منذ سنتين

من خلق الله

أنا مسلم جعفري من البحرين، آمنت بوجود الله من خلال مصدرين، المصدر الأول لأنني أعيش في بيئة مسلمة من أبوين مسلمين والمصدر الثاني ، من خلال قراءتي وأطلاعي علي الكتب. وقد أيقنت من خلال قراءتي للكتب ، أنه لايمكن لشئ أن يوجد هكذا ، من غير واجد له (وتستطيع أن تقول : أنني أيقنت بالعقل ، حيث أن عقلي قبل بما في الكتب) ولكنني للأسف، لم اؤمن من خلال التأمل في خلق الله ولا من خلال الدلائل التي وجدها الله سبحانه وتعالي، ولكنني أري بأن هذه الدلائل تدل علي وجود الله تعالي من غير أن أتأمل وأتفكر فيها. ومن خلال إيماني أن كل شئ لايمكن وجوده إلا بفعل قوة أو واجد يوجده، فإن هذا السؤال الذي يتردد في نفسي وأخاف أن أسألك أياه خوفا من الله سبحانه وتعالي، وهو أنه إذا كان لكل موجود واجد يوجده، فمن خلق الله سبحانه وتعالي؟ (أستغفر الله وأعوذ بالله من غضب الله) مع أنني أؤمن بأن الله هو خالق كل شئ وهو موجود أزلي لكن لابد أن أجيب علي التساؤلات التي تدور في صدري لكي أطمئن أكثر


قبل الاجابة عن التساؤلات المطروحة، نثمن فيكم الروح الايمانية الطافحة بالايمان باللّه تعالي، نسأله سبحانه ان يثبت خطاكم علي نهج الحق. كما نود الاشارة الي بعض ما جاء في الرسالة الموقرة، حيث جاء فيها (ان هذا السؤال الذي يتردد في نفسي و اخاف أن اسأله) نقول لكم : لاداعي الي الخوف من طرح السؤال ، فان طرح السؤال طريق لمعرفة الحق ، قال تعالي (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون‏) [1] فمن الخطأ ان تبقي التساؤلات و الاشكالات حبيسة الصدور. فانّها في هذه الحالة ستكون قاتلة لا سامح اللّه. قلتم: انني ايقنت بالعقل.. و لكني للأسف لم امن من خلال التأمل...؟ الجواب:لا داعي الي الأسف فان الطرق الي معرفة اللّه كما جاء في الحديث بعدد انفاس الخلائق، و ان الواجب علينا هو الايمان بوجود اللّه سؤاء كان هذا الايمان من خلال الطريق العقلي الفلسفي كما ذكرت أو من خلال الفطرة، أو من خلال الطريق العلمي، أو من خلال التأمّل في مخلوقات اللّه تعالي فان جميع هذه التي ذكرناها هي طرق لمعرفة اللّه. ثم اليس اعمال العقل والوصول الي الحق هو نوع تؤمل!! نعم نوصيكم بعد ان آمنتم و للّه الحمد من خلال المطالعة ان تتأملوا في العالم و الكون، لترسيخ الحالة الايمانية في نفسكم الكريمة. قلتم: اذا كان لكل موجود واجد يوجده، فمن خلق اللّه سبحانه و تعالي. اجاب العلماء علي هذا السؤال في كتبهم الكلامية و الفلسفية و نحن نذكر لكم جوابهم بصورة مبسطة فنقول : قسّم العلماء الاشياء الي ثلاثة اصناف: 1ـاشياء ممكنة الوجود. 2ـاشياء واجبة الوجود. 3ـاشياء ممتنعة الوجود. اشياء ممكنة الوجود يعني الاشياء التي يمكن ان توجد و يمكن ان تعدم مثل الزرع: فاذا تحققت علته [الارض ـ الماء ـ الهواء و...] فلا محالة يتحقق الزرع،و اذا عدمت العلّة ينعدم الزرع بمعني انه لا يوجد. و كذلك الانسان و باقي الاشياء المادية الاخري. فان كل هذه الاشياء تحتاج الي علّة تخرجها من العدم الي الوجود. و اما الاشياء الممتنعة الوجود [مثل اجتماع الضدين و اجتماع النقيضين‏] فانه يستحيل ان توجد هذه الاشياء بايّ وجه كان، فالورقة التي امامك مثلاً مستحيل ان تتصف بصفة كونها بيضاء و سوداء في آن واحد. كذلك يستحيل ان تكون هذه الورقة أمامك و خلفك في نفس الوقت . و اما الاشياء الواجبة الوجود: فهي الاشياء التي يجب ان توجد بذاتها بمعني انها غنية عن وجود علة توجدها، و الواقع اننا لا يوجد عندنا شي‏ء من هذا النوع الا اللّه تعالي . و القاعدة التي ذكرتها [لكل موجود واجد يوجده‏] فانّها انّما تجري في القسم الأوّل يعني في الاشياء الممكنة و اما الواجب فانه خارج عن هذه القاعدة. ثم ان نفس العقل الذي يعترف بقانون العليّة و المعلولية يحكم بلزوم انتهاء الموجودات الي موجود واجب، و قد عبّر الحكماء عن هذه القاعدة بقولهم: « كل ما بالعرض لابدّ ان ينتهي الي ما بالذات » مثال ذلك: لو كان عندنا قدح من الماء و أردنا تحليته، فاننا نكون بحاجة الي سكّر لجعله حلوا، و اما نفس السكرّ فهو في غني عن الجهة التي تمنحه طعماً حلواً مادام هو حلواً بذاته، اي انه ليس بحاجة الي سكرّ حتي يكون حلواً لانه حلو الطعم بالذات. و هكذا الحال بالنسبة للّه تعالي فانه غني في وجوده عن كل جهة تمنحه الوجود و التحقق، و اما المخلوقات و المعلولات و المصنوعات فهي بحاجة الي من يملي عليها الوجود كي تظهر علي صفحة الوجود.      

11