منذ سنتين

هل صحيح ما نسب الي رسول الله (ص) انه قال عند ولادة الامام الحسين(ع): لا حاجة لي بمولود تقتله امتي من بعدي؟

روي الكليني في اصول الكافي:" ان جبريل نزل علي محمد (ص) فقال له: يا محمد ان الله يبشرك بمولود يولد من فاطمه تقتله امتك من بعدك . فقال :يا جبريل وعلي ربي السلام لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمه تقتله امتي من بعدي .فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك : يا جبريل وعلي ربي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي فعرج جبريل الي السماء ثم هبط فقال : يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويبشرك بانه جاعل في ذريته الامامه والولاية والوصاية. فقال: اني رضيت. ثم ارسل الي فاطمه ان الله يبشرني بمولود يولد لك تقتله امتي من بعدي . فارسلت اليه ان لا حاجة لي في مولود تقتله امتك من بعدك. فارسل اليها: ان الله عز وجل جعل في ذريته الامامة والولاية والوصاية. فارسلت اليه:اني رضيت فحملته كرها ووضعته كرها ولم يرضع الحسين من فاطمه (ع) ولا من انثي كان يؤتي للنبي) ص) فيضع ابهامه في فيه فيمص ما يكفيه اليومين والثلاثة. ايضا في المناقب ص 50 لابن قولويه، وايضا في كامل الزيارات ص56 وايضا في تاويل الايات ص 563 . يقول صديقي المستشكل: وهل كان رسول الله يرد امراً الهيا بشره الله به وهل ترد السيده الطاهره المطهره بشري ربها ؟


ان الاجابة عن هذا السوال تستدعي تقديم مقدمة و هي: اننا نحن الشيعة لا نعتقد بوجود كتاب صحيح في كتب الحديث و غيرها، بمعني ان أي كتاب كان نخضع رواياته للدراسة و الموازنة سنداً و دلالة و كتاب الكافي و ان كان من الكتب الأساسية عندنا الا ان هذا لا يعني ان جميع ما جاء في كتاب الكافي صحيح لا مناقشة فيه. و الرواية المذكورة التي جاءت في كتاب الكافي حكمها حكم أي رواية اخري تخضع هي ايضاً للدراسة السندية و الدلالية. و نحن اذا رجعنا الي الرواية في الكافي نجدها تعبر عن السند بما يلي: ... عن محمد بن عمرو الزيات عن رجل من اصحابنا عن ابي عبد الله عليه السلام... و نحن اذا نظرنا الي عبارة (عن رجل) نعلم ان الرواية نقلت بسند لا يمكن الاعتماد عليه لماذا؟ لأننا لا نعلم من هو هذا الرجل الذي نقل عنه محمد بن عمرو الزيات. و اما سند كامل الزيارات ففيه (عن ابي سلمة سالم بن عكرمة) يقول العلامة الحلي في كتاب الخلاصة بحقه: و الوجه التوقف فيما يرويه لتعارض الاقوال فيه، و الكشي يعتبره من اصحاب ابي الخطاب (المغالي) ثم تاب بعد ذلك، و لعل هذه الرواية قبل توبته. فاذاً الرواية من ناحية السند لا يمكن الركون اليها. و اما من ناحية الدلالة فنحن عندنا قاعدة تقول (كلما عارض كتاب الله فهو زخرف) و بتعبير آخر ( كل حديث خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار ) بمعني ان الرواية اذا خالفت القرآن الكريم يجب اجتنابها و ردها، و نحن اذا رجعنا الي القرآن الكريم لنعرف منزلتهم و سماتهم، فمن سماتهم الواضحة: .1 ابتغاء مرضاة الله: الإنسان الكامل، هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلا ابتغاء مرضاة الله تبارك و تعالي فيصل في سلوكه و رياضاته الدينية إلي مكان تفني فيه كل الدوافع و الحوافز إلا داع واحد و هو طلب رضا الله تبارك و تعالي، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني، و ربما يبلغ إلانسان في ظل الرضا درجة لا يتمني وقوع ما لم يقع، أو عدم ما وقع، وممن يمثل ذلك المقام في الأمة الإسلامية هو إمام العارفين و سيد المتقين علي أميرالمؤمنين (ع) فهو في عامة مواقفه، في جهاده و نضاله، و عزلته و قعوده في بيته، و في تسنمه منصة الخلافة بإصرار من الأمة، فهو في كل هذه الأحوال و المواقف لا هم له إلا طلب رضوانه تعالي. و قد صرح الامام بذلك عندما طلب منه تسلم مقاليد الخلافة، فقال: « أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لولا حضور الحاضر، و قيام الحجة بوجود الناصر، و ما أخذ الله علي العلماء ألا يقاروا علي كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها علي غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز »[1] و قد تجلت هذه الخصلة في علي (ع) حين مبيته في فراش النبي (ص). روي المحدثون أن رسول الله (ص) لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة لقضاء ديونه و رد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلي الغار و قد أحاط المشركون بالدار أن ينام علي فراشه. فأنزل الله تعالي علي رسوله (ص) و هو متوجه الي المدينة في شأن علي بن ابي طالب (ع) ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّه‏ )[2] و قد نقل غير واحد نزول الآية في حق علي عليه السلام. وقال ابن عباس: أنشدني أميرالمؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة: وقيت بنفسي خير من وطي‏ء الحصا***و أكرم خلق طاف بالبيت و الحجر وبتّ أُراعي منهم ما يسوءني***و قد صبّرت نفسي علي القتل والأسر و بات رسول الله في الغار آمناً***و ما زال في حفظ إلآله و في الستر[3] و إلي هذه الفضيلة الرابية و غيرها يشير حسان بن ثابت في شعره عند مدح علي (ع): من ذا بخاتمه تصدق راكعا***وأسرها في نفسه إسرارا من كان بات علي فراش محمد***و محمد اسري يؤم الغارا من كان في القرآن سمي***في تسع آيات تلين غزارا[4] .2 و من سماتهم عليهم السلام: (الايثار): إنه سبحانه تبارك و تعالي وصف الأيثار في كتابه الكريم، و هو من صفات الكرام حيث يقدمون الغير علي أنفسهم، يقول سبحانه في وصف الأنصار: ( وَ الَّذينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ في‏ صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلي‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون‏) [5]  كما أنه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر، قال سبحانه: ( وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُه‏ )[6]  و قال سبحانه: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُم‏ )[7]  و في الوقت نفسه ندب إلي الخوف من عذابه، يقول سبحانه: (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصار ...)[8] و قال سبحانه: « وَ الَّذينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِساب‏» [9] ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلي بها أولياءه سبحانه و نجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيت عليهم السلام في سورة واحدة يقول سبحانه:« يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيرا* وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلي‏ حُبِّهِ مِسْكينا. ..)[10] فقوله سبحانه: ( ويطعمون الطعام علي حبه ) إشارة إلي إيثارهم الغير علي أنفسهم، و الضمير في (علي حبه) يرجع إلي الطعام أي أنهم مع حبهم للطعام قدموا المسكين علي أنفسهم، كما أن قوله: (يوفون بالنذر...) إشارة إلي صلابتهم في طريق إقامة الفرائض: ثم قوله: (و يخافون يوماً) إشارة إلي خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة. و قد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلهم، إن الايات نزلت في حق أهل البيت عليهم السلام . روي عن ابن عباس (رض) أن الحسن و الحسين عليهم السلام مرضا فعادهما رسول الله (ص) في أناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت علي ولدك فنذر علي و فاطمة و فضة جارية لهما، إن شفاهما الله تعالي أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا و ما معهم شي‏ء فاستقرض علي (ع) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً و اختبزت خمسة أقراص علي عددهم و وضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه و باتوا و لم يذوقوا إلا الماء و أصبحوا صائمين. فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي (ع) بيد الحسن و الحسين (عليهما السلام) و دخلوا علي الرسول (ص) فلما أبصرهم، و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشد ما يسوءني ما أري بكم، و قام فانطلق معهم فرأي فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها فساءه ذلك. فنزل جبرئيل عليه السلام و قال:" خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة" . روي السيوطي في الدر المنثور، و قال: اخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: ( ويطعمون الطعام علي حبه ) الآية، قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب و فاطمة بنت رسول الله (ص).[11] و رواه الثعلبي في تفسيره، و قال: نزلت في علي بن أبي طالب و فاطمة عليهم السلام و في جاريتهما فضة، ثم ذكر القصة علي النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة. و قال: و ذهب محمد بن علي صاحب الغزالي علي ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف ب «البلغة» انهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام، و حديث المائدة و نزولها عليهم السلام في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب.‏[12] و قد سرد بسبب نزول هذه الآية في حق أهل البيت عليهم السلام غير واحد من أئمة الحديث. [13].[14] ولاشك ان هذه السمات والخصال انما هي ثمرة من ثمار محمد بن عبد الله صلي الله عليه واله وسلم ،رسول الانسانية وحبيب ربَ العالمين الذي شهدت له السماء بالخلق السامي الذي لايدانيه في احد من الناس مهما كان حيث قال تعالي:( وَ إِنَّكَ لَعَلي‏ خُلُقٍ عَظيمٍ )[15]. فبعد هذه الشهادات الإلهية لا يصح التمسك برواية مخالفة لذلك حتي اذا صح سندها فكيف اذا كانت الرواية بنفسها ضعيفة؟!!

1