حكم السحر، وهل من الثابت وجود السحر المؤثّر علي نفس الإنسان و ليس المعتمد علي الحركة السريعة(الشعبذة)؟
بالنسبه الي تحضير الارواح:
1- قد اجمع الفقهاء علي تحريمه.
2- علي فرض صحته لايمكن الوثوق باخباره.
اما بالنسبة الي السحر :
المفسرون والسحر:
قد أفاض المفسّرون في عدّة جوانب من الآية رقم 102 من سورة البقرة؛ فتحدثوا عن اليهود الذين اتبعوا السحر، هل هم الذين كانوا علي عهد سليمان، أم غيرهم؟ وتحدّثوا عن كلمة «تتلو» هل هي بمعني تقرأ أم تكذب أم تتبع؟ وعن كلمة «علي ملك سليمان» هل هي في عهده أم في ملكه نفسه؟ وعن « وَ ما أُنْزِلَ عَلَي الْمَلَكَيْن » هل هو متعلّق بكلمة « وَ اتَّبَعُوا » أم بكلمة: « يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » ليكون معطوفاً علي السحر؟ وعن شخصية هاروت وماروت، هل هما ملكان أم شيطانان أم آدميان؟ وغير ذلك من الأبحاث..
وإننا لا نجد مجالاً مفيداً للإفاضة في ذلك في ما سيقت له الآية، لأنَّ البحث عن شخصية اليهود أو شخصية الملكين لا يجدينا شيئاً ما دامت القضية في الآية واردةً في سياق إعطاء الصورة للسلوك اليهودي كطابعٍ عام يطبع الشخصية التاريخية والمعاصرة، أمّا الملكان، فإنَّ المقصود من حديثهما هو اعتبارهما مصدرين خيّرين، أو غير شريرين علي الأقل، من دون دخل لشخصيتهما في الموضوع. وقد لا نريد أن نلغي أهمية معرفة ذلك في بعض الجوانب الأخري التي تتصل بعصمة الملائكة وطبيعتهم من ناحية فكريةٍ مجرّدة، ولكن مثل هذه المعرفة لا تمثّل شيئاً كبيراً في الطبيعة العامة للعقيدة.
أمّا كلمة «تتلو»، فالظاهر بقرينة المقام، أنها كناية عن النسبة الكاذبة، إذ لا معني للقراءة المجرّدة في هذا المجال، كما أنَّ معني الاتباع لا ينسجم مع كلمة «واتبعوا»؛ أمّا كلمة «وما أُنزل» فهي معطوفة ـ ظاهراً ـ علي كلمة «ما تتلو»، لأنَّ ذلك أقرب إلي الانسجام مع طبيعة الآية، لأنَّ ما أنزل علي الملكين ليس شيئاً آخر غير السحر، ليكون معطوفاً علي الكلمة نفسها.
هل للسحر حقيقة؟
أمّا عن السحر، ما حقيقته، وما تأثيره، وهل له أساس من الحقّ يركن إليه؟
لا يبعد أن نستوحي من القرآن الكريم في آياته المتفرقة، ولا سيما في ما جاء من حديث موسي مع السحرة، أنَّ السحر عملية تخييل ولعب علي الأعين والحواس الأخري، وذلك في قوله تعالي: ( سَحَرُواْ أَعْيُنَ النّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) [[1]، وقوله تعالي في حديث موسي معهم: ( مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّه سَيُبْطِلُهُ )[2]، كدلالة علي أنه لا يرتكز علي أساس من الحقّ الذي يمكن له أن يتماسك، وقوله: ( إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّـحِرُ حَيْثُ أَتَي )[3]، لأنَّ عمله لا يؤدي إلي نتيجة حاسمة، بل ينتهي إلي الخيبة والخسران والفشل الذريع. وقد نجد هذا المعني في ما كان الكفّار يواجهون به الأنبياء من اتهامهم بالسحر، باعتبار أنهم يُفقدون الإنسان قدرته علي مواجهة الدعوة بحرية الإرادة والاختيار بما يملكون من وسائل السحر.
وقد وردت الأحاديث الكثيرة في التنديد بالساحر والسحر والتشديد علي عقوبة الساحر في الدنيا والآخرة، فقد جاء في الحديث: « الكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النّار »[4]، و « ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفّار لا يقتل، فقيل: يا رسول اللّه، ولِمَ ذاك؟ قال: لأنَّ الشرك والسحر مقرونان »[5].
ولعلّ الوجه في ذلك هو طبيعة الخطورة التي يمثّلها السحر في ربط النّاس بالخرافة والتضليل والتمويه والابتعاد عن طبيعة الأشياء تحت ستار الأسرار الغامضة المقدّسة، أو الاعتقاد ببعض المؤثرات في خصائص الأشياء بالمستوي الذي يتنافي مع وحدانية اللّه وعظمته.
وإنَّنا لا ننطلق، في تحفّظنا في موضوع اعتبار السحر شيئاً حقيقياً، من فكرة استبعاد علاقة الأشياء غير الملموسة أو غير المادية بالتأثير بالواقع، لأننا لا نؤمن إلاَّ بالجانب الحسي في قضايا الحياة الواقعية، بل لأننا لا نملك أدلة وجدانية أو شرعية ـ في ما نعرفه من أدلة ـ علي ذلك، فتبقي القضية في طور الاحتمال الذي يحتاج في جميع تفاصيله إلي دليل.
وقد اختُلف في ماهية السحر علي أقوال.
فقيل: إنه ضرب من التخييل وصنعة من لطيف الصنائع، وقد أمر اللّه بالتعوذ منه وجعل التحرز بكتابته وقايةً منه، وأنزل فيه سورة الفلق، وهو قول الشيخ المفيد أبي عبد اللّه من أصحابنا.
وقيل إنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها يخيّل إلي المسحور أنَّ لها حقيقة.
وقيل إنه يمكن للساحر أن يقلب الإنسان حماراً ويقلبه من صورة إلي صورة، وينشئ الحيوان علي وجه الاختراع.. وهذا لا يجوز، ومن صدّق به فهو لا يعرف النبوّة ولا يأمن أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النوع، ولو أنَّ الساحر والمعزّم قدرا علي نفع أو ضرر وعلما الغيب لَقدرا علي إزالة الممالك واستخراج الكنوز من معادنها، والغلبة علي البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه أو ضرر، فلما رأيناهم أسوأ حالاً وأكثرهم مكيدةً واحتيالاً، علمنا أنهم لا يقدرون علي شيء من ذلك. فأمّا ما روي من الأخبار أنَّ النبيّ (ص) سُحر، فكان يري أنه فعل ما لم يفعله أو أنه لم يفعل ما فعله، فأخبار مفتعلة لا يُلتفت إليها، وقد قال اللّه سبحانه وتعالي ـ حكايةً عن الكفّار ـ: ( إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا )[6] . حاشا النبيّ (ص) من كلّ صفة نقص تنفر عن قبول قوله، فإنه خيرة اللّه من خليقته وصفوته من بريته.
وإننا نعقّب علي ما استفاده الشيخ المفيد من سورة الفلق، في قوله تعالي: ( وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ )[7] ، أنَّ من الممكن أن تكون الاستعاذة أسلوباً من أساليب التخلّص من الحالات النفسية التي يعيشها الإنسان من خوف أو قلق إزاء هذه الحالات، وذلك بسبب العقلية الشعبية التي درجت علي اعتقاد وجود آثار حقيقية لمثل هذه الأمور، وقد يكون قريباً من هذا الجوّ الأحاديث الواردة في الاستعاذة باللّه من أسباب الطيرة والتشاؤم إذا حدث في النفس شيء بسببها، ما يوحي بأنَّ المعالجة ليست معالجةً لشيء حقيقي يخاف من خطره، بل هي معالجة لحالة نفسية تحدث من خلال العقائد الموروثة، وقد لا يعني هذا أن نلغي من الحساب كلّ التأثيرات الروحية بسبب بعض الكلمات المقدسة من أسماء اللّه الحسني وآياته، فقد ورد في كثير من الأحاديث تأثيرها في بعض القضايا التي تبقي من اهتمامات الأديان المرتكزة علي وحي اللّه الذي يعلم حقائق الأشياء في خصائصها الروحية والمادية.
ولكن هذه الأمور ليست مساحةً مفتوحة للجميع، بل هي من صلاحيات أهل المعرفة الدينية الواعية الذين يميّزون بين الخرافة والحقيقة ويعرفون صحيح الحديث من فاسده، فلا يأخذون من هذه القضايا إلاَّ ما ثبت لهم صحته مما لا يخالف المنطق وطبيعة الأشياء، ولا يمكن الاستسلام فيها إلي أشباه الأميين الذين لا يملكون من المعرفة إلاَّ قليلاً، فيعتمدون علي الصدفة في ربح ثقة النّاس، مما لم يكن لهم فيه أي دخلٍ من معرفة أو تأثير، فيتبعهم النّاس لذلك ويعتذرون عنهم في غير ذلك مما يخطئون فيه، لأنَّ شأن النّاس أن يحبّوا التصديق السهل في الأمور، فذلك يجعلهم في حالة استسلام للحل السهل الذي لا يكلّفهم عناءً في مواجهة الأشياء.[8]