يقول الله عز وجل:(الزَّاني لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَي الْمُؤْمِنين) فهل يجوز الزواج (دائم - مؤقت) من الزانية؟
لابأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل للزاني و غيره، و الأحوط الأولي أن يكون بعد استبراء رحمها بحيضة من مائه أو ماء غيره، علي المشهور فيهما لعمومات الحلية و إطلاقاتها و خصوص قولهم عليهم السلام: « الحرام لايحرم الحلال »[1] و نصوص خاصة منها قول الصادق (ع) في الصحيح: « أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالاً قال عليه السلام: أوله سفاح و آخره نكاح، و مثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ثم اشتراها بعد فكانت له حلالا ً»[2] و عنه ايضا عليه السلام في الصحيح: «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها؟ فقال عليه السلام: " حلال أوله سفاح و آخره نكاح أوله حرام و آخره حلال »[3] إلي غير ذلك من الروايات.
و أما الآية الكريمة: ( الزَّاني لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَي الْمُؤْمِنين )[4]
فليست في مقام بيان الحكم من هذه الجهة و إلا لكان مفادها جواز تزويج الزاني المسلم المشركة و جواز تزويج المشرك الزانية المسلمة، و كل منهما غير جائز بالاتفاق، و لعل المراد بها مجرد الوطء و بيان مقام الاقتضاء في الجملة من قبيل قوله تعالي:( الْخَبيثاتُ لِلْخَبيثين )[5]
أو المشهورات بالزنا و المشهورين به كما في الحديث، ففي صحيح زرارة قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل: ( الزَّاني لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال عليه السلام: " هن نساء مشهورات بالزنا و رجال مشهورون بالزنا قد شهروا بالزنا و عرفوا به. و الناس اليوم بذلك المنزل، فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر منهم بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتي يعرف منه توبة" [6] و غيره من الأخبار [7]. و لا يختص هذا الحكم بالشيعة فان فقهاء اهل السنة قد افتوا بذلك، يقول عبدالرحمن بن محمد عوض الجزيري من علماء الازهر الشريف في كتابه الفقه علي المذاهب الاربعة[8] تحت عنوان (حكم نكاح الزانية):
الحنفية، و الشافعية ـ قالوا: إذا زني رجل بامرأة يجوز له أن يتزوجها، بعد ذلك بعقد صحيح و ذلك لأن ماء الزنا لا حرمة له، و لما روي أن رجلاً زني بامرأة في زمن أبي بكر الصديق فجلدهما مائة جلدة، لأنهما كانا غير محصنين، ثم زوج أحدهما من الآخر، و نفاهما سنة، و روي مثل ذلك عن عمر، و ابن مسعود، و جابر بن عبد الله رضي الله تعالي عنهم، و قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحكم:" أوله سفاح و آخره نكاح، و النكاح مباح فلا يحرم السفاح النكاح، ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة، ثم أتي صاحب البستان فاشتري منه ثمره، فما سرق حرام، و ما اشتري حلال".
المالكية ـ قالوا: إذا زني الرجل بالمرأة فلايصح له أن ينكحها حتي يستبرئها من مائه الفاسد لأن النكاح له حرمة، و من حرمته ألا يصب علي ماء السفاح، فيختلط الحلال بالحرام و يمتزج ماء المهانة، بماء العزة، و لأن الله تعالي يقول: ( الزَّاني لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )[9]
ثم قال: ( وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَي الْمُؤْمِنين )[10]
و قد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «إذا زني الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبداً» فإن الله تعالي يقول: ( وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنينَ غَيْرَ مُسافِحين )[11] فأباح نكاح غير المسافحين و أبطل نكاح غيرهم.
و اتفقوا علي أنه إذا عقد عليها، ولم يدخل بها حتي استبرأها من مائه الحرام فإن ذلك جائز، و روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن رجل زني بامرأة ثم تزوجها، فكرهته.