منذ 3 سنوات

الاشهر الحرم

ماهي الأشهر الحرم ؟ ولماذا سميت بالأشهر الحرم؟ وما المقصود بقوله تعالي فلا تظلموا فيهن أنفسكم؟ وهل الإنسان إذا ارتكب ذنباً سواءً في هذه الأشهر الحرم أوليلة الجمعة أونهار الجمعة هل يضاعف عليه العذاب؟


نرسل لكم  ما جاء  في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي عسي ان يكون فيه الجواب الكامل عن سؤالكم . قال( قدس ): ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً في‏ كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقين‏ ). [1]   بيان في الآيتين بيان حرمة الأشهر الحرم( ذي القعدة و ذي الحجة و المحرم و رجب) الفرد و تثبيت حرمتها و إلغاء نسيء الجاهلية، و فيها الأمر بقتال المشركين كافة. قوله تعالي: « اِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ » الشهر كالسنة و الأسبوع مما يعرفه عامة الناس منذ أقدم أعصار الإنسانية، و كان لبعضها تأثير في تنبههم للبعض فقد كان الإنسان يشاهد تحول السنين و مرورها بمضي الصيف و الشتاء و الربيع و الخريف و تكررها بالعود ثم العود ثم تنبهوا لانقسامها إلي أقسام هي أقصر منها مدة حسب ما ساقهم إليه مشاهدة اختلاف أشكال القمر من الهلال إلي الهلال، و ينطبق علي ما يقرب من ثلاثين يوما و تنقسم بذلك السنة إلي اثني عشر شهرا. و السنة التي ينالها الحس شمسية تتألف من ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما و بعض يوم لا تنطبق علي اثني عشر شهرا قمريا هي ثلاثمائة و أربعة و خمسون يوما تقريبا إلا برعاية حساب الكبيسة غير أن ذلك هو الذي يناله الحس و ينتفع به عامة الناس من الحاضر و البادي و الصغير و الكبير و العالم و الجاهل. ثم قسموا الشهر إلي الأسابيع و إن كان هو أيضا لا ينطبق عليها تمام الانطباق لكن الحس غلب هناك أيضا الحساب الدقيق، و هو الذي أثبت اعتبار الأسبوع و أبقاه علي حاله من غير تغيير مع ما طرأ علي حساب السنة من الدقة من جهة الإرصاد، و علي حساب الشهور من التغيير فبدلت الشهور القمرية شمسية تنطبق عليها السنة الشمسية تمام الانطباق. و هذا بالنسبة إلي النقاط الاستوائية و ما يليها من النقاط المعتدلة أو ما يتصل بها من الأرض إلي عرض سبع و ستين الشمالي و الجنوبي تقريبا، و فيها معظم المعمورة و أما ما وراء ذلك إلي القطبين الشمالي و الجنوبي فيختل فيها حساب السنة و الشهر و الأسبوع، و السنة في القطبين يوم و ليلة، و قد اضطر ارتباط بعض أجزاء المجتمع الإنساني ببعض سكان هذه النقاط - و هم شرذمة قليلون - أن يراعوا في حساب السنة و الشهر و الأسبوع و اليوم ما يعتبره عامة سكان المعمورة فحساب الزمان الدائر بيننا إنما هو بالنسبة إلي جل سكان المعمورة من الأرض. علي أن هذا إنما هو بالنسبة إلي أرضنا التي نحن عليها، و أما سائر الكواكب فالسنة - و هي زمان الحركة الانتقالية من الكوكب حول الشمس دورة واحدة كاملة - فيها تختلف و تتخلف عن سنتنا نحن، و كذلك الشهر القمري فيما كان له قمر أو أقمار منها علي ما فصلوه في فن الهيئة. فقوله تعالي: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا» إلخ ناظر إلي الشهور القمرية التي تتألف منها السنون و هي التي لها أصل ثابت في الحس و هو التشكلات القمرية بالنسبة إلي أهل الأرض. و الدليل علي كون المراد بها الشهور القمرية - أولا - قوله بعد: «منها أربعة حرم» لقيام الضرورة علي أن الإسلام لم يحرم إلا أربعة من الشهور القمرية التي هي ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب، و الأربعة من القمرية دون الشمسية. و ثانيا: قوله: «عند الله» و قوله: «في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض» فإن هذه القيود تدل علي أن هذه العدة لا سبيل للتغير و الاختلاف إليها لكونها عند الله كذلك و لا يتغير علمه، و كونها في كتاب الله كذلك يوم خلق السماوات و الأرض فجعل الشمس تجري لمستقر لها، و القمر قدره منازل حتي عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون فهو الحكم المكتوب في كتاب التكوين، و لا معقب لحكمه تعالي. و من المعلوم أن الشهور الشمسية وضعية اصطلاحية و إن كانت الفصول الأربعة و السنة الشمسية علي غير هذا النعت فالشهور الاثنا عشر التي هي ثابتة ذات أصل ثابت هي الشهور القمرية. فمعني الآية إن عدة الشهور اثنا عشر شهرا تتألف منها السنون، و هذه العدة هي التي في علم الله سبحانه، و هي التي أثبتها في كتاب التكوين يوم خلق السماوات و الأرض و أجري الحركات العامة التي منها حركة الشمس و حركة القمر حول الأرض و هي الأصل الثابت في الكون لهذه العدة. و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين أن المراد بكتاب الله في الآية القرآن أو كتاب مكتوب فيه عدة الشهور علي حد الكتب و الدفاتر التي عندنا المؤلفة من قراطيس و أوراق يضبط فيها الألفاظ بخطوط خاصة وضعية. قوله تعالي: « مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ » الحرم جمع حرام و هو الممنوع منه، و القيم هو القائم بمصلحة الناس المهيمن علي إدارة أمور حياتهم و حفظ شئونها. و قوله: « مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ » هي الأشهر الأربعة: ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب بالنقل القطعي، و الكلمة كلمة تشريع بدليل قوله: «ذلك الدين القيم» إلخ. و إنما جعل الله هذه الأشهر الأربعة حرما ليكف الناس فيها عن القتال و ينبسط عليهم بساط الأمن، و يأخذوا فيها الأهبة للسعادة، و يرجعوا إلي ربهم بالطاعات و القربات. و كانت حرمتها من شريعة إبراهيم، و كانت العرب تحترمها حتي في الجاهلية حينما كانوا يعبدون الأوثان غير أنهم ربما كانوا يحولون الحرمة من شهر إلي شهر سنة أو أزيد منها بالنسيء الذي تتعرض له الآية التالية. و قوله: « ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ »، الإشارة إلي حرمة الأربعة المذكورة، و الدين كما تطلق علي مجموع ما أنزله الله علي أنبيائه تطلق علي بعضها فالمعني أن تحريم الأربعة من الشهور القمرية هو الدين الذي يقوم بمصالح العباد. كما يشير إليه في قوله: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس و الشهر الحرام» الآية: المائدة: - . و قوله: « فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ » الضمير إلي الأربعة إذ لو كان راجعا إلي «اثنا عشر» المذكور سابقا لكان الظاهر أن يقال «فيها» كما نقل عن الفراء، و أيضا لو كان راجعا إلي «اثنا عشر» و هي تمام السنة لكان قوله: « فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ » كما قيل في معني قولنا: فلا تظلموا أبدا أنفسكم، و كان الكلام متفرعا علي كون عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا، و لا تفرع له عليه ظاهرا فالمعني لما كانت هذه الأربعة حرما تفرع علي حرمتها عند الله أن تكفوا فيها عن ظلم أنفسكم رعاية لحرمتها و عظم منزلتها عند الله سبحانه. فالنهي عن الظلم فيها يدل علي عظم الحرمة و تأكدها لتفرعها علي حرمتها أولا و لأنها نهي خاص بعد النهي العام كما يفيده قولنا: لا تظلم أبدا و لا تظلم في زمان كذا. و الجملة أعني قوله: « فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ » و إن كانت بحسب إطلاق لفظها نهيا عن كل ظلم و معصية لكن السياق يدل علي كون المقصود الأهم منها النهي عن القتال في الأشهر الحرم.

2