الجانب الأخلاقي في تفسير قوله تعالي: (لا تمدن عينيك …) في آيتين كريمتين من الذكر الحكيم
في الواقع لدي استفسار عن معني وتفسير آيتين من كتاب الله المجيد وعن سبب نزولهما: الآية الأولي هي (وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُم زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقي) الآية الثانية هي قوله تعالي: ( لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَي مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) .
ان كثيرا من الآيات التي يكون المخاطب بها الرسول (ص) لا تعني بالضرورة شخص الرسول (ص)، يقول صاحب تفسير الامثل في تفسيره للآيات المذكورة في سورة طه:
لقد أصدرت في هذه الآيات أوامر و توجيهات للنبي، و المراد منها و المخاطب فيها عموم المسلمين و هي تتمة للبحث الذي قرأناه آنفا حول الصبر و التحمل.
فتقول أولا: ( وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُم ) فإن هذه النعم المتزلزلة الزائلة ما هي إلا ( زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) تلك الأزهار التي تقطع بسرعة و تذبل و تتناثر علي الارض، و لا تبقي إلا أياما معدودات.
في الوقت الذي أمددناهم بها « لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقي » فإن الله سبحانه وهب لك مواهب و نعما متنوعة، فأعطاك الإيمان و الإسلام، و القرآن و الآيات الإلهية، و الرزق الحلال الطاهر، و أخيراً نعم الآخرة الخالدة، هذه الهبات و العطايا المستمرة الدائمة.
فاذا عرفنا ان الآيات المذكورة خاطبت الرسول (ص) و المقصود منها المسلمون لتخلق عندهم حالة من القناعة بقسمة الله و نعمته لانه قد يغفل القلب فيستغرق في الأجواء المحيطة به، وقد يسرح البصر فينشغل بالزخارف و المباهج التي تمتد أمامه، فتتحرك العينان في قلبه، و في وجهه.لتتلهيا بما أغدقه الله علي هؤلاء الطغاة أو غيرهم، من مال و جاه و بنين و شهوات يؤدي إلي الانبهار بالدنيا المحيطة بهم، و المتحركة في أوساطهم، فيتمني الإنسان لنفسه ما قسمه الله لغيره، و يشعر بالحسرة إذا لم يحصل علي ما حصلوا عليه فيندفع للاعتداء علي الآخرين بهدف الحصول علي ما يريد ولو بطريقة غير شرعية، فينحرف عن الخط المستقيم و ينزلق الي مهاوي الدنيا و مغرياتها، و لكن الدنيا زائلة مهما كبرت و اتسعت و امتدت، لأن زخارفها زينة ليس إلا، و هي لا ترفع شأنا و لا تضع وزراً، بل هي شيء يحلو للنظر فينبهر به، أو هي شيء يتوهج و يشتعل و يلتهب، ثم يخبو تدريجيا و يتحول إلي رماد، و لهذا فإن علي الانسان المؤمن ألا يتعلق بها إن أقبلت أو يتحسر عليها إن أدبرت بل يراها علي حقيقتها كظاهرة طارئة فانية مستهلكة زائلة، وزعها الله علي عباده تبعا لحكمته و بحسب مقادير الاشياء في الكون علي كل المستويات.
و ممن تعرض لتفسير الآية بصورة واضحة و دقيقة صاحب تفسير الفرقان حيث قال: « وَ لا تَمُدَّنَّ