منذ سنتين

علم الاصول

ماهو علم اصول الفقه وفيما يبحث؟


قبل الخوض في بيان علم اصول الفقه (علم الاصول) لابد من بيان نكتة و هي: ان الانسان عندما آمن بالله تعالي و الاسلام و الشريعة و عرف انه مسؤول بحكم كونه عبداً لله تعالي عن امتثال احكام الله، يصبح ملزماً بالتوفيق بين سلوكه في مختلف مجالات الحياة و بين الشريعة الاسلامية باتخاذ الموقف العملي الذي تفرضه عليه تبعيته للشريعة.  ولو كانت احكام الشريعة في كل الوقائع واضحة وضوحاً بديهياً للجميع,لكان تحديد الموقف العملي المطلوب تجاه الشريعة في كل واقعة امراً ميسوراً لكل احد، ولكن عوامل كثيرة منها: بعدنا الزمني عن عصر التشريع ادت إلي عدم وضوح عدد كبير من احكام الشريعة و اكتنافها بالغموض.  ولهذا كان من الضروري ان يوضع علم يتولي دفع الغموض عن الموقف العملي تجاه الشريعة في كل واقعة باقامة الدليل علي تعيينه. وهكذا نشأ علم الفقه للقيام بهذه المهمة والذي يمكن تعريفه بانه (علم استنباط الاحكام الشرعية). عمليات الاستنباط التي يشتمل عليها علم الفقه بالرغم من تعددها و تنوعها تشترك في عناصر موحدة و قواعد عامة تدخل فيها علي تعددها و تنوعها، وقد تطلبت هذه العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وضع علم خاص بها لدارستها و تحديدها و تهيئتها لعلم الفقه فكان علم الاصول. تعريف علم الاصول: و علي هذا الاساس نري ان يعرف علم الاصول بانه “العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي”. ولكي نستوعب هذا التعريف يجب ان نعرف ما هي العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. ولنذكر ـ لأجل ذلك ـ نماذج بدائية من هذه العملية في صيغ مختصرة لكي نصل عن طريق دراسة هذه النماذج و المقارنة بينها إلي فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. افرضوا ان فقيهاً واجه هذه الأسئلة: هل يحرم علي الصائم ان يرتمس في الماء؟  هل يجب علي الشخص اذا ورث مالاً من ابيه ان يؤدي خمسه؟  هل تبطل الصلاه بالقهقهة في أثنائها؟ فاذا أراد الفقيه أن يجيب عن هذه الاسئلة، فانه سوف يجيب عن السؤال الاول مثلاً بالايجاب و انه يحرم الارتماس علي الصائم، ويستنبط ذلك بالطريقة التالية: قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الامام الصادق (ع) علي حرمة الارتماس علي الصائم فقد جاء فيها انه قال: لايرتمس المحرم في الماء ولا الصائم. و الجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام علي الحرمة و راوي النص يعقوب بن شعيب ثقة، و الثقة و ان كان قد يخطئ او يشذ احياناً ولكن الشارع أمرنا بعدم اتهام الثقة بالخطأ او الكذب، واعتبره حجة، والنتيجة هي ان الارتماس حرام. و يجيب الفقيه عن السؤال الثاني بالنفي، لان رواية علي بن مهزيار جاءت في مقام تحديد الأموال التي يجب فيها الخمس، وورد فيها ان الخمس ثابت في الميراث الذي لايتوقع  من غير أب ولا ابن، و العرف العام يفهم من هذه الجملة ان الشارع لم يجعل خمساً علي الميراث الذي ينتقل من الاب إلي ابنه، و الرواي ثقة و خبر الثقة حجة، و النتيجة هي ان الخمس في تركة الاب غير واجب.  و يجيب الفقيه عن السؤال الثالث بالايجاب بدليل رواية زرارة عن الامام الصادق (ع) انه قال: “ القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة ” والعرف العام يفهم من النقض ان الصلاة تبطل بها و زرارة  ثقة، و خبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة اذن. وبملاحظة هذه المواقف الفقهية الثلاثة نجد ان الاحكام التي استنبطها الفقيه كانت من أبواب شتي من الفقه، وان الادلة التي استند إليها الفقيه مختلفة فبالنسبة إلي الحكم الاول استند إلي رواية يعقوب بن شعيب، و بالنسبة إلي الحكم الثاني استند إلي رواية علي ابن مهزيار، وبالنسبة إلي الحكم الثالث استند إلي رواية زرارة. ولكل من الروايات الثلاث متنها و تركيبها اللفظي الخاص الذي يجب أن يدرس بدقة ويحدد معناه، ولكن توجد في مقابل هذا التنوع و هذه الاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عملية الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعاً. فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلي العرف العام في فهم الكلام الصادر عن المعصوم و هو ما يعبر عنه بحجية الظهور العرفي، وحجية الظهور اذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث، وكذلك يوجد عنصر مشترك آخر و هو حجية خبر الثقة. و هكذا نستنتج ان عمليات الاستنباط تشتمل علي عناصر مشتركة كما تشتمل علي عناصر خاصة، و نعني بالعناصر الخاصة تلك العناصر التي تتغير من مسألة إلي أخري، فرواية يعقوب ابن شعيب عنصر خاص في عملية استنباط حرمة الارتماس، لانها لم تدخل في عمليات الاستنباط الاخري بل دخلت بدلا عنها عناصر خاصة اخري كرواية علي بن مهزيار و رواية  زرارة. ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط احكام عديدة في أبواب مختلفة. و في علم الاصول تدرس العناصر المشتركة و في علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة. وهكذا يترك للفقيه في كل مسألة أن يفحص بدقة الروايات و المدارك الخاصة التي ترتبط بتلك المسألة و يدرس قيمة تلك الروايات، ويحاول فهم ألفاظها و ظهورها العرفي و أسانيدها، بينما يتناول الاصولي البحث عن حجية الظهور و حجية الخبر و هكذا.[1]

1