منذ سنتين

حقيقة المعجزة

1-ما هي المعجزة؟وبشرح مفصل عنها. 2- هل تخضع المعجزة لمبدأ قانون العلية رغم أنها خارقة للعادة؟


تعريف المعجزة: المشهور في تعريف المعجزة أنّها [1]: «أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة » [2] و بما أنّ الإعجاز يفارق الكرامة في أنّ الأول يكون مقروناً بدعوي النبوة بخلاف الكرامة، فيجب أن يضاف قيد: «مع دعوي النبوة» إلي التعريف، و لعلهم استغنوا عنه بقيد «التحدي» و إليك توضيح هذا التعريف. 1ـ الإعجاز خارق للعادة و ليس خارقاً للعقل. إنّ هناك من الامور ما تعدّ خارقة للعقل، أي مضادة لحكم العقل الباتّ، كاجتماع النقيضين و ارتفاعهما، و وجود المعلول بلا علّة، و انقسام الثلاثة إلي عددين صحيحين... فإنّ هذه أمور يحكم العقل باستحالتها و امتناع تحققها. و هناك أمور تخالف القواعد العادية، بمعني أنها تعدّ محالاً حسب الأدوات و الأجهزة العادية، و المجاري الطبيعية، و لكنها ليست أمراً محالاً عقلاً لو كان هناك أدوات اخري خارجة عن نطاق العادة، و هي المسماة بالمعاجز. 2ـ الإعجاز أن يكون مقترناً بالدعوي: هذا هو القيد الثاني لتحديد حقيقة الإعجاز، و يهدف الي أنّ خرق العادة لا يسمي إعجازاً إلاّ بالإيتان به لأجل إثبات دعوي السفارة و النبوة، فإذا تجرّد عنها يسمي كرامة. و قد نقل سبحانه في الذكر الحكيم كرامة لمريم عليها السلام، في قوله عزّ من قائل: ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّي لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِساب‏ )[3] و هذا الأمر (حضور الرزق بلا سعي طبيعي) لم يكن مقترناً بدعوي المقام و المنصب الرسالي، فلا يوصف بالإعجاز بل بالكرامة، و هكذا الحال فيما يقوم به الأولياء و الصلحاء من عظام الأمور الخارقة للعادة، فإنّها توصف بالكرامة. 3ـ عجز الناس عن مقابلته‏ هذا هو القيد الثالث في تحديد حقيقة الإعجاز، و هو ينحلّ الي أمرين الأول ـ دعوة الناس إلي المقابلة و المعارضة، و طلب القيام بمثله، الثاني ـ عجز الناس كلهم عن الإتيان بمثله و إلي كلا الأمرين أشير في التعريف بلفظ «التحدي» و يترتب علي هذا أنّ ما يقوم به كبار الأطباء و المخترعين من الأمور المعجبة، خارج عن إطار الإعجاز لانتفاء الأمرين فيهما، كما أن ما يقوم به السحرة و المرتاضون، من الأعمال المدهشة لا يعدّ معجزاً لانتفائهما أيضاً، خصوصاً الأمر الثاني، لقيام المرتاض الثاني بمثل ما قام به المرتاض الأول، بل بأعظم منه. 4ـ أن يكون عمله مطابقاً لدعواه‏ لابدّ من هذا القيد في صدق الإعجاز علي فعل المدعي، فلو خالف ما ادّعاه لما سمّي معجزة، و إن كان أمراً خارقاً للعادة، و ذلك ما حصل مع مسيلمة الكذاب عندما ادّعي أنّه نبي، و آية نبوته أنّه إذا تفل في بئر قليلة الماء، يكثر ماؤها: فتفل فغار جميع مائها. و قد كان من أفاعيله ـ الدّالة علي كذب دعواه ـ أنّه أمَرّ يده علي رؤوس صبيان بني حنيفة، و حنّكهم، فأصاب القرع كلّ صبيّ مسح علي رأسه و لثغ كلّ صبيّ حَنّكَهُ‏ [4] الذي يناقض قانون العلّية هو القول بأنّ المعجزة ظاهرة إتفاقية لا تستند إلي علّة أبداً، و هذا مما لا يقول به أحد من الإلهيين. و أما القول بعدم وجود علّة مادية متعارفة للمعجزة، فليس هو بإنكار لقانون العلية علي الإطلاق و نفياً للعلّة من الأساس، و إنّما هو نفي دور و تأثير قسم خاص من العلل، و نفي الخاص لا يكون دليلاً علي نفي العام. و هذا القسم الخاص من العلل، المنفي في مورد المعجزة، هو العلل المادية المتعارفة التي أنس بها الذهن، و وقف عليها العالم الطبيعي و اعتاد الإنسان علي مشاهدتها في حياته. و لكن لا يمتنع أن يكون للمعجزة علّة أخري لم يشاهدها الناس من قبل و لم يعرفها العلم، و لم تقف عليه التجربة، و بعبارة أخري، كون المعجزة معلولاً بلا علّة شي‏ء، و كونها معلولة لعلّة غير معروفة للناس و العلم ِشي‏ء آخر. و الباطل هو الأول و المدّعي هو الثاني [5]