منذ سنتين

كيفية الاستفادة من الامام الغائب؟ ومدي انسجام هذه الفكرة مع عقيدة استحالة خلو الارض من حجة؟

كيف يقول الشيعة أنه يستحيل علي النبي أن يترك أمته سدي وهم الآن بدون إمام فعلي ، ولا يقال أننا نستفيد من المهدي في غيبته! لأننا نقول: كيف تتم هذه الإستفادة من المهدي وهو غائب لا يراه أحد ، أ ليس هذا هروب إلي الأمام؟


ان مسألة الامامة من المسائل التي وقع فيها الاختلاف بين الشيعة و السنة منذ الأيام الاولي لرحيل الرسول (ص)، و اذا رجعنا الي مدرسة الخلفاء في هذا المجال لا نراها تتفق علي منهج واحد أو رأي ثابت، ثم إنهم اختلفوا عملياً في هذه القضية، فمثلا نجد ابا بكر ينتخب بصورة معروفة وصفها عمر بانها فلتة وقي الله شرها، ثم (ابو بكر) يعهد إلي الخليفة الثاني من بعده، ثم نجد الخليفة الثاني يحصر الأمر في الشوري السداسية و حسب الشروط التي وضعها لهم و التي تم علي اثرها انتخاب عثمان للخلافة، و بعد مقتل عثمان تنثال الأمة لتنتخب علياً (ع) خليفة للمسلمين، و بعد ستة اشهر من استشهاده عليه السلام يتولي الأمور الطليق معاوية و يعتبر القوم ان هذا العمل شرعياً و انه خليفة و حاكم لا يجوز الخروج عليه. ثم تحولت الخلافة عندهم إلي وراثة إلي ان جاء الدور العباسي و لم يتغير من الأمر شي‏ء، و بقيت معضلة الخلافة تهز مضاجع المفكرين المسلمين من الاخوة اهل السنة، لأن التجارب تعددت و الطرق اختلفت فايها هو الشرعي و ايها اوصي به الرسول (ص) و اي هذه الطرق نهي عنه؟ تساؤولات كثيرة. في مقابل هذه النظرية كانت هناك النظرية الشيعية التي تري ان القضية تعبدية و انها خاصة بالرسول (ص) هو الذي يعيّن الخليفة من بعده، و قد مثل هذا الاتجاه من كبار الصحابة: سلمان الفارسي، و ابو ذر الغفاري، و عمار بن ياسر و المقداد، و ابو ايوب الانصاري و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، و ابو الهيثم بن التيهان معتمدين في ذلك علي ما ورد عن الرسول (ص) من الادلة، و نحن اذا رجعنا إلي الادلة في هذا الخصوص نراها كثيرة جداً يمكن ضبطها تحت العناوين التالية: 1ـ نصوص الولاية، 2ـ نصوص الخلافة، 3ـ نصوص الامامة، 4ـ نصوص الوصية، 5ـ نصوص الوراثة . و في كل هذه العناوين توجد آيات وردت في مصادر الاخوة مدرسة الخلفاء لسنا في صدد ذكرها هنا، لان الذي يهمنا هو ما يتعلق باستمرار الامامة الذي هو محل السؤال هناك طوائف متعددة من الروايات تشير إلي أن ظاهرة الإمامة مستمرة غير منقطعة، نقف عند بعضها: الطائفة الاولي: روايات حديث الثقلين: «هذا الحديث يكاد يكون متواتراً، بل هو متواتر، فعلا إذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة و السنة في مختلف الطبقات. و اختلاف بعض الرواة في زيادة النقل و نقيصته؛ تقتضيه طبيعة تعدد الواقعة التي صدر فيها، و نقل بعضهم له بالمعني، و موضع الالتقاء بين الرواة متواتر قطعاً. و حسب الحديث لئن يكون موضع اعتماد الباحثين، أن يكون من رواته، كل من صحيح مسلم و سنن الدرامي، و خصائص النسائي، و سنن أبي داود، و ابن ماجة، و مسند أحمد، و مستدرك الحاكم، و ذخائر الطبري، و حلية الأولياء، و كنز العمال، و غيرهم، و أن تعني بروايته كتب المفسرين أمثال الرازي، و الثعلبي، و النيسابوري، و الخازن، و ابن كثير و غيرهم. بالإضافة إلي الكثير من كتب التاريخ، و اللغة، و السير، و التراجم و ما أظن أن حديثا يملك من الشهرة ما يملكه هذا الحديث و قد أوصله بن حجر في الصواعق المحرقة إلي نيف و عشرين صحابيا. يقول في كتابه: (ثم اعلم ان لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف و عشرين صحابياً)[1] و في غاية المرام وصلت أحاديثه من طرق السنة إلي (39 حديثا) و من طرق الشيعة إلي (8 حديثا)[2] الطائفة الثانية: روايات «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة»: ورد مضمون هذا الحديث بعبارات مختلفة في كلمات الأعلام من الفريقين منهم الاسكافي المعتزلي في المعيار و الموازنة، و ابن قتيبة في عيون الأخبار، و اليعقوبي في تاريخه، و ابن عبد ربه في العقد الفريد، و أبو طالب المكي في قوت القلوب و البيهقي في المحاسن و المساوي‏ء و الخطيب البغدادي في تأريخه و غيرهم‏[3] يقول ابن أبي الحديد: «كي لا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالي علي عباده و مسيطر عليهم، و هذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية، إلا أن أصحابنا يحملونه علي أن المراد به الأبدال»[4] الطائفة الثالثة: روايات «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» أو ما يقرب من مضمونه، مثل: «من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أو «من مات و ليس عليه إمام فإن موتته موتة جاهلية» أو «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية». و تناقلت كتب الحديث السنية فضلا عن الموسوعات الحديثية الشيعية، هذا الحديث بألفاظ مختلفة، فقد نقله البخاري، و مسلم، و ابن حنبل، و ابن حبان، و الطبراني، و الحاكم النيسابوري، و أبو نعيم الإصفهاني، و ابن الأثير الجزري، و الطيالسي، و الدولابي، و البيهقي، و السرخسي، و ابن أبي الحديد، و النووي، و الذهبي، و ابن كثير، و التفتازاني، و الهيثمي، و المتقي الهندي، و ابن الربيع الشيباني، و القندوزي الحنفي و الإسكافي المعتزلي و غيرهم‏[5] و لابد من الإشارة هنا إلي نكتة و هي: قد يستشكل البعض علي جملة من هذه الروايات التي ترد في مثل هذه البحوث بأنها ضعيفة السند، إلا أن هذا الإشكال غير تام بحسب الموازين العلمية الثابتة في محلها، لأن هذه الروايات ليست هي آحاد، حتي يمكن الإشكال السندي فيها، و إنما هي من الكثرة بمكان، بنحو إما أن تكون متواترة، أو قريبة من ذلك، و من الواضح أنه في مثل هذه الحالة لا مجال للبحث السندي فيها، طبعا مع مراعاة الخصوصيات و العوامل الموضوعية و الذاتية التي أشار إليها استاذنا الشهيد الصدر (قدس سره) في نظرية حساب الاحتمالات، فإنه مع الأخذ بعين الاعتبار تلك العوامل، فلا ريب في حصول الاطمئنان للباحث المنصف في صدور كثير من هذه الأحاديث عن النبي الأكرم (ص) و أئمة أهل البيت عليهم السلام. بعد أن ثبت في البحث السابق أن الإمامة ظاهرة مستمرة غير متقطعة، نحاول في هذا البحث الوقوف علي أن الائمة هل ينحصر عددهم في حد معين أم لا؟ تبنّي أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام حصر عدد الأئمة بإثني عشر إماما، تبعا لما بين أيديهم من الروايات الصحيحة الدالة علي ذلك. ذكر المحقق آية ا... الصافي في كتابه القيم (منتخب الأثر) أن الروايات التي ذكرت أن الخلفاء من بعد النبي الأكرم (ص) هم إثنا عشر، قد تصل إلي ما يتجاوز (270 رواية) من طرق الفريقين.[6] و لعل العدد أكثر من ذلك بكثير، كما يقول في (معجم أحاديث الإمام المهدي) أن: (مصادر حديث أن الائمة بعد النبي (ص) إثنا عشر، و أنهم من قريش أو من أهل البيت عليهم السلام كثيرة، و قد أفرد لها بعضهم كتيباً خاصاً، و قد جمعناها فرأيناها تبلغ مجلداً كاملاً، لذلك اخترنا منها هذه النماذج فقط، و قد نوفق لإكمال تحقيقها من مصادر الفريقين و نشرها مستقلة.[7] و كنموذج علي ذلك فقد خرج مضمون هذا الحديث كل من، صحيح البخاري، و صحيح مسلم، و مسند احمد، و سنن الترمذي، و سنن أبي داود، و المعجم الكبير للطبراني و حلية الأولياء، و مستدرك الحاكم، و صحيح مسلم بشرح النووي، و مشكاة المصابيح، و السلسلة الصحيحة للألباني، و عون المعبود في شرح سنن أبي داود، و الصواعق المحرقة، و تاريخ الخلفاء، و كنز العمال، و غيرهم كثير.[8] و من هذه الروايات: أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (ص) يقول: «يكون إثنا عشر أميرا ـ فقال كلمة لم أسمعها ـ فقال أبي: أنه قال: كلهم من قريش»[9] و في صحيح مسلم عن رسول الله (ص): « لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش »[10] و يقول أحمد بن حنبل في مسنده عن مسروق، قال: كنا جلوس عند عبد الله بن مسعود و هو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن: هل سألتم رسول الله (ص) كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، و لقد سألنا رسول الله (ص)، فقال: « إثني عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل »[11] هذا بالإضافة إلي عشرات المصادر الشيعية. المحور الثالث: تعيين مصاديق الائمة: الواقع أن الأحاديث التي أشارت إلي أن الخلفاء اثنا عشر، عينت بنحو واضح، من هم أولئك الخلفاء؟ و هذا هو مقتضي القاعدة في المسألة، لأنه من الطبيعي عندما يصرح الرسول الأعظم (ص) بأن خلفاءه من بعده اثنا عشر، لا بد من أن يذكرهم مباشرة بعد السؤال علي الأقل، و هذا ما نجده واضحا في التراث الشيعي الذي تكلم عن هذه الحقيقة، و نحاول هنا الوقوف علي بعض النماذج من هذه الروايات الكثيرة في المقام. عن سلمان قال: قال رسول اللّه (ص): « الائمة بعدي إثنا عشر، ثم قال: كلهم من قريش، ثم يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين، ألا أنهم أعلم منكم فلا تعلموهم ألا إنهم عترتي و لحمي و دمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي »[12] و عن أبي ذر، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «من أحبني و أهل بيتي، كنا نحن و هو كهاتين، و أشار بالسبابة و الوسطي، ثم قال: أخي خير الأوصياء و سبطي خير الأسباط و سوف يخرج الله تبارك و تعالي من صلب الحسين أئمة أبرار، و منا مهدي هذه الأمة، قلت:يا رسول الله، و كم الائمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل»[13] و بسند آخر، عن أبي ذر، عن النبي (ص) في حديث طويل و فيه «...و بعلها سيد الوصيين و إبنيها الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة، و إنهما إمامان إن قاما أو قعدا و أبوهما خير منهما، و سوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الائمة معصومون قوامون بالقسط، و منا مهدي هذه الائمة قال: قلت: يا رسول الله فكم الائمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل»[14] و عن أيوب الأنصاري، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول : «أنا سيد الأنبياء، و علي سيد الأوصياء، و سبطاي خير الأسباط، و منا الائمة المعصومون من صلب الحسين، و منا مهدي هذه الائمة، فقام إليه إعرابي فقال: يا رسول الله كم الائمة من بعدك؟ قال: عدد الأسباط و حواري عيسي و نقباء بني إسرائيل» [15] و هذا الذي ذكرته الأحاديث ينسجم تماماً مع الخصوصيات الأربع التي استفدناها في البحث السابق، و هي أنهم إثنا عشر، و أنهم معينون بالنص و موجودون ما بقي الدين قائما، و كلهم من قريش [16] و بهذا تجد تلك الروايات تفسيرها الصحيح، بلا حاجة إلي ما تكلفه السيوطي و غيره في بيان المراد منها. بعد هذه المنظومة المترابطة و المنسجمة من الأحاديث لا مجال للانسان المسلم ألا الإذعان بها و قبولها، و بعد ذلك لا مجال للاستحسانات العقلية او بعبارة الاستبعادات الذوقية التي لا تقوم علي اساس. و في الختام نقول: إننا آمنا بذلك لانه ثبت لنا من حديث رسول الله (ص) و اما غيبته فهي من اسرار الله سبحانه و تعالي و حياته في غيبته سر لا يعلمه الا الله تعالي. ثم اننا نفهم الغيبة و الانتظار بمفهومها الايجابي لا السلبي، حيث نري اننا مسؤولون في الحضور في الساحة و في الدعوة إلي الاسلام و في مواجهة الاستكبار و المستكبرين، و ان نسجل حضورنا الاسلامي في كل موقع فيه للاسلام قضية و معركة فعندما نحضر من خلال فكره و فكر آبائه و فكر الاسلام و فكر القرآن فانه يكون حاضرا بحضورنا و سنكون الجنود العاملين في خط الرسالة فكأننا معه و كأنه معنا فهل هناك فائدة اكثر من هذه الفائدة التي تكون الأمة دائما متهيئة و مستعدة للقيام و النهوض بمسؤولياتها؟! ثم من قال ان الغائب لا فائدة منه للمجتمع، الم نراجع القرآن الكريم ليتحدث لنا عن شخصية خفية غير معلومة و لكنها تمارس اعمالا تعود فائدتها علي الامة و ذلك في قضية موسي (ع) مع العبد الصالح، انظر في ذلك سورة الكهف الآية 60 إلي .82 خلاصة الجواب: 1ـ إذا ثبت بالادلة القطعية وجوده عليه السلام و غيبته، يجب علينا التعبد بذلك و الابتعاد عن الاستبعادات الذوقية، فاننا عندما ثبت عندنا وجوب الصلاة لم يحق لنا البحث عن اسباب كون صلاة الصبح ركعتين و صلاة الظهر اربع. 2ـ عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدل علي عدم كونه مفيداً في زمن غيبته. 3ـ ان الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الامور و عدم الاستفادة من وجوده، فهذا صاحب موسي كان ولياً لجأ اليه اكبر انبياء الله في عصره. 4ـ المسلم هو عدم امكان وصول عموم الناس اليه في غيبته، و اما عدم وصول الخواص اليه فليس بأمر مُسلم. 5ـ ان الامام يتصرف من خلال النواب الخاصين في زمن الغيبة الصغري، و النيابة العامة نيابة الفقهاء ـ في الغيبة الكبري.