منذ 3 سنوات

الجانب الأخلاقي في تفسير قوله تعالي: (لا تمدن عينيك …) في آيتين كريمتين من الذكر الحكيم

في الواقع لدي استفسار عن معني وتفسير آيتين من كتاب الله المجيد وعن سبب نزولهما: الآية الأولي هي (وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُم زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقي‏) الآية الثانية هي قوله تعالي: ( لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَي مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) .


 ان كثيرا من الآيات التي يكون المخاطب بها الرسول (ص) لا تعني بالضرورة شخص الرسول (ص)، يقول صاحب تفسير الامثل في تفسيره للآيات المذكورة في سورة طه: لقد أصدرت في هذه الآيات أوامر و توجيهات للنبي، و المراد منها و المخاطب فيها عموم المسلمين و هي تتمة للبحث الذي قرأناه آنفا حول الصبر و التحمل. فتقول أولا: ( وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُم ‏) فإن هذه النعم المتزلزلة الزائلة ما هي إلا ( زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) تلك الأزهار التي تقطع بسرعة و تذبل و تتناثر علي الارض، و لا تبقي إلا أياما معدودات. في الوقت الذي أمددناهم بها « لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقي‏ » فإن الله سبحانه وهب لك مواهب و نعما متنوعة، فأعطاك الإيمان و الإسلام، و القرآن و الآيات الإلهية، و الرزق الحلال الطاهر، و أخيراً نعم الآخرة الخالدة، هذه الهبات و العطايا المستمرة الدائمة. فاذا عرفنا ان الآيات المذكورة خاطبت الرسول (ص) و المقصود منها المسلمون لتخلق عندهم حالة من القناعة بقسمة الله و نعمته لانه قد يغفل القلب فيستغرق في الأجواء المحيطة به، وقد يسرح البصر فينشغل بالزخارف و المباهج التي تمتد أمامه، فتتحرك العينان في قلبه، و في وجهه.لتتلهيا بما أغدقه الله علي هؤلاء الطغاة أو غيرهم، من مال و جاه و بنين و شهوات يؤدي إلي الانبهار بالدنيا المحيطة بهم، و المتحركة في أوساطهم، فيتمني الإنسان لنفسه ما قسمه الله لغيره، و يشعر بالحسرة إذا لم يحصل علي ما حصلوا عليه فيندفع للاعتداء علي الآخرين بهدف الحصول علي ما يريد ولو بطريقة غير شرعية، فينحرف عن الخط المستقيم و ينزلق الي مهاوي الدنيا و مغرياتها، و لكن الدنيا زائلة مهما كبرت و اتسعت و امتدت، لأن زخارفها زينة ليس إلا، و هي لا ترفع شأنا و لا تضع وزراً، بل هي شي‏ء يحلو للنظر فينبهر به، أو هي شي‏ء يتوهج و يشتعل و يلتهب، ثم يخبو تدريجيا و يتحول إلي رماد، و لهذا فإن علي الانسان المؤمن ألا يتعلق بها إن أقبلت أو يتحسر عليها إن أدبرت بل يراها علي حقيقتها كظاهرة طارئة فانية مستهلكة زائلة، وزعها الله علي عباده تبعا لحكمته و بحسب مقادير الاشياء في الكون علي كل المستويات. و ممن تعرض لتفسير الآية بصورة واضحة و دقيقة صاحب تفسير الفرقان حيث قال: « وَ لا تَمُدَّنَّ ... المزیدمنهم ْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقي‏ * . وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوي‏) [1] تري الرسول قد يمد عينيه الي ما متعوا به رغبة فيه و طلبا له و هو اعبد العابدين و ازهد الزاهدين؟ كلا! و مد العينين هنا قد يعني استعجابا من متاعهم او استعظاما لما أوتوا و هم كافرون، لا! « أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنين‏* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُون‏ ) [2] و الرسول لم يكن ليمد عينيه بأي مد، رغبة او استعظاما، و النهي لا يدل علي اتراف سابق، فقد يكون تأكيداً لاستمرار الترك و ليعلم الناس انه ترك مفروض فيتبعوه في تركه. اقصر نظرك علي ما آتيناك ( وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُريدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُريدُ زينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [3] ف « ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقي‏» .... « و العاقبة للتقوي » فلا يمدن اليهم و متاعهم نظرة اهتمام، او نظرة استجمال او تمن علي أية حال، فانه شي‏ء زائل باطل، و هو معه الحق الباقي « سَبْعاً مِنَ الْمَثاني‏ وَ الْقُرْآنَ الْعَظيم‏ »![4] و ليس القصد هنا اقتناع المحرومين بحرمانهم دون تعرض للمتمتعين، حين تختل الموازين الجماعية و ينقسم المجتمع الي حارمين و محرومين! و انما القصد الي معني خاص في ذلك السياق: بمكة التقية للحفاظ علي كيان الدعوة و الداعية و المؤمنين، و الموازنة بين الحق الكبير و العطاء العظيم الذي أوتيه الرسول (ص) و المتعة الصغيرة الحقيرة التي أوتوها! و من ثم في المدينة القوة، يتصدي لهم كما يجب، و دون طمع في مال او منال علي أية حال ! . و هنا « ازواجا منهم » تقصر متاع الحياة علي بعض الكفار دون بعض، و الازواج الممتعون أعم من ازواج الجنس ذكرا و انثي، ام ازواج الاقتصاد، او العقيدة كسائر الكفار فانهم ازواج فالكفر ملة واحدة و «متعنا به» هي « زهرة الحياة الدنيا » من اعوان و بنين، ام دولة المال او دولة الحال، ام اية زهرة دنيوية فانية، و ذلك عزاء الله لرسوله العظيم و علي حد قوله  صلي الله عليه و آله و سلم: «من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه علي الدنيا حسرات، و من رمي ببصره الي ما في يدي غيره كثر همه و لم يشف غيظه، و من لم يعلم ان لله عليه نعمة إلا في مطعم او ملبس فقد قصر عمره و دنا عذابه، و من اصبح علي الدنيا حزينا اصبح علي الله ساخطا ....» «و كان (ص) لا ينظر الي ما يستحسن من الدنيا» [5] - [6] - [7]