منذ سنتين

الديمقراطية في النظام الاسلامي

هل الديمقراطية نظام اسلامي، اذا كانت من اهم اسسها السماح للتيارات الغير الاسلامية بادلاء آرائها ونشر ارائهاعلي الساحة.واذا كانت حقوق الشعب مرتبطة بهذا النظام فما حكمه؟


ان الهدف الاساسي في الاسلام هو اقامة العدل و اقامة حكم اللّه في الارض ،يقول تعالي: ( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْميزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط) [1] . و يقول تعالي ( وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين‏‏ ) [2]و ان يكون هذا الحكم بما انزل اللّه تعالي. قال تعالي: (ً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُون‏  ، الظالمون، الفاسقون ‏) [3] هذا هو الهدف الاساسي في الاسلام اقامة حكم اللّه في الارض علي اساس العدالة "و لم يختلف المسلمون علي انّ الاسلام جاء حاكماً و ان الرسول(ص) كان قائداً سياسياً و روحيّاً في آن واحد و قد مارس هذا الدور طيلة حياته خاصة بعد تشكيل حكومته في المدينة المنورة".[4]  و كان طابع حكومته(ص) هو العدل و اقامة حكم اللّه. و من الثابت عند الكثير من علمائنا انه يجب اقامة حكومة اللّه في الارض في زمن الغيبة، هنا يأتي السؤال المهم و هو: ما هو الفرق بين نظام الحكم الاسلامي و نظام الحكم الديمقراطي؟ و هل نظام الحكم الاسلامي ديمقراطي؟ و لا بد قبل الاجابة عن هذا السؤال من تحديد معني الديمقراطية. ما هي الديمقراطية: عرّفت الديمقراطية بأنها: حكم الشعب. و جاء في كتاب العقد الاجتماعي ل(جان جاك روسو) تعريفها بما يلي: «يستطيع صاحب السيادة في المقام الأوّل أن يعهد بأمانة الحكم إلي الشعب كله أو إلي الجزء الأكبر منه بحيث يكون هناك من المواطنين الحكّام أكثر من المواطنين الأفراد، و يطلق علي هذا الشكل من الحكومة اسم ديمقراطية»[5] أما مونتسكيو ففي معرض تقسيمه للحكومات اعتبر الحكم الديمقراطي شكلاً من أشكال الحكم الجمهوري حيث قال: الديمقراطية في رأيه تحكم علي أساس الفضيلة السياسية و تعني حب الدولة، و حب المساواة، و في ظل النظام الديمقراطي فإنّ المواطنين يختارون وفقاً لمبدأ المساواة، و إمكانياتهم و قدراتهم، و السلطة التشريعية يجب أن تكون بين الأفراد كما أنّ التصويب يجب أن يكون عامّا.[6] أما جون ستيورات مِل ، فقد اعتبر الحكومة الديمقراطية أفضل أنواع الحكومات ،و هي التي توجد فيها السيادة للجماعة ككل و دعاها بالحكومة التمثيلية.[7] و يري جون لوك بأنّها: حق الأكثرية التي اكتسبت سلطة الجماعة ـ بالإتّحادـ في استخدام تلك السلطة لتشريع القوانين و تنفيذها بواسطة موظفين عُيّنوا لذلك.[8] لو تجاوزنا الديمقراطية بالمعني اللّغوي الذي يعتقد روسو عدم إمكان حصولها في أي وقت حيث يقول: و إذا أخذنا عبارة الديمقراطية بكل معناها الدقيق نجد أنّ الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبداً ولن توجد أبداً. فممّا يخالف النظام الطبيعي أن يحكم العدد الأكبر و أن يكون العدد الأصغر هو المحكوم، و لا يمكن أن نتصور بقاء الشعب مجتمعاً علي الدوام للنظر في الشؤون العامّة، و نستطيع أن نري بسهولة أنّه لا يمكن اقامة لجان من أجل ذلك دون تغيير في شكل الإرادة.[9] أما التعاريف الأخري المذكورة فإنها تشترك في إعطاء المعني الإصطلاحي للديمقراطية و الذي يعني إعطاء الحريّة للناس في تشريع القانون و اختيار من ينفّذه من خلال الانتخابات العامّة التي تكفل المساواة للأفراد في المشاركة في الحياة السياسية حيث يكون الرأي للأغلبية . و لا شك أنّ الحرية و المساواة مفاهيم تتوق إليها النفس الإنسانية التي بطبيعتها ـ ترفض العبودية و الظلم و لذا نجد التغنّي بالديمقراطية و اعتبارها الحكم المنشود لكل شعب مضطهد مظلوم تنطلق من هذين الشّعارين اللّذين ترفعهما. و الحرية المقصودة في النظام الديمقراطي تتمثّل في الحريّات الأربع: السياسية، و الاقتصادية، و الفكرية، و الشخصية.[10] و لكن هل الحرية هي الغاية التي تنشدها البشرية و تروم الوصول إليها؟ أم إنّ السعادة هي الغاية وما الحرية إلا وسيلة لتحقيق السعادة المنشودة؟ وإذا كانت الحرية المطلقة للفرد كفيلة بتحقيق سعادته فلماذا تزخر المجتمعات الديمقراطية الغربية بالدموع و القلق و الجرائم؟ و هل يستطيع الناس الذين مارسوا حريتهم في تشريع القانون لأنفسهم أن يكفلوا ما يصلحهم؟ أي بمعني هل تتماشي دائما حرية الاختيار و مصلحة الإنسان جنباً إلي جنب؟ و من المعلوم ان الديمقراطية بمعناها الغربي لا تخلو من بعض السلبيات و المخاطر التي لا تنسجم مع الاسلام، و لذلك نري علماء الإسلام درسوا هذه الظاهرة لتمييز نقاط الاختلاف و الافتراق بينها و بين النظام الاسلامي لكي يحتوي النظام الاسلامي ايجابيات الديمقراطية ـ الحرية و المساواة ـ و يتجنب منزلقاتها و اخطارها. و هنا يطرح السؤال الثاني: بماذا يفترق النظامان؟ لقد حدّد علماء الإسلام نقاط الاختلاف الجوهرية بين النظامين بالآتي: 1 ـ صلاحية التشريع في النظامين: يمتاز النظام الإسلامي في كون صلاحية التشريع فيه من حق اللّه سبحانه و تعالي وحده و ما كان الرسول(ص) إلاّ مبلغا عنه سبحانه دون أن يكون له حق الزيادة أو النقصان-من ذاته- و ذلك يعني (أنّ النبي لم يكن يجتهد رأيه و إنما كان يعتمد في إعطائه الحكم الشرعي علي ما يوحي إليه من اللّه تعالي)[11] و كذلك الائمة من بعده. و في زمن الغيبة الكبري ف« إنّ النصوص الشرعية عند مدرسة أهل البيت كانت بالقدر الوافي بتزويد القضية في مجال الاستنباط بالمادّة العلمية لاستخلاص الأحكام الشرعية الفرعيّة منها»[12] و يؤكد الشهيد الصدر هذه الحقيقة حيث يتحدث عن دستور الجمهورية الإسلامية فيقول: إنّ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع بمعني أنها المصدر الذي يستمد منه الدستور و تشرع علي ضوئه القوانين في الجمهورية الإسلامية. و ذلك بتقسيم الأحكام إلي ثابتة و تعتبر جزءاً ثابتاً في الدستور و في حالة وجود أكثر من اجتهاد يوكل الأمر الي السلطة التشريعية لاختيار البديل المعيّن من البدائل الاجتهادية المتعددة، أما في حالة عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم أو ايجاب فيوكل الأمر إلي السلطة التشريعية لسن ما تراه مناسباً من القوانين علي ألاّ يتعارض مع الدستور و تسمّي مجالات هذه القوانين بمنطقة الفراغ.[13] في الوقت الذي نري فيه حق التشريع في النظام الاسلامي للّه سبحانه فقط، نري حق التشريع في النظام الديمقراطي للشعب ف(الدستور كلّه من صنع الإنسان في النظام الديمقراطي و يمثل علي أفضل تقدير و في لحظات مثالية تحكم الأكثرية في الأقلية)[14] و شتّان بين نظام يضعه خالق الإنسان و العالم بخفايا نفسه و القادر علي وضع ما يصلحها من القوانين التي توصل الإنسان إلي سعادته الحقيقية وبين نظام يستمد من الإنسان ـ الذي هو في أفضل حالات نزاهته و تجرّده عن الذات ـ عرضة للخطأ الذي يذهب ضحيته البشر. 2 ـ شخصية الحاكم: لقد حدّد علماء الاسلام فرقاً جوهرياً آخر بين الديمقراطية و الإسلام و هو فيمن تكون له صلاحية الحكم، و الثابت عند المسلمين أنّ شخصية الحاكم محدّدة من قبل اللّه سبحانه بالإسم أو النوعية. ففي زمن الرسول (ص) كانت صلاحية الحكم محصورة به و كذلك في زمن الائمة المعصومين(عليهم السلام) أما في زمن الغيبة الكبري فإنّ شخصية الحاكم الإسلامي محدّدة من قبل اللّه سبحانه بالنوعية من خلال شروط يجب توفرها في شخصية الحاكم المسلم و هي بقدر مشترك بين الفقهاء تتمثل بالفقاهة، و العدالة و الذكورة و العقل.و يؤكد ذلك الشهيد الصدر حيث يتحدث عن خط الشهادة الذي يبتدئه الأنبياء و يكمله الائمة المعصومون فيقول «خط [15] الشهادة يتحمل مسؤوليته المرجع علي أساس أن المرجعية امتداد للنبوة و الإمامة علي هذا الخط»[16] «و المرجع الشهيد معيّن من قبل اللّه تعالي بالصفات و الخصائص أي بالشروط العامّة في كل الشهداء»[17] و خلاصة الأمر: إنّ صلاحية الحكم في زمن الغيبة من اختصاص نائب الإمام الولي الفقيه وفق شروط معينة يحددها الله سبحانه و تعالي الذي هو الحاكم الحقيقي و تعيّنه الأمة وفق تلك الشروط، و عليه (تكون آراء الأمة، معتبرة و لكنها في طول الشروط المذكورة و في الرتبة المتأخرة عنها فلا تصح إمامة الفاقد لها»[18] فالحاكم الحقيقي في النظام الاسلامي هو اللّه سبحانه. أما الحاكم في النظام الديمقراطي فهو من تنتخبه الأكثرية بلا شروط أو قيود تحدّد بها شخصيته و عليه فالحاكم الفعلي هو الشعب، و يؤكد الشهيد الصدر هذا الفرق الجوهري بقوله : «فالأمّة هي مصدر السيادة في النظام الديمقراطي، و هي محط الخلافة و محطّ المسؤولية أمام اللّه تعالي في النظام الاسلامي[19] و يظهر من ذلك أنه في الحكومة الديمقراطية لا تقيّد الشعب و لا للحاكم، بالنسبة الي المصالح النوعية و الفضائل الأخلاقية بل تري الشعب ينتخب من يجري و ينفّذ نواياه و أهواءه. 3 ـ شكل الحكومة: و يختلف النظام الإسلامي عن النظام الديمقراطي في كون السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية هي من اختصاص الولي الفقيه في زمن الغيبة، يعين من يراه مناسباً و مؤهلاً إذ ان (التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية) [20] و يعبر عنها بالحكومة المشروطة المقيّدة التي لا تتخلف سلطاتها الثلاث عمّا حكم به الإسلام في الوقت الذي[21] (تعتبر قضية فصل الدين عن الدولة شرطاً أساسياً لكل ديمقراطية حقيقية مبنيّة علي اساس استقلاليّة السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية). و حسب ما يفهم من النصوص السابقة أن فصل السلطات أو توحيدها يعتمد بشكل أساسي علي علاقة الدين بالدولة فلما كان الظام الإسلامي يستند بشكل أساسي الي التشريع الإلهي فإنّ النتيجة الطبيعية لذلك توحيد السلطات الثلاث و خضوعها جميعها لمصدر التشريع و هو اللّه سبحانه و تعالي و يكون دور الولي الفقيه هو دور المنفّذ فقط للقانون الإلهي. أمّا في النظام الديمقراطي فإن النتيجة الطبيعية للأساس الذي يبتني عليه النظام و هو فصل الدين عن الدولة تكون استقلالية السلطات الثلاث و فصلها عن بعضها البعض. لم تكن الفروق المذكورة بين النظامين محصّلة الدراسات التي قام بها علماء الاسلام فقط، بل إنّ الدراسات الغربية التي تناولت الموضوع (مال أكثرها إلي تقرير التناقض بين الإسلام و الديمقراطية)[22] و هي فروق جوهرية لا يمكن التغاضي عنها بحال[23] و علي هذا الاساس نري النظام الاسلامي في الجمهورية الاسلامية يقوم علي اساس (اقامة حكم اللّه في الارض و العدالة و المساواة) مستفيداً من المشاركة الشعبية و اعطاء حقهم في ممارسة دورهم السياسي و تحمل المسؤولية علي جميع الأصعدة و انتخاب الافراد الصالحين لتنفيذ قوانين و احكام اللّه تعالي مع المحافظة علي عدم الابتلاء بالسلبيات التي تظهر من خلال العمل بالنظام الديمقراطي الغربي ،علما ان ذلك لا يعني ان الاسلام اخذ افكاره من الغرب ثم نقّح ذلك ،بل للإسلام اصالته و عمقه التاريخي و... علماً ان الجهاد و مقاومة الظالم انّما شرّعت في الاسلام من أجل اقامة حكم اللّه تعالي في الارض لا من أجل الديمقراطية، فالمهم اقامة حكم اللّه و الديمقراطية وسيلة من وسائل ذلك.