بالنسبة لعم النبي صلي الله عليه وسلم أبي طالب هل كان مسلماً؟ وما الدليل علي ذلك؟
ان الحكم علي ابي طالب(ع) بعدم الايمان هو في الواقع حكم املته السياسة و العداء لعلي عليه السلام فأرادوا ان يضربوا الامام عليا عليه السلام.فلم يجدوا مطعناً إلا أن ينسبوا الي والده الكفر.
و نحن اذا راجعنا حياة ابي طالب لا نشك في اسلامه و ايمانه و ذلك من خلال 1 ـ أفعاله 2ـ شعره و وصاياه 3 ـ قول الرسول(ص) في حقه. 4 ـ اقوال اهل البيت عليهم السلام في حقه . 5 ـ رأي بعض علماء اهل السنة في حقه.
و قد عقد السيد محسن الامين بحثا خاصا في ايمان ابي طالب، قال فيه:
لما بعث النبي اسلم ابو طالب و آمن به و صدقه فيما جاء به و لكنه لم يكن يظهر إيمانه تمام الاظهار بل يكتمه ليتمكن من القيام بنصر رسول اللّه(ص) فإنه لو اظهره اظهاراً تاماً لكان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه، و إنما تمكن من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر علي دين قريش و إن ابطن الاسلام كما لو كان لانسان شرف و وجاهه في بلد الكفر و هو مظهر الكفر و يحفظ ناموسه بينهم بذلك و في البلد نفر يسير من المسلمين ينالون الاذي فما دام مظهراً لمذهب اهل البلد يكون اشد تمكنا من المحاماة و المدافعة عن اولئك النفر و لو اظهر الاسلام و كاشف اهل البلد بذلك لصار حكمه حكم واحد من اولئك النفر و لحقه من الاذي و الضرر ما يلحقهم فابو طالب لو اظهر الاسلام لازدادت نفرة قريش و بغضها له اكثر مما كانت لاجل المحاماة عن ابن اخيه فقط مع بقائه علي دين قومه و لارتفع حجاب المراعاة و المداراة بينه و بينهم بالكلية فينابذونه بالقتال و يتوسلون إلي قتله و قتل ابن اخيه بكل وسيلة اما مادام مظهراً لهم أنه علي دينهم فلا ييأسون من تسليم ابن اخيه لهم و يبقي لهم طمع في الاسهل منه و يعذرونه في المحاماة عن ابن اخيه بعض العذر لمكان القرابة و الشفقة و لذلك كانوا لا يفترون عن طلبهم اليه ردع ابن اخيه او تسليمه لهم (و اقوي) دليل علي اسلامه أنه لو لم يؤمن به لهان عليه تسليمه لهم و خذلانه و لم يتحمل ما تحمله في نصره و لانقلب حبه بغضا فالدين مفرق بين الاباء و الابناء و الاحباب و الاصدقاء.
مع أنه قد صرح باسلامه وفي اشعاره المتواترة لكنه لم يكن يظهره اظهاراً تاماً مراعاة للمصلحة و اجمع ائمة اهل البيت عليهم السلام و علماؤهم علي اسلامه و اجماعهم حجة و عن ابن الاثير في جامع الاصول ما اسلم من اعمام النبي(ص) غير حمزة و العباس و ابي طالب عند اهل البيت. و وافقنا علي اسلامه اكثر الزيدية و بعض شيوخ المعتزلة كأبي القاسم البلخي و ابي جعفر الاسكافي و غيرهما و جماعة من الصوفية حكي ذلك السيد عبد الرحمن بن احمد الحسني الادريسي المغزلي نزيل مكة المشرفة و المتوفي بها سنة 1087ه عن جمع من اهل الكشف و الشهود و حكاه عنه في الدرجات الرفيعة و اثني عليه و قال انه كان من ارباب الحال و اقطاب الرجال و وافقنا علي ذلك جماعة من علماء اهل السنة غير من ذكر و صنفوا فيه بعض الرسائل المطبوعة لكن جمهورهم علي خلافه لروايات رواها اعداء ولده امير المؤمنين(ع) او حملوا غيرهم علي روايتها مراغمة له و تلقاها من بعدهم بالقبول و صادموا بها الضرورة و البديهة لحسن ظنهم بمن رواها و اورد بعضها البخاري و مسلم لحسن الظن المذكور و قد صنفوا في اثبات اسلامه مصنفات كثيرة بعضها من علماء اهل السنة كما مر و اكثرها من علماء الشيعة و محدثيهم و تعلم كثرتها من تتبع كتب الرجال و من مشهور ما صنف في ذلك للشيعة كتاب السيد الفاضل السعيد شمس الدين ابو علي فخار بن معد الموسوي (قال) المجلسي في البحار و هو من اعاظم محدثينا و داخل في اكثر طرقنا الي الكتب المعتبرة. كما صنف غيرهم في رد ذلك الدرجات الرفيعة [1]
و امّا اشعاره الطافحة في ايمانه فقد امتلأ منها ديوانه و ها نحن ننقل لك بعض ما ورد فيها لتعلم انه مسلم مؤمن أليس من الشهادة قوله:
ليعلم خيار الناس أنّ محمدا
وزير لموسي و المسيح ابن مريم
أتانا بهدي مثل ما أتيا به
فكل بأمر اللّه يهدي و يعصم
و إنّكم تتلونه في كتابكم
بصدق حديث لا حديث مبرجم
و قوله:
أمين حبيب في العباد مسوّم
بخاتم ربّ قاهر في الخواتم
نبيّ أتاه الوحي من عند ربّه
و من قال: لا يقرع بها سنّ نادم
و قوله:
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً
رسولا كموسي خطّ في أوّل الكتب
و قوله:
و ظلم نبيّ جاء يدعو الي الهدي
و أمر أتي من عند ذي العرش قيّم
و قوله:
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
و ابشر بذاك و قرّ منك عيونا
و دعوتني و علمت انّك ناصحي
و لقد دعوت و كنت ثمّ أمينا
و لقد علمت بأنّ دين محمد
من خير أديان البريّة دينا
و قوله:
أو تؤمنوا بكتاب منزلٍ عجبٍ
علي نبيّ كموسي أو كذي النون
و قوله:
نصرت الرّسول رسول المليك
ببيض تلالأ كلمع البروق
أذبّ و أحمي رسول الآله
حماية حامٍ عليه شفيق
و قوله:
فأيّده ربّ العباد بنصره
و أظهر ديناّ حقّه غير باطل
و قوله:
و اللّه لا أخذل النّبي و لا
يخذله من نبيّ ذو حسب
نحن و هذا النّبي ننصره
نضرب عنه الأعداء بالشهب
و قوله:
أتبغون قتلا للنبي محمد
خصصتم علي شؤم بطول أثام
و قوله:
فصبراً أبا يعلي علي دين أحمد
و كن مظهراً للدين وفّقت صابرا
و حط من أتي بالحق من عند ربّه
بصدق و عزم لا تكن حمز كافرا
فقد سرّني إذ قلت: إنك مؤمن
فكن لرسول اللّه في اللّه ناصرا
و قوله و قد رواه أبو الفرج الاصفهاني:
زعمت قريش إنّ أحمد ساحر
كذبوا و ربّ الراقصات الي الحرم[2]
ما زلت أعرفه بصدق حديثه
و هو الأمين علي الحرائب و الحرم
و قوله المروي من طريق أبي االفرج الاصفهاني كما في كتاب (الحجّة) ص 72 و من طريق الحسن بن محمد بن جرير كما في تفسير أبي الفتوح 4: .212
قل لمن كان من كنانة في العزّ
و أهل الندي و أهل المعالي
قد أتاكم من المليك رسول
فاقبلوه بصالح الأعمال
و انصروا أحمدا فانّ من اللّه
رداء عليه غير مدال
و قوله من أبيات وردت في شرح ابن أبي الحديد 3: .315
فخير بني هاشم أحمد
رسول الإله علي فترة [3]
و لو كان يؤثر أقل من هذا عن أحد من الصحابة لطبّل له، و زمّر من يتشبّث بالطحلب في سرد الفضائل لبعضهم مغالاة فيهم، لكنّي، أجد إسلام أبي طالب مستعصياً فهمه علي هؤلاء و لو صرح بألف هتاف من ضرائب هذه لماذا؟ أنا لا أدري!. و أما رأي اهل البيت عليهم السلام فقد اجمعوا علي ايمانه و اهل البيت قولهم حجّة، و قصاري القول في سيد الابطح عند القوم :
إنّ أيّاً من هذه العقود الذهبيّة بمفرده كاف في أثبات الغرض فكيف بمجموعها و من المقطوع به انّ الائمة من ولد أبي طالب عليه السلام أبصر الناس بحال أبيهم، و أنّهم لم ينوّهوا إلاّ بمحض الحقيقة، فإنّ العصمة فيهم رادعةٌ عن غير ذلك و لقد أجاد مفتي الشافعيّة بمكة المكرّمة في (أسني المطالب) حيث قال:
هذا المسلك الذي سلكه العلاّمة السيد محمد بن رسول البرزنجي في نجاة أبي طالب لم يسبقه اليه أحد فجزاه اللّه أفضل الجزاء و مسلكه هذا الذي سلكه يرتضيه كلّ من كان متصفاً بالانصاف، من أهل الايمان، لأنه ليس فيه إبطال شيء من النصوص و لا تضعيف لها، و غاية ما فيه أنّه حملها علي معان مستحسنة يزول بها الإشكال و يرتفع الجدال، و يحصل بذلك قرّة عين النبي (ص)، و السّلامة من الوقوع في تنقيص أبي طالب أو بغضه، فإنّ ذلك يؤذّي النّبي (ص) و قد قال اللّه تعالي: ( إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهينا) [4] . و قال تعالي: ( وَ الَّذينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَليم) [5] . و قد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه علي الكتاب المسمّي بشهاب الأخبار للعلاّمة محمد بن سلامة القضاعي المتوفي 454ه: إنّ بغض أبي طالب كفر. و نصّ علي ذلك ايضاً من ائمة المالكية العلامة عليّ الأجهوري في فتاويه، و التلمساني في حاشيته علي الشفاء فقال عند ذكر أبي طالب: لا ينبغي أن يذكر إلاّ بحماية النبي(ص) لأنّه حماه و نصره بقوله و فعله و في ذكره بمكروه أذيّة للنبي(ص) و مؤذي النبي(ص) كافر، و الكافر يقتل، و قال أبو طاهر: من أبغض أباطالب فهو كافر.
و مما يؤيد هذا التحقيق الذي حقّقه العلاّمة البرزنجي في نجاة أبي طالب إنّ كثيراً من العلماء المحققين و كثيراً من الأولياء العارفين أرباب الكشف قالوا بنجاة ابي طالب، منهم : القرطبي و السبكي و الشعراني و خلائق كثيرون و قالوا: هذا الذي نعتقده و ندين اللّه به، و إن كان ثبوت ذلك عندهم بطريق غير الطريق الذي سلكه البرزنجي، فقد اتّفق معهم علي القول بنجاته، فقول هؤلاء الائمة بنجاته أسلم للعبد عند اللّه تعالي لاسيما مع قيام هذه الدلائل و البراهين التي اثبتها العلاّمة البرزنجي.[6]