منذ سنتين

حسن الاعمال وقبحها عقلي ام شرعي

في موضوع الحسن والقبح يعقب صديقي قائلا: واما وصف الافعال بالقبح والحسن فاننا لا ننكر ان العقل يقبح ويحسن بعض الامور، كن لا مدخليه له في تقبيح افعال يترتب عليها حساب وتحسينها التي هي محل التكليف الشرعي، بل الشرع هو الذي يحسن ويقبح الافعال ابتداء دون مدخليه للعقل فيها، و الا فكيف تفرون من اباحة شرب الخمر ثم تحريمها؟ واين العقل من هذا؟ وكذلك اباحة زواج الاخت في الشرائع السابقه؟


احببت ان اضيف اليك شيئا مما كتبه الشيخ محمد جواد مغنية عن هذا الموضوع في كتابه معالم الفلسفة الاسلامية ليتضح الامر انشاء الله. قال الشيخ مغنية: فإن صفة الحسن و القبح تطلق علي انواع ثلاثة: 1- صفة الكمال و النقص، فالعلم حسن لانه كمال، و الجهل قبيح لانه نقص. 2- ملاءمة الغرض و منافرته، فالصحة حسنة لانها تتفق مع ما نريد، و المرض قبيح لانه يتنافي مع هدفنا. 3- ان يناط قبح الفعل باستحقاق فاعله العقاب و الذم، ويناط حسنه بعدم استحقاقه عذاباً و ذماً، و الاولان موضع وفاق علي ان الحكم فيهما بالحسن و القبح عقلي، لا يحتاج الي الشرح ووقع النزاع بالمعني الاخير، و هو: أن افعال الناس التي تقوم بها في كل يوم هل يحكم العقل بأن منها حسن و منها قبيح؟ او انه لا شي‏ء من الافعال يتصف بحسن و قبح في نظر العقل و ان الحكم بحسن شي‏ء يتوقف علي امر الشارع به، و الحكم بقبحه يحتاج الي نهيه عنه؟ قال الاشاعرة: ان الفعل في نفسه، و بصرف النظر عن الشرع لا يقتضي حسناً و لا قبحاً، لا خيراً و لا شراً، لا حقاً و لا باطلاً ولا مسؤولية علي فاعله لا مدح و لا ذم و لا شي‏ء ابداً ـ عدا ما أستثني في الصورتين ـ مهما كان نوعه، و إنما الحسن ما أسقط الشرع العقاب عن فاعله، و القبيح ما علق العقاب بفعله، و بالتالي فكل ما أمر به الشرع فهو حسن و كل ما نهي عنه الشرع فهو قبيح و لا دخل للعقل في شي‏ء من ذلك، ولو أمر الشرع بما نهي عنه لصار حسناً، واستدلوا أن الافعال كلها نوع واحد ليس شي‏ء منها في نفسه يقتضي مدح فاعله و ثوابه و لا ذمه و عقابه و إنما صارت كذلك بواسطة أمر الشرع و نهيه. و قال المعتزلة و الامامية: ان الافعال منها ما هو حسن بحكم العقل لا بأعتبار حكم الشارع، كالصدق النافع و ما إليه، و منها ما هو قبيح كذلك، كالكذب الضار، و منها ما لا يستقل العقل بالحكم عليه سلباً او إيجاباً، فنحتاج حينئذ الي الشرع، كوجوب الوفاء بعقد البيع، واكل لحم الميتة، و ما كان من النوع الاول يسمي بالحسن او القبح العقلي، و النوع الثاني ينعتونه بالشرعي، وقد حددوا الحسن العقلي بان فاعله لا يستحق الذم، و القبيح العقلي هو الذي يستحق فاعله الذم، اما الحسن الشرعي فهو الذي لا يستحق فاعله العقاب، و عليه: يندرج تحت الحسن (الواجب، و المندوب و المباح و المكروه)، اذ لا عقاب علي شي‏ء منها و لا ذم، اما القبيح فينحصر بالحرام فقط. و نحن نقول: فاذا كان هذا هو مقصود صديقك الاشعري من ان بعض الافعال يدرك العقل حسنها فلا كلام. و هو غير كلام الاشعري المار الذكر. و أما اذا كان غير ذلك. و لعله يعود الي الاختلاف علي المصاديق من ان هذا الفعل مما يدرك حسنه العقل أو لا يدرك حسنه العقل. و هذا غير انكار قدرة العقل ان يستقل بمعرفة أمور حسنة و اخري قبيحة. و في خصوص الزواج بالاخوات ننقل لك شيئاً مما كتبه العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان [1] ، فقال: و من المعلوم ان إنحصار مبدأ النسل في آدم و زوجته يقضي بزواج بنيهما من بناتهما، و أما الحكم بحرمته في الاسلام و كذا في الشرائع السابقة عليه علي ما يحكي فأنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح و المفاسد لا تكويني غير قابل للتغيير، و زمامه بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد فمن الجائز ان يبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ذلك ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة واستيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع. و القول بأنه علي خلاف الفطرة، و ما شرعه الله لانبيائه دين فطري، قال تعالي: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي‏ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏) [2] فاسد، فأن الفطرة لا تنفيه و لا تدعو خلافه من جهة تنفرها عن هذا النوع من المباشرة (مباشرة الاخ الاخت) و إنما تبغضه و تنفيه من جهة تأديته الي شيوع الفحشاء و المنكر و بطلان غريزة العفة بذلك و ارتفاعها عن المجتمع الانساني، و إنما و من المعلوم أن هذا النوع من التماس و المباشرة انما ينطبق عليه عنوان الفجور و الفحشاء في المجتمع العالمي اليوم، و أما المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق الله سبحانه إلا الاخوة و الاخوات و المشيئة الالهية متعلقة بتكثرهم و انبثاثهم فلا ينطبق عليه هذا العنوان و الدليل علي أن الفطرة لا تنفيه من جهة النفرة الغريزية تداوله بين المجوس اعصاراً طويلة «علي ما يقصه التاريخ» و شيوعه قانوناً في روسيا و كذا شيوعه سفاحاً من غير طريق الزواج القانوني في اورپا. و ربما يقال[3] أنه مخالف للقوانين الطبيعية و هي التي تجري في الانسان قبل عقده المجتمع الصالح لاسعاده، فإن الاختلاط و الاستيناس في المجتمع المنزلي يبطل غريزة التعشق والميل الغريزي بين الاخوة و الاخوات كما ذكره بعض علماء الحقوق. و فيه انه ممنوع كما تقدم أولاً، و مقصور في صورة عدم الحاجة الضرورية ثانياً و مخصوص بما لا تكون القوانين الوضعية غير الطبيعية حافظة للصلاح الواجب الحفظ في المجتمع، و متكفلة لسعادة المجتمعين و إلا فمعظم القوانين المعمولة و الاصول الدائرة في الحياة اليوم غير طبيعية [4]. اذن لا يدخل هذا في كون العقل حكم بقبحه او حسنه و جاء الشارع بخلافه و كأن السيد الطباطبائي يدخل هذه المسألة في باب المصالح و المفاسد التي يحددها الشارع و ليس العقل. و أما الخمر فبعد أن كانت متفشية في الجاهلية فأقتضت الحكمة الالهية أن لا يحرم الخمر دفعة واحدة و إنما جاء تحريمها بشكل تدريجي لمصلحة الدعوة الاسلامية فبدأ يعد المجتمع لهذا التحريم فأول ما نزل في شأن الخمر كما هو[5] قوله تعالي « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إِثْمٌ كَبيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» [6] فامتنع بذلك جماعة من الناس و صار الحديث بينهم حول تركها. فجاءت الاية الاخري لتشجع الناس علي تركها فحرمتها في حالات معينة كما هو[7] في قوله تعالي: « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري‏ حَتَّي تَعْلَمُوا ما تَقُولُون‏» [8] و لما صار هناك استعداد نفسي للمجتمع لقبول التحريم جاءت الاية المباركة[9] لتعلن تحريم الخمر في سياق تحريم الفواحش فقال تعالي: « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْم‏» [10] ثم جاءت مجموعة من الآيات لتشدد في تحريم الخمر و تدعو الي مقاطعته ثم تبين مضاره، كما هو الحال في الآيات الواردة[11] : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون‏ * إِنَّما يُريدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون ‏». ولمزيد الاطلاع راجع التفاسير في خصوص هذه الآيات، و ليس معني ذلك ان شرب الخمر كان حسناً و صار قبيحاً بنهي الشارع ،و إنما مصلحة المجتمع و الدعوة الأسلامية اقتضت تهيئة المجتمع قبل إعلان تحريمه و بيان مضاره.