منذ 3 سنوات

زواج ابناء آدم

بمن تزوج قابيل وهابيل؟ هل بأخواتهم كما يقول السنة؟


ان مسألة كيفية تناسل أولاد آدم قد وقع فيها الخلاف بين المفسرين فمنهم من ذهب إلي زواج الاخوة من الأخوات، و منهم من ذهب إلي نفي هذا الرأي، و نحن نذكر لكم هنا بعض الاقوال في هذه المسألة: أولا: ـ العلامة الطباطبائي: في تفسيره لقوله تعالي: (وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَ نِساء) [1] يقول: و ظاهر الآية أن النسل الموجود من الإنسان ينتهي إلي آدم و زوجته من غير أن يشاركهما فيه غيرهما، حيث قال: ( وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَ نِساء ) و لم يقل: منهما و من غيرهما ».[2] و يري صاحب تفسير (الميزان) أنه يتفرع علي ذلك أمران: أحدهما: إن المراد بقوله: (رِجالاً كَثيراً وَ نِساء) أفراد البشر من ذريتهما، بلا واسطة أو مع واسطة. ثانيهما: إن الازدواج في الطبقة الأولي بعد آدم و زوجته، أعني في أولادهما بلا واسطة إنما وقع بين الإخوة و الأخوات (ازدواج البنين و البنات) إذ الذكور و الاناث منحصرون فيهم يومئذ. و يردّ العلاّمة الطباطبائي علي الذين يعتبرون هذه المقولة خاطئة بقوله: و لا ضير فيه، فإنه حكم تشريعي راجع إلي الله سبحانه، فله أن يبيحه يوما و يحرمه آخر، قال تعالي: « وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه‏» [3]، و قال: « إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّه‏» [4]، و قال: « ٍّ وَ لا يُشْرِكُ في‏ حُكْمِهِ أَحَدا» [5]. و يعقد العلامة في ميزانه بحثا مستقلا بعنوان: (كلام في تناسل الطبقة الثانية من الانسان) يؤكد فيه علي النقاط التالية: اولا: ظاهر إطلاق الآية يدلّ عليه. ظاهر إطلاق قوله تعالي: « وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَ نِساء » يدل علي أنّ النّسل الموجود في الانسان إنما ينتهي إلي آدم و زوجته، من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثي، و لم يذكر القرآن للبثّ إلا إيّاهما، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال: و بث منهما و من غيرهما، أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللفظ و من المعلوم أن انحصار مبدأ النسل في آدم و زوجته يقضي بازدواجٍ بينهما من بناتهما». ثانياً: الضرورة تستدعيه: و أما الحكم بحرمته في الاسلام، و كذا في الشرائع السابقة عليه علي ما يُحكي، فإنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح و المفاسد لا تكويني غير قابل للتغيير، و زمامه بيد الله سبحانه يفعل ما يشآء و يحكم ما يريد، فمن الجائز أن يبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ذلك ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة و استيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع. ثالثاً: الفطرة لا تنفيه: و القول بأنه علي خلاف الفطرة، و ما شرعه الله لأنبيائه دينٌ فطري، قال تعالي: « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي‏ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » [6] (قول فاسد) لماذا؟ لأن «الفطرة لا تنفيه و لا تدعو إلي خلافه من جهة تنفرها عن هذا النوع المباشر (مباشرة الأخ الأخت) و إنما تبغضه و تنفيه من جهة تأديته إلي شيوع الفحشاء و المنكر و بطلان غريزة العفّة بذلك و ارتفاعها عن المجتمع الانساني». رابعاً: عدم انطباق الفجور عليه: و من المعلوم أنّ هذا النوع من التماس و المباشرة إنما ينطبق عليه عنوان الفجور و الفحشاء في المجتمع العالمي اليوم، و أمّا المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق الله سبحانه إلا الإخوة و الأخوات، و المشيّة الالهية متعلقة بتكثرهم و انبثاثهم، فلا ينطبق عليه هذا العنوان»[7] {[8] . خامساً: تعارض الروايات فيه: في بحثه الروائي يري العلامة الطباطبائي ان الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام متعارضة في هذه المسألة فمنها ما يصرح بزواج الإخوة بالأخوات من أبناء آدم، و منها ما يقول بنزول الحور و الجان، و أن ما يوافق ظاهر الكتاب هو الرأي الأول، و لهذا يأتي برواية «الاحتجاج» عن الامام السجاد عليه السلام في حديث له مع القرشي الذي يندهش حينما يسمع بمقولة التزويج، فخاطب الامام بكل استغراب: فهذا فعل المجوس اليوم؟!! فيجيب الامام السجاد عليه السلام: " إنّ المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، لا تُنكر هذا، إنما هي شرائع الله جرت، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك " و يعقب العلامة الطباطبائي علي هذه الرواية قائلا: «هذا الذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب و الاعتبار، و هناك روايات أخر تعارضها، و هي تدل علي أنهم تزوجوا بمن نزل إليهم من الحور و الجان، و قد عرفت الحق في ذلك» [9]. ثانيا: الشيخ الطوسي:أكثر المفسرين مع مقولة التزويج‏: و قد ذكر الشيخ الطوسي ـ و هو من أعلام التفسير في القرن الخامس الهجري في تفسير (التبيان) قصة القربان، و أنّ سببه كان رفض قابيل للزواج من توأمة أخيه هابيل، و إصراره علي أن يتزوج توأمته. و نسب تلك القصة إلي أكثر المفسرين. ثالثا: ـ الشيخ الطبرسي: التزويج بأمر الله تعالي: يروي العلامة الطبرسي ـ و هو من أعلام التفسير في القرن السادس الهجري ـ قصة القربان، و أن سببه كان رفض قابيل للزواج من توأمة أخيه هابيل، و إصراره علي أن يتزوج توأمته، حيث «أمر الله تعالي أن ينكح آدم قابيل أخت هابيل و هابيل أخت قابيل»، ثم يقول الطبرسي في نهاية القصة: «رُويَ ذلك عن أبي جعفر الباقر (ع) و غيره من المفسرين». و لم يرفض العلامة الطبرسي هذه الرواية، بل يظهر منه قبولها. [10] . رابعا: السيد الخوئي: لا محذور في الحكم‏: سئل المرجع الراحل السيد الخوئي (قدس سره): «هل تزوج ابنا آدم من أخواتهما أم حورية و جنية؟». فأجاب: «الأخبار الواردة في ذلك مختلفة و لا محذور ـ فيما لو صدقت ـ إن كان بالأخوات لإمكان أنها لم تكن محرمة في شرع آدم علي الاخوة» و قد وافقه علي هذا الجواب تلميذه الشيخ جواد التبريزي (حفظه الله)، [11]. خامسا: مكارم الشيرازي: تحت عنوان كيف كان زواج أبناء آدم؟ يري صاحب تفسير (الأمثل) أن قوله تعالي: (و بث منهما رجالا كثيرا و نساء) يستفاد منه أن: انتشار نسل آدم و تكاثره قد تمّ عن طريق آدم و حوّاء فقط، أي بدون أن يكون لموجود ثالث أي دخالة في ذلك. و بعبارة اخري: أن النسل البشري الموجود إنما ينتهي إلي آدم و زوجته من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو انثي. و هذا يستلزم أن يكون أبناء آدم (أخوة و أخوات) قد تزاوجوا فيما بينهم، لأنه إذا تمّ تكثير النسل البشري عن طريق تزوّجهم بغيرهم لم يصدق و لم يصح قوله: (منهما) و قد ورد هذا الموضوع في أحاديث متعددة أيضا، و لا داعي للتعجب و الإستغراب، إذ طبقاً للإستدلال الذي جاء في طائفة من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام أن هذا النوع من الزواج كان مباحا، حيث لم يرد بعد حكم بحرمة (تزوج الأخ بأخته) و من البديهي أن حرمة شي‏ء تتوقف علي تحريم الله سبحانه له». و يتساءل صاحب تفسير الأمثل قائلا: «فما الذي يمنع من أن توجب الضرورات الملحّة و المصالح المعيّنة أن يبيح شيئا في زمان، و يحرّمه بعد ذلك في زمن آخر؟». «غير أنه قد صرح في أحاديث اخري بأنّ ابناء آدم لم يتزوّجوا بأخواتهم، و تحمل بشدّة علي من يري هذا الرأي و يذهب هذا المذهب». و يعطي العلامة مكارم الشيرازي الموقف المنهجي الذي ينبغي أن يتخذه المفسر في حالات تعارض الروايات، قائلا: «و لو كان علينا عند تعارض الأحاديث أن نرجّح ما وافق منها ظاهر القرآن لوجب أن نختار الطائفة الأولي: لأنها توافق ظاهر الآية الحاضرة كما عرفت من قبل[12].[13] و هي قوله تعالي: (و بث منهما رجالا كثيرا و نساء) [14] . [15]

2