منذ سنتين

رأي الاسلام في نظام الحكم الملكي

‏ما هو رأي الاسلام في نظام الحكم الملكي(الوراثي)؟


لا شك ان الاسلام يؤمن بان الحاكمية حق من حقوق اللّه و ان الحاكم الحق هو اللّه ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّه‏) [1] ثم ان هذا الحق اعطي للرسول(ص)و من بعد الرسول(ص) اختلفت الآراء فيه من قبل المسلمين، هل ان الرسول(ص) نصّ علي الحاكم من بعده ام لا؟ و قد ذهبت الشيعة الامامية الي الرأي الأوّل و هو ان الرسول نصّ علي الائمة من بعده، و ذهب الاخوة من باقي المذاهب الي آراء و نظريات اخري تظهر لمن راجع ما كتب عن الاحكام السلطانية و لكن يمكن ان نقول في الوقت الحاضر ان النظم الحاكمة في‏ العالم الوانا و انواعا منها‏: نظام الملوكية‏:‏ و يتحقق النظام الملكي باستيلاء شخص علي زمام الحكم و السلطة بانقلاب عسكري و بقوة النار و الحديد، يعلن علي أثره نفسه حاكما علي البلاد، و ملكا للناس، و يعاقب معارضيه و ينكل بهم، و لا يكتفي باعلان نفسه ملكا علي الناس، بل ينصب خلفه ملكا من بعده و هكذا تتناوب ذريته عرشه و سلطانه جيلا بعد جيل، و نسلا بعد نسل. و ربما تبلغ به شهوة السلطة و داعية الملك الي ان يسمي نفسه ظلا للّه ان لم يبلغ به الاستعلاء و التفرعن الي أن يجعل نفسه في مصاف اللّه تعالي، فاذا به يرفع شعار‏:‏ «اللّه الملك الوطن» و هذا هو ما نلحظه في أكثر الملكيات الراهنة. ان النظام الملكي ضرب من الحكومة الفردية التي يكون فيها(فرد واحد) مبدأ السلطة و مصدرا لكل القرارات، و منشأ للقوانين و لا يكون وحده كذلك بل يكون ابناؤه و احفاده حكاما و ملوكا بالتوارث، فاذن هو نظام فردي وراثي استبدادي و قد كان هذا النمط من النظام و لا يزال ملازما للاستعلاء و الاستكبار و منشأ للارهاب و الكبت و هوـ لا شك ـ أمر مرفوض في منطق القرآن الكريم اذ يقول‏:‏ ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ )[2] القرآن الكريم و الملوكية‏:‏ ان القرآن الكريم يعتبر طبيعة الملوكية بحكم كونها ناشئة من الفرد، طبيعة ميالة الي الفساد و التفرعن، و حمل الارادة الفردية، علي الشعوب بالقهر و الارغام و اذلال ابنائها و اعزتها، الي غير ذلك من المنكرات و المفاسد و التبعات التي عانت منها البشرية، طوال قرون، اذ يقول ‏:‏ ( قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ كَذلِكَ يَفْعَلُون‏) [3] هذه الكلمة التي نقلها اللّه سبحانه في هذه الآية عن بلقيس ملكة سبأ، تمثل أحدي سنن التاريخ الحاكمة في‏الحياة البشرية، و لولا انها كذلك لرد عليها اللّه سبحانه و لم يمر عليها بسلام كما هو شأنه في هذه المجالات. يقول السيد قطب ـ في ظلاله ـ حول تفسير هذه الآية. «فهي تعرف أن من طبيعة الملوك أنهم اذا دخلوا قرية اشاعوا فيها الفساد و أباحوا دماءها، و انتهكوا حرماتها، و حطموا القوة المدافعة عنها، و علي رأسها رؤساؤها و جعلوهم أذلة، لانهم عنصر المقاومة، و ان هذا هودأبهم الذي يفعلون)[4] ان القرآن عند ما يتعرض لاحوال الملوك الذين حكموا الارض يذكر جشعهم و طمعهم الذي ما كان يعرف الحدود، و يصور لنا كيف انهم ما كانوا يتركون حتي أموال الضعفاء و المساكين طمعا و جشعا. فها هو القرآن يذكر لنا عن ملك بلغ به الجشع و الحرص الي ان لا يكف عن انتزاع بعض المساكين سفينتهم التي كانوا يرتزقون من ورائها، و يحصلون بها علي لقمة عيشهم و خبزهم اليومي فيقول ‏:‏ ( أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْباً )[5]و ها هو فرعون أحد ملوك مصر الذين حملوا أنفسهم علي رقاب الناس و اكتافهم، يبلغ به الطمع و الحرص الي ان يعد نفسه مالكا لارض مصر و انهارها و ما فيها من خيرات من دون مبرر و لا سبب الا الطمع وحب الاستئثار بكل شي‏ء لوحده، فاذا به يتباهي بما هو في يده من ملك، و يتجج بماله من سلطان كما يقول القرآن عنه‏:‏ ( وَ نادي‏ فِرْعَوْنُ في‏ قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لي‏ مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْري مِنْ تَحْتي‏ أَ فَلا تُبْصِرُون‏) [6] ان الملوكية بما انها لا تنطلق من مقاييس و ضوابط الهية دينية بل تنطلق من المقاييس الشخصية و التسلط الفردي لا يمكن ان يلازم غير صفة الاستئثار و الطمع في أموال الاخرين‏. فاذا كان هذه هي طبيعة الملوك و هذه هي سجيتهم فهل يسمح العقل ـ فضلا عن الشرع ـ بان يفوض اليهم مقدرات الناس و أعراضهم و أموالهم و نفوسهم و ما يملكون من حول و قوة؟! و هل يسمح العقل بان يترك الامر لتلك النفوس الجشعة و الطبائع المنحرفة ان يتصرفوا في شؤون الناس كيفما شاؤوا و ارتاؤا، و ان يتسلطوا علي رقاب الناس ليفعلوا ما يريدون. أجل ان الملوكية بما انها نظام فردي يقوم علي تغليب أرادة الفرد علي الجماعة، و بما أنها تحظي بالسيادة و الحاكمية لا بالكفاءات، و حسب الضوابط الانسانية و الاخلاقية بل يحصل عليها الملك بالقوة و القهر و التسلط من الطبيعي ان تؤول الي الجشع و التفرعن و الطغيان و الاستكبار...و هذا هو ما تثبته أحوال الملوك في الماضي و الحاضر و في كل مكان من العالم . يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ـ في وصفه لطبيعة النظام الملكي و السلطة الملوكية تحت عنوان«من الذي يتقلد ولاية المجتمع في‏الاسلام و ما سيرته»‏:‏ «ان هذاالطريقة(اي طريقة نظام الحكم الاسلامي)غير طريقة الملوكية التي تجعل مال اللّه فيئا لصاحب العرش، و عباد اللّه أرقاء له، يفعل بهم ما يشاء، و يحكم فيهم ما يريد، كما هي ليست من الطرق الاجتماعية التي وضعت علي اساس التمتع المادي من الديمقراطية و غيرها، فان بينها و بين الاسلام فروقا بيّنة تمنع من التشابه و التماثل. و من اعظم هذه الفروق ان هذه المجتمعات لما بنت علي اساس التمتع المادي نفخت في قالبها روح الاستشمار و الاستعباد، و الاستكبار البشري الذي يجعل كل شي‏ء تحت ارادة الانسان و عمله، حتي الانسان بالنسبة الي الانسان و يبيح له طريق الوصول اليه و التسلط علي ما يهواه، و يأمله منه لنفسه و هذا بعينه هو(الاستبداد الملوكي) في الاعصار السالفة و قد ظهرت في زي الاجتماع المدني علي ما هو نصب اعيننا اليوم من مظالم الملل القوية و اجحافاتهم و تحكماتهم بالنسبة الي الامم الضعيفة و علي ما هو في ذكرنا من أعمالهم المضبوطة في التاريخ. فقد كان الواحد من الفراعنة و القياصرة و الاكاسرة يجري في ضعفاء عهده بتحكمه و لعبه كل ما يريده و يهواه، و يعتذرـلو اعتذرـان ذلك من شوؤن السلطنة و لصلاح المملكة و تحكيم اساس الدولة و يستدل عليه بسيفه!!![7] ان الامام عليا ـ عليها السلام ـ يتحدث عن وضع الناس المأساوي في ظل النظام الملكي الكسروي و القيصري اللذين كانا يمثلان اسؤ مظاهر الملوكية التاريخية، و هو عليه السلام يخبرنا كيف ان الاكاسرة و القياصرة كانوا يعتدون علي حقوق الناس الطبيعية و يهجرونهم عن اوطانهم و مساكنهم و مزارعهم الي اراض لا عشب فيها و لا ماء و لا عيش فيها و لا حياة طمعا في اراضيهم، و استئثارا ممتلكاتهم و مزارعهم و يعبر الامام علي عليه السلام عن تلك العهود و الايام بالليالي السود اذ يقول‏:‏ « و اعتبروا بحال ولد اسماعيل و بني اسحاق و بني اسرائيل عليهم السلام فما اشد اعتدال الاحوال و اقرب اشتباه الامثال ! تأملوا امرهم في حال تشتتهم و تفرقهم ليالي كانت الاكاسرة و القياصرة أربابا لهم يحتازونهم (اي يمنعونهم و يدفعونهم و يهجرونهم)عن ريف الافاق و بحر العراق و خضرة الدنيا الي منابت الشيح و مهافي الريح و نكد المعاش فتركوهم عالة مساكين اذل الامم دارا و أجد بهم قرارا.... فالاحوال مضطربة و الكثرة متفرقة في بلاء أزل و أطباق جهل !!![8] ان الحكم الملكي حكم استبدادي، و ان مفاسد الحكم الاستبدادي أوضح و اكثر من أن يبين. غير اننا للوقوف علي ما يذكره القرآن الكريم من مفاسد تترتب علي الحكم الاستبدادي لابد من ملاحظة ما ورد في هذا الصدد من آيات. ان القرآن الكريم يأتي بفرعون نموذجا حيا و كاملا للحاكم المستبد و الحكومة الاستبدادية ثم يستعرض ما كان يفكر فرعون به، و يقوم به انطلاقا من هذه الخصيصة، و بمقتضي هذه الصفة و بذلك يوقفنا القرآن علي مفاسد الحكم الفردي الاستبدادي. مفاسد الحكم الاستبدادي‏:‏ فالقرآن الكريم يصف(فرعون) بأنه‏ كان مستكبرا عاليا مسرفا متجاوزا الحد فهو يري نفسه فوق الآخرين، و ارادته فوق ارادتهم اذ يقول‏:( ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسي‏ وَ هارُونَ إِلي‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمينَ ) [9] ( فَما آمَنَ لِمُوسي‏ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلي‏ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفين‏) [10] (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسي‏ وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبين‏* إِلي‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالين‏) [11] ( وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَني‏ إِسْرائيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهين‏* مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفين‏) [12] و من البديهي لمن يعتبر نفسه أعلي من الآخرين ان يطغي علي اللّه تعالي و يعصيه و يفسد في الارض و كذلك كان فرعون المستبد كما يصفه القرآن اذ يقول‏: ( وَ جاوَزْنا بِبَني‏ إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتَّي إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمين‏* آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدين‏) [13] تري اي فساد أعظم و أي استكبار اكبر من ان يستعبد الناس، و يسلبهم حرياتهم و يتخذ عباد اللّه خولا. ان الملكية بكل أنواعها مرفوضة في نظر الاسلام و خاصة الوارثية منها لما في ذلك من الفساد و ضياع الحق و العدل...كما اثبتة التجارب التاريخية في حياة البشرية. يقول المؤرخ المعروف ابن خلدون في مقدمته في الفصل الحادي و العشرين تحت عنوان(فيما يعرض في الدول من حجر السلطان و الاستبداد عليه)‏:‏ «اذا استقر الملك في نصاب معين و منبت واحد من القبيل القائمين بالدولة و انفردوا به و دفعوا سائر القبيل عنه، و تداوله بنوهم واحدا بعد واحد، بحسب الترشيح فربما حدث التغلب علي المنصب من وزرائهم و حاشيتهم، و سببه في الاكثر ولاية صبي صغير أو مضعف من أهل المنبت يترشح للولاية بعهد أبية، أوبتشريح ذويه و خوله، و يؤنس منه العجز عن القيام بالملك فيقوم به كافله من وزراء أبيه و حاشيته و مواليه، أو قبيله و يوري يحفظ أمره عليه حتي يؤنس منه الاستبداد، و يجعل ذلك ذريعة للملك فيحجب الصبي عن الناس و يعوده اليها ترف أحواله، و يسيمه في مراعيها متي امكنه و ينسيه النظر في الامور السلطانية حتي يستبد عليه و هو بما عوده يعتقد ان حظ السلطان من الملك انما هو الجلوس علي السرير، و أعطاء الصفقة، و خطاب التهويل، و القعود مع النساء خلف الحجاب و أن الحل و الربط و الامر و النهي و مباشرة الاحوال الملوكية، و تفقدها من النظر في الجيش و المال و الثغور انما هو للوزير و يسلم له في ذلك الي أن تستحكم له صبغة الرئاسة و الاستبداد، و يتحول الملك اليه و يؤثر به عشيرته و ابناءه من بعده كما وقع لبعض البلاد. و قد يتفطن ذلك المحجور المغلب لشأنه فيحاول علي الخروج من ربقة الحجر و الاستبداد، و يرجع الملك الي نصابه و يضرب علي أيدي المتغلبين عليه ما بقتل أو برفع، عن الرتبة فقط، الا ذلك في النادر...و انما تحدث لابناء الملوك ذلك لانهم يتشأون منغمسين في نعيمه و قد نسوا عهد الرجولة[14]و صفوة القول ان النظام الملكي المطلق منه و الدستوري و الوارثي، أمر ملازم للاستعلاء و الطغيان [15] اضف الي ذلك كله ان الحكم الملكي يفتقد الي المستند الشرعي الذي هو اهم العوامل في شرعنة السلطة.