منذ سنتين

مسائل حول التقليد

قبل أن يبدأ المكلف بتقليد أيّ مجتهد , من أين يأخذ مسائل التقليد و خصوصاً: معني الاجتهاد و وجوب تقليد المجتهد و شرائط هذا المجتهد و وجوب تقليد الأعلم ؟ 1- فهل هذه المسائل مسائل عقائديّة مبنيّة علي النّصوص يجب تحصيل الاقتناع العقليّ بها ؟ 2- أم هي مجرّد مسائل مصدرها العقل ترجع إلي رجوع غير المختصّ إلي المختصّ؟ و في الفرض الثّاني هل يجوز أن يختلف فيها النّاس؟ 3- ما حكم من يقول بعدم وجوب التقليد أو عدم وجوب تقليد المجتهد أو عدم وجوب تقليد الأعلم أو أنّه يكفي لمعرفة الأعلميّة الارتياح الشّخصيّ؟ أفتونا مأجورين


بالنسبة الي التقليد نقول: التقليد و الاتّباع فيما لا يحسنه الإنسان شيء من فطرته و طبيعته ؛ فلا يحسن الإنسان كلّ ما يتعلّق بحياته وسلوكه و واجباته علي تشعّب مسائل الحياة و واجباته فيها ، فيضطر الإنسان حينئذ إلي التقليد و اتّباع الآخرين ممّن يحسنون ذلك . فحين يصاب الإنسان بمرض ، لا يتردّد في مراجعة الأطباء التمتخصّصين في فهم نوعية المرض و تعيين العلاج  و لا يتردّد في تنفيذ توصيات الطبيب فيما يتعلّق بصحّته، و ذلك انطلاقا من الأصل المتقدّم القائم بالفطرة .. فإنّ الرجوع إلي أصحاب الاختصاص فيما لا يحسنه الإنسان و ما لا يعرفه أمر متأصل في فطرة الإنسان، يجري عليه الإنسان في الجانب الأكبر من حياته و من شؤونه .و كلّما تتّسع دائرة حياة الإنسان و حاجاته و تتوسّع الاختصاصات و الخبارت و التجارب البشرية، كلّما تزداد حاجة الإنسان للتقليد الاستعانة بذوي الخبرة و التجربة. فالطبيب الذي يختصِّ بأمراض القلب، لا يستطيع أن يقطع برأي في مريض قبل أن يستشير عددا من ذوي الاختصاصات الاخري في الطب. و في صناعة مادّة كيمياوية، أو صنع النسيج ، أو تصفية وتكريرالنفط قد يسهم العشارت من ذوي الخبرة و الاختصاصات المختلفة حتي يتمّ العمل. و لا يملك الإنسان في مسائل الحياة المتشعّبة و الكثيرة و حاجاته الآخذة في الاتّساع، إلّا أن يرجع الي عدد كبير من ذوي الاختصاص و الخبرة، و تتوزّع الاختصاصات في المجتمع بصورة طبيعية، و يتمّ التقليد و الرجوع إلي ذوي الاختصاص في المسائل المختلفة كذلك بصورة طبيعية، دون أن يفكر أحد من الناس أن يقوم وحده بعبء كلّ حياته، و أن يتخصّص في جميع المسائل التي تعنيه من أمر حياته. و التقليد بهذا المعني قانون أصيل من قوانين الفطرة، و هو يختلف تماما عن التقليد المذموم الذي يفهمه الناس من كلمة التقليد، و ليس بمعني التبعية غير الواعية و غير الراشدة ، فإنّ هذا النوع من التقليد في واقعه، رجوع الجاهل إلي الجاهل، و ليس رجوعا للجاهل إلي العالم بعد تقييم و تقدير و حساب. و الذي نعنيه من التقليد هنا، هو رجوع الجاهل إلي العالم بعد تقييم و تقدير و حساب، و هو تقليد واع يتمّ عن تقييم و بصيرة لا بدّ منه، ليتيح للإنسان الانتفاع بخبرات الآخرين و تجاربهم و اختصاصاتهم، و كلّما تتعقّد مسائل الحياة و تتشعّب، تزداد حاجة الإنسان و إقباله إليه أكثر من ذي قبل. و التقليد بهذا المعني، هو نفس المعني الذي يقصد من كلمة التقليد التي تأتي في قبال كلمة الاجتهاد، فإنّ الشريعة الإسلامية تتضمّن سلسلة من التعليمات و التشريعات التي تتعلّق بسلوك الإنسان المسلم وعلاقاته و أعماله. و هي تشتمل علي كلّ جوانب حياة الإنسان الفردية و الاجتماعية، و كلّ علاقاته و صلاته، و كلّ أنحاء حياته في دقّة و تفصيل. و لا يتيسّر لكلّ أحد أن يعرف هذه الأحكام في تفاصيلها من مصادرها الأولي، فإنّ هذه العملية تتطلّب جهدا كبيرا، ودراسة طويلة لهذه المصادر و معرفة كاملة بقواعد الفقه و أصوله، و إحاطة بالأحاديث و الروايات و إلماما بإسناد هذه الروايات. و التوفّر علي ذلك كلِّه يتطلّب دراسة لا تتوفّر لكل ّ انسان. و الذين يتاح لهم أن يتخصّصوا في هذا العلم و يتوفّروا عليه هم قلّة قليلة من الناس، فلا يملك جمهور المسلمين من غير الفقهاء ، و هم مكلّفون بأحكام هذا الدين و تشريعاته ، إلّا أن يستعينوا بذوي الخبرة و الاختصاص في هذا العلم ، و يقلّدوا ممّن أتيحت لهم هذه الدراسة. و لتوضيح ذلك نعرض البحث ضمن نقاط كلّها عقلية او عقلانية . 1- ان الانسان يؤمن بوجود خالق هو الله ، و هذه مسألة عقلية . 2- كما يدرك بعقله أيضا ان هناك واسطة بينه و بين الله تعالي هو النبي .الذي يأتي باحكام الله تعالي. 3- انه يعتقد ان الرسول او الواسطة صادق في قوله و لا يمكن ان يكذب لان اظهار المعجزة علي يد الكاذب أمر قبيح ، يستحيل علي الله تعالي القيام به .اذا لا بدّ ان يكون هذا النبي صادقا في قوله .و قد اخبر هذا الرسول بان لله احكاما و دساتير ينبغي علي المكلف القيام بها، و من هنا يحكم العقل بوجوب تصديقه فيما يقول و امتثال الأمر. 4- ان امتثال الأمر يحتاج الي الوصول الا الحكم و معرفته اولا ثم امتثاله، و هذه المعرفة تتم من خلال الطرف التالية . الف- السماع المباشر و فهم النص من الرسول (ص) او الائمة من بعده مباشرة ،و هذا الأمر غير ممكن الآن لغياب الامام عجل الله فرجه الشريف و عدم امكان الاتصال به عليه السلام. ب- ان يراجع المكلف المصادر بنفسه (القرآن – السنة – كتب التفسير ، كتب اللغة – اصول الفقه – اسس الكلام و ... المزید) و غير ذلك من المقدمات الطويلة ، و هذا هو الأمر المستحسن و لكنه في الواقع غير ممكن لان ّذلك يحتاج الي تخصص و بذل زمن طويل في هذا المجال. و هذا يعني تعطيل الحياة ما جهة، و من جهة ثانية ان هناك الكثير من الناس ممن لا يمكنهم اصلا الوصول الي هذه المرتبة من العلم الدقيق. تصوّر الأمر لوطلبنا من كل انسان ان يختص في حقل الطب ليعالج نفسه فهم يمكن ذلك؟ او طلب من كل انسان ان يكون مهندسا زراعيا ليوفر المقدمات اللازمة لتهيئة غذائه؟! او طلبنا من الشعب الفرنسي ان يتقن القانون الفرنسي او الامريكي ان يتقن القانون الامريكي ، فهل هذا ممكن اساسا؟! قطعا لا. 5- اذا لم يبق الّا طريق واحد و هو ان يرجع في ذلك الي اصحاب الاختصاص و هم الفقهاء، ومن حسن الحظ ان الشارع قد طابق العقل هنا، و هذا ما يظهر من الاحاديث التي ارجعت  الناس الي الفقهاء . 6- نعم وقع البحث بين الفقهاء ان الفقيه الذي ينبغي الرجوع اليه هل يكفي الرجوع الي الفقيه الممارس او لا بدّ من الرجوع الي الاعلم.وهذه مسالة ضمن الاختصاص نفسه ولاضير فيها. اما بالنسبة الي السؤال الثاني: ما حكم من يقول بعدم وجوب التقليد و ... نقول : التقليد بنفسه ليس واجبا بل هو واجب من باب المقدمية للوصول الي الحكم الشرعي. فالذي يقول بذلك اي عدم التقليد ينبغي ان يضع بديلا مناسبا لذلك. و لا نعتقد انه يستطيع، هذا اذا كانت نيتة سليمة. اما اذا كان يهدف من وراء ذلك الفصل بين الاسلام و احكامه و بين المسلمين، فلا ريب ان عمله محرم، ينبغي الوقوف أمامه وردعه، اذا لم تكف معه الكلمة و الحوار الهادئ.[1]

1