مسائل حول التقليد
قبل أن يبدأ المكلف بتقليد أيّ مجتهد , من أين يأخذ مسائل التقليد و خصوصاً: معني الاجتهاد و وجوب تقليد المجتهد و شرائط هذا المجتهد و وجوب تقليد الأعلم ؟ 1- فهل هذه المسائل مسائل عقائديّة مبنيّة علي النّصوص يجب تحصيل الاقتناع العقليّ بها ؟ 2- أم هي مجرّد مسائل مصدرها العقل ترجع إلي رجوع غير المختصّ إلي المختصّ؟ و في الفرض الثّاني هل يجوز أن يختلف فيها النّاس؟ 3- ما حكم من يقول بعدم وجوب التقليد أو عدم وجوب تقليد المجتهد أو عدم وجوب تقليد الأعلم أو أنّه يكفي لمعرفة الأعلميّة الارتياح الشّخصيّ؟ أفتونا مأجورين
بالنسبة الي التقليد نقول:
التقليد و الاتّباع فيما لا يحسنه الإنسان شيء من فطرته و طبيعته ؛ فلا يحسن الإنسان كلّ ما يتعلّق بحياته وسلوكه و واجباته علي تشعّب مسائل الحياة و واجباته فيها ، فيضطر الإنسان حينئذ إلي التقليد و اتّباع الآخرين ممّن يحسنون ذلك .
فحين يصاب الإنسان بمرض ، لا يتردّد في مراجعة الأطباء التمتخصّصين في فهم نوعية المرض و تعيين العلاج و لا يتردّد في تنفيذ توصيات الطبيب فيما يتعلّق بصحّته، و ذلك انطلاقا من الأصل المتقدّم القائم بالفطرة ..
فإنّ الرجوع إلي أصحاب الاختصاص فيما لا يحسنه الإنسان و ما لا يعرفه أمر متأصل في فطرة الإنسان، يجري عليه الإنسان في الجانب الأكبر من حياته و من شؤونه .و كلّما تتّسع دائرة حياة الإنسان و حاجاته و تتوسّع الاختصاصات و الخبارت و التجارب البشرية، كلّما تزداد حاجة الإنسان للتقليد الاستعانة بذوي الخبرة و التجربة.
فالطبيب الذي يختصِّ بأمراض القلب، لا يستطيع أن يقطع برأي في مريض قبل أن يستشير عددا من ذوي الاختصاصات الاخري في الطب.
و في صناعة مادّة كيمياوية، أو صنع النسيج ، أو تصفية وتكريرالنفط قد يسهم العشارت من ذوي الخبرة و الاختصاصات المختلفة حتي يتمّ العمل.
و لا يملك الإنسان في مسائل الحياة المتشعّبة و الكثيرة و حاجاته الآخذة في الاتّساع، إلّا أن يرجع الي عدد كبير من ذوي الاختصاص و الخبرة، و تتوزّع الاختصاصات في المجتمع بصورة طبيعية، و يتمّ التقليد و الرجوع إلي ذوي الاختصاص في المسائل المختلفة كذلك بصورة طبيعية، دون أن يفكر أحد من الناس أن يقوم وحده بعبء كلّ حياته، و أن يتخصّص في جميع المسائل التي تعنيه من أمر حياته.
و التقليد بهذا المعني قانون أصيل من قوانين الفطرة، و هو يختلف تماما عن التقليد المذموم الذي يفهمه الناس من كلمة التقليد، و ليس بمعني التبعية غير الواعية و غير الراشدة ، فإنّ هذا النوع من التقليد في واقعه، رجوع الجاهل إلي الجاهل، و ليس رجوعا للجاهل إلي العالم بعد تقييم و تقدير و حساب.
و الذي نعنيه من التقليد هنا، هو رجوع الجاهل إلي العالم بعد تقييم و تقدير و حساب، و هو تقليد واع يتمّ عن تقييم و بصيرة لا بدّ منه، ليتيح للإنسان الانتفاع بخبرات الآخرين و تجاربهم و اختصاصاتهم، و كلّما تتعقّد مسائل الحياة و تتشعّب، تزداد حاجة الإنسان و إقباله إليه أكثر من ذي قبل.
و التقليد بهذا المعني، هو نفس المعني الذي يقصد من كلمة التقليد التي تأتي في قبال كلمة الاجتهاد، فإنّ الشريعة الإسلامية تتضمّن سلسلة من التعليمات و التشريعات التي تتعلّق بسلوك الإنسان المسلم وعلاقاته و أعماله.
و هي تشتمل علي كلّ جوانب حياة الإنسان الفردية و الاجتماعية، و كلّ علاقاته و صلاته، و كلّ أنحاء حياته في دقّة و تفصيل.
و لا يتيسّر لكلّ أحد أن يعرف هذه الأحكام في تفاصيلها من مصادرها الأولي، فإنّ هذه العملية تتطلّب جهدا كبيرا، ودراسة طويلة لهذه المصادر و معرفة كاملة بقواعد الفقه و أصوله، و إحاطة بالأحاديث و الروايات و إلماما بإسناد هذه الروايات. و التوفّر علي ذلك كلِّه يتطلّب دراسة لا تتوفّر لكل ّ انسان.
و الذين يتاح لهم أن يتخصّصوا في هذا العلم و يتوفّروا عليه هم قلّة قليلة من الناس، فلا يملك جمهور المسلمين من غير الفقهاء ، و هم مكلّفون بأحكام هذا الدين و تشريعاته ، إلّا أن يستعينوا بذوي الخبرة و الاختصاص في هذا العلم ، و يقلّدوا ممّن أتيحت لهم هذه الدراسة.
و لتوضيح ذلك نعرض البحث ضمن نقاط كلّها عقلية او عقلانية .
1- ان الانسان يؤمن بوجود خالق هو الله ، و هذه مسألة عقلية .
2- كما يدرك بعقله أيضا ان هناك واسطة بينه و بين الله تعالي هو النبي .الذي يأتي باحكام الله تعالي.
3- انه يعتقد ان الرسول او الواسطة صادق في قوله و لا يمكن ان يكذب لان اظهار المعجزة علي يد الكاذب أمر قبيح ، يستحيل علي الله تعالي القيام به .اذا لا بدّ ان يكون هذا النبي صادقا في قوله .و قد اخبر هذا الرسول بان لله احكاما و دساتير ينبغي علي المكلف القيام بها، و من هنا يحكم العقل بوجوب تصديقه فيما يقول و امتثال الأمر.
4- ان امتثال الأمر يحتاج الي الوصول الا الحكم و معرفته اولا ثم امتثاله، و هذه المعرفة تتم من خلال الطرف التالية .
الف- السماع المباشر و فهم النص من الرسول (ص) او الائمة من بعده مباشرة ،و هذا الأمر غير ممكن الآن لغياب الامام عجل الله فرجه الشريف و عدم امكان الاتصال به عليه السلام.
ب- ان يراجع المكلف المصادر بنفسه (القرآن – السنة – كتب التفسير ، كتب اللغة – اصول الفقه – اسس الكلام و