منذ سنتين

هل أسماء الله تعالي تقع علي ذاته؟

هل أسماء الله تعالي تقع علي ذاته؟


يجب أن تعرف أولاً أن ما اشتهر بين العلماء أنه لا فرق بين الصفة و الاسم غير أن الصفة تدل علي معني من المعاني تتلبس به الذات أعم من العينية و الغيرية، و الاسم هو الدال علي الذات مأخوذة بوصف فالحياة و العلم صفتان و الحي و العالم اسمان، و إذا كان اللفظ لا شأن له إلا الدلالة علي المعني و انكشافه به فحقيقة الصفة و الأسم هو الذي يكشف عنه لفظ الصفة و الاسم، فحقيقة الحياة المدلول عليها بلفظ الحياة هي الصفة الإلهية و هي عين الذات، و حقيقة الذات بحياتها التي هي عينها هو الاسم الإلهي، و بهذا النظر يعود الحي و الحياة اسمين للاسم و الصفة و إن كانا بالنظر المتقدم نفس الاسم و نفس الصفة.[1]  و اعلم: أن الاسم الخاص ربما يطلق علي ما لا يسمي به غير الله سبحانه كما قيل به في الاسمين الله، و الرحمان، أما لفظ الجلالة (الله) فهو عَلَم له تعالي خاص به ليس اسماً بالمعني الذي نبحث عنه و أما الرحمان فمعناه مشترك بينه و بين غيره تعالي بما أنه من الأسماء الحسني، و الأسماء الحسني له تعالي علي نحو الأصالة، و لغيره تعالي بالتبع، فهو المالك لها حقيقة، و ليس لغيره إلا ما ملّكه الله من ذلك، و هو مع ذلك مالك لما ملّكه غيره لم يخرج عن ملكه بالتمليك، فله سبحانه حقيقة العلم مثلاً و ليس لغيره منه الا ما وهبه له و هو مع ذلك له لم يخرج من ملكه و سلطانه. و يقول الطباطبائي في مقطع آخر من كلامه: الاسم بحسب اللغة ما يدل به علي الشي‏ء، سواء أفاد مع ذلك معناً وصفياً كاللفظ الذي يشار به إلي الشي‏ء، لدلالته علي معني موجود فيه، أو لم يفد إلا الإشارة الي الذات كزيد و عمرو وخاصة المرتجل من الأعلام، و توصيف الأسماء الحسني ـ و هي مؤنث أحسن ـ يدل علي أن المراد بها الأسماء التي فيها معني وصفي دون ما لا دلالة لها إلا علي الذات المتعالية فقط، لو كان بين أسمائه تعالي ما هو كذلك، ولا كل معني وصفي، بل المعني الوصفي الذي فيه شي‏ء من الحسن، و لا كل معني وصفي حسن بل ما كان أحسن بالنسبة إلي غيره إذا اعتبر مع الذات المتعالية: فالشجاع و العفيف من الأسماء الحسنة لكنهما لا يليقان بساحة قدسه لإنبائهما عن خصوصية جسمانية لا يمكن سلبها عنهما، و لو أمكن لم يكن مانع عن إطلاقهما عليه كالجواد و العدل و الرحيم، فكون اسم ما من أسمائه أحسن الأسماء أن يدل علي معني كمالي غير مخالطة. لا يمكن معها تحرير المعني من ذلك النقص و العدم و تصفيته، و ذلك في كل ما يستلزم حاجة او عدماً و فقداً كالأجسام و الجسمانيات و الأفعال المستقبحة و المستشنعة و المعاني العدمية.[2]  و بناء علي ما مرّ ان الصفات و الأسماء تعبر عن حقيقة واحدة. فقد قسم المتكلمون صفاته تعالي إلي تقسيمات متعددة، منها تقسيم صفاته تعالي إلي جمالية، و جلالية، فالجمالية عبارة عن الألفاظ الدالة علي معان قائمة بذات الله تعالي كقولنا عالم، قادر، حي. و الجلالية عبارة عن سلب معان عن الله سبحانه كقولنا: الله ليس بجسم و لا جسماني ولا جوهو و لا عرض ،و لعله إلي القسمين يشير قوله تعالي: «تبارك اسم ربك ذي الجلال و الإكرام» [3]. فصفة الجلال ما جلّت ذاته عن مشباهة الغير و صفة الإكرام ما تكرمت ذاته بها و تجملت. [4] و منها تقسيم صفاته إلي الذاتية و الفعلية اي ان لصفاته تعالي وراء التقسيم الماضي تقسيماً آخر و هو كون الصفة إما صفة ذات، أو صفة فعل، فيعدون العلم و القدرة و الحياة من صفات الذات، كما يعدون صفة الخلق و الرزق و المغفرة من صفات الفعل و تعريفهما. إذا كان فرض الذات وحدها كافياً في حمل الوصف عليه، فالوصف ذاتي. و أما إذا لم يكن فرضها كافياً في توصيف الذات بها، بل يتوقف علي فرض غيرها و لا غير في دار الوجود إلا فعله فالصفة صفة فعل، و هذا كالخالق فإن الذات غير كافية لانتزاع الخلق و الرزق. بل يتوقف علي فرض الغير و هو فعله سبحانه، فالذات إذا لوحظت مع الفعل و وصفت بأوصاف تسمي تلك الأوصاف صفات الفعل‏[5] و هناك تقسيمات أخري كتقسيمها إلي صفات نفسيه و اضافية و تقسيمها إلي الصفات الذاتية و الخبرية. و الأسماء العامة و الخاصة أي ان بين الأسماء سعة و ضيقاً، و عموماً و خصوصاً، فمنها خاصة، و منها عامة. «فللأسماء الحسني عرض عريض تأخذ في السعة و العموم، ففوق كل اسم ما هو أوسع منه و أعم حتي ينتهي إلي اسم الله الأكبر الذي يسع وحده، جميع حقائق الأسماء، و تدخل تحته شتات الحقائق برمتها، و هو الذي نسميه غالباً بالاسم الأعظم. و من المعلوم كلما كان الاسم أعم، كانت آثاره في العالم أوسع و البركات النازلة منه أكبر و أتم لما أن الآثار للأسماء كما عرفت، فما في الاسم من حال العموم و الخصوص يحاذية بعينه أثره، فالاسم الأعظم ينتهي إليه كل أثر و يخضع له كل آمر»[6] و هناك احتمال آخر تقصد منه في سؤالك: هو ما وقع فيه الاختلاف بين الأشاعرة و المعتزلة و الإمامية في حقيقة الصفات، هل هي زائدة علي الذات أو الصفات عين الذات. أو الذات نائبة عن الصفات. فالأول ما ذهب إليه الأشعرية، و هذا يؤدي إلي لوازم غير مقبولة، منها تعدد القدماء و هو الشرك أو التركيب و هذا خلاف وحدة الذات و بساطتها. و ما ذهبت إليه المعتزلة، من أن الذات تنوب عن الصفات هذا كذلك يؤدي إلي لازم غير مقبول، و هو كون الواجب خال من الصفات و هو نقص في الواجب. و ما ذهبت إليه الإمامية من عينية الذات و الصفات، أي يمكن انتزاع مفاهيم كثيرة عن البسيط غاية البساطة أي مصداق واحد يحمل مفاهيم متعددة. و أخيراً نقول أن المراد بالأسماء الحسني، ما دلّ علي معان وصفية كالإله، و الحي و العليم، و القدير. و إسم الجلالة (الله) هو عَلَم الذات و معني كونها له تعالي انه تعالي يملكها لذاته. و الذي يوجد منها في غيره فهو بتمليك منه تعالي. و معني أسمائه تقع علي ذاته هي بمعني ان أسمائه عين ذاته، غير خارجة عنها كما ذهب إليه الإمامية. و معني عين ذاته ان كل إسم يحمل مفهوماً خاصاً به و لكن من حيث المصداق فهذه الأسماء تمثل مصداقاً واحداً و هو الذات العالية: هذا بالنسبة للصفات الذاتية. أما الفعلية فهي أضافية توصف بها الذات بعد تحقق الفعل فالرازق يسمي بالرازق بعد الرزق و الخالق يسمي خالقاً بعد صدور الخلق من الذات المقدسة. فهذه الأسماء تقع علي ذاته.