأل لماذا هذا الحذف و هذا التقطيع؟! و بالطبع ان ذلك لأنهم رأوا الرواية لا تنجسم مع اخلاق الرسول (ص) فالرواية موجودة في تراثهم أيضا فعلام هذا التشهير و التنديد بالشيعة؟!! و قد بينا لك رأي الشيعة في الواقعة. اضف الي ذلك اننا اذا رجعنا الي الرواية نجدها ضعيفة السند من جهة ، ومن جهة اخري ان الرواية –وهي منسوبة الي الامام الرضا عليه السلام- توجه الامر بما ينزه النبي الاكرم صلي الله عليه واله وسلم من تلك النسبة الذميمة ، فالحق ان ينقل النص  بكامله لا ان يبتر ويوخذ قسم منه حسب الرغبة والمزاج.