منذ سنتين

تقمص الارواح عند الدروز الموحدين و كذلك الاخوة العلويين

كثيرا ما نتحادث انا واحد الاخوة الدروز الموحدين و كذلك الاخوة العلويين بشأن عقيدة التقمص - تقمص الارواح - عندهم واود سؤالك عن اصل هذه العقيدة ومنشأها لديهم و هل صحيح بان اول من قال فيها هو افلاطون؟ وكيف يفسر الاخوة الدروز و العلويون هذه العقيدة بانه من الممكن ان تحل روح ميت في بدن حديث الخلق؟ واتمني علي سماحتكم ان توردوا لنا نبذة عن هذه العقيدة مشكورين.


بحث التناسخ من البحوث المفصلة و ها نحن نذكر لك خلاصة لهذا البحث، و بامكانك الرجوع الي كتاب الفكر الخالد الجزء الثاني ص 208 –224 فقد ورد فيه: التناسخ مأخوذ من « نسخ» و الذي يستفاد من كلمات علماء اللغة حول هذا المصطلح أنّهم أخذوا في هذا المصطلح خصوصيتين، هما: التحوّل و الانتقال . التعاقب.[1] و من هنا أطلق في الشريعة علي الحكم الذي يزيل حكما آخر لفظ «النسخ»، و انّ هاتين الخصوصيتين موجودتان و بوضوح في هذا المجال، و لكن باعتبار أنّ اللفظ في المسائل الكلامية أخذ بمعني « التناسخ » اكتفي بذكر الخصوصية الأولي فقط و لم تذكر الخصوصية الثانية، فإنّنا سنقول مثلا: «إنّ التناسخ خروج النفس من بدن و انتقالها إلي بدن آخر»، فقد أخذ هنا خصوصية التحوّل و الانتقال و لم نلحظ خصوصية التعاقب. ثم ّ إن ّ القائلين بالتناسخ طرحوا ثلاث نظريات ، و هي : الف : التناسخ المطلق أو اللا محدود. ب: التناسخ النزولي المحدود . ج : التناسخ الصعودي المحدود . إنّ هذه النظريات الثلاث جميعها تشترك – من جهة الإشكال – في كونها مضادة للمعاد و لا تنسجم معه [2]، و ذلك لأنّ النوع الأوّل باطل من وجهة النظر الفلسفية و يتعارض مع المعاد تعارضا تاما ، و أمّا النوع الثالث فإنّه غير صحيح من وجهة النظر الفلسفية فقط ، لا يتنافي مع المعاد من جميع الجهات ، و لكن باعتبار أن ّ الجميع تشترك في أصل واحد و هو : « انتقال النفس من بدن الي بدن آخر » من هذه الناحية ذكرنا النوع الثالث ضمن أنواع التناسخ. و ها نحن نشرع في بيان و توضيح الأنواع و الأقسام المذكورة .   التناسخ المطلق أو اللا محدود يراد من التناسخ هنا أنّ النفوس البشرية تخرج من بدن الي بدن آخر علي وجه الاستمرار و في جميع  الأزمان و جميع الأفراد ، فالنفوس بعد خروجها من البدن تتعلّق ببدن آخر و ثالث و رابع و خامس و ... المزید و هكذا تستمر في تقمّصها الأبدان بصورة واضحة و مستمرة ، و وفقا لهذه النظرية لا يكون المعاد إلّا عودة الأرواح الي الأبدان الآخري لا غير . و قد أطلق علي هذا النوع من التناسخ عنوان التناسخ المطلق أو اللا محدود ، لشموليته لجميع الأفراد من جهة و لاستمراريته في جميع الأزمان من جهة أخري . يقول شمس الدين محمد الشهروزي ( المتوفّي بعد 687 ه ) في بيان هذا النوع من التناسخ : « و من القدماء من يقول بعدم تجرّد جميع النفوس بعد المفارقة و هم المعروفون ب« التناسخية » فإنّهم يزعمون انّ النفوس جرمية دائمة الانتقال في الحيوانات . و هؤلاء أضعف الحكماء و أقلّهم تحصيلا »[3]   التناسخ النزولي المحدود إنّ أصحاب هذه النظرية يذهبون الي فكرة مؤدّاها انّ الناس من ناحية الحكمة العملية و النظرية، علي صنفين: صنف قد بلغ من الحكمة العملية و النظرية مرتبة لا تعود النفس حينها الي هذه النشأة بعد خروجها من البدن، بل تلتحق بعالم المجردات و المفارقات، و لا مبرر لرجوعها للدنيا مرّة أخري، و ذلك لأنِها قد بلغت الكمال المطلوب منها. و أمّا الصنف الآخر فهو الصنف الذي لم يبلغ من ذلك الكمال العلمي و العملي إلّا رتبة واطئة و منزلة متدنية، و لم يتسنّ لتلك النفوس أن تتطهّر التطهّر الكامل من الدنس و الرذائل و لذلك اقتضت الحاجة أن تعود تلك النفوس الي النشأة الأولي لغرض بلوغها الكمال المطلوب من التناسخ و التقمّص حتّي تصل النفس الي كمالها المطلوب، فإذا وصلت اليه انقطعت حالة التناسخ و التحقت النفس بالمجرّدات. و من و الواضح أنّ هذا النوع من التناسخ ينطوي علي نوعين من المحدودية، هما: 1. المحدودية من جهة الأفراد، و ذلك باعتبار أنّ هذا النوع من التناسخ هو من نصيب الإنسان غير الكامل، و أمّا الإنسان الكامل فإنّه لا يبتلي بهذا المصير و لا حاجة له اليه. 2. المحدودية الثانية من جهة الزمان ، بمعني أنّ هذه المجموعة من الناس الذين عادوا الي الحياة الدنيا و تعلّقوا بأبدان أخري لن يستمر التناسخ عندهم، بل سيقف عند بلوغ النفس المستنسخة الكمال المطلوب في العلم و العمل.   التناسخ الصعودي إنّ هذه النظرية تقوم علي ركيزتين، هما: ألف: انّ النبات من بين الأجسام أكثر استعداد من غيره من الأجسام لكسب فيض الحياة. ب: انّ الإنسان له قدر أكبر من الاستعداد لإفاضة الحياة عليه و التي قد تجاوزت مراتبها النباتية و الحيوانية. فعلي أساس هذين الأصلين (استعداد النباتات – و لياقة الأنسان) فقد شاءت الإرادة الإلهية أن تتعلّق الحياة في سيرها التكاملي بالنبات الأقرب للحيوان، ثمّ تنتقل منه الي عالم الحشرات ثمّ الي عالم الحيوانات التي هي أقرب للإنسان، ثمّ بعد التكامل و الوصول الي المرحلة الفردية تقفز الي الحياة قفزة لتستقر في الأنسان لغرض الاستكمال حيث تتدرج من الأدني « النازل » الي الدرجة الكاملة. [4]   تحليل جامع للتناسخ الي هنا تعرّفنا علي أقسام التناسخ و قد حان الوقت للحديث عن التناسخ بصورة جامعة و إبطاله من دون الالتفات الي خصائص كلّ قسم من أقسامه، و لقد ذكرت لإبطال التناسخ الكثير من الأدلّة ، نكتفي بذكر دليلين فقط، هما: الدليل الأوّل: تعلّق نفسين في بدن واحد. إنّ لازم القول بالتناسخ المطلق هو تعلّق نفسين في بدن واحد، و اجتماع روحين في جسد واحد، و هذا البرهان يبتني علي التسليم بأصلين، هما: الف: كلّ جسم – الأعم من النباتي أو الحيواني أو الإنساني – حين يصل الي مرحلة الاستعداد لتقبل الروح و تعلّقها به فإنّ الله سبحانه و تعالي يفيض عليه الروح ، و ذلك لأنّ المشيئة الإلهية تعلّقت بأن يوصل كلّ ممكن الي كماله المطلوب . ففي هذه الحالة تطلب الخلية النباتية نفسا نباتية و تطلب النطفة الحيوانية نفسا حيوانية و يطلب الجنين الإنساني نفسا إنسانية ، و من المحتم أنّ الله سبحانه يفيض تلك النفوس عليها للتعلّق بها. ب: إذا تعلّقت النفس الإنسانية – بعد الموت – بالجسم النباتي أو الحيواني، ففي هذه الصورة يكون للجسم و البدن الذي تعلّقت به النفس نوع تشخص وتعين وحياة تتناسب مع ذلك الجسم والبدن. ومن الواضح ان التسليم بهاتين المقدمتين يستلزم  تعلق نفسين في بدن واحد احداهما  نفس ذلك البدن الذي تعلقت به بسبب لياقته و استعداده و أفيضت عليه من قبل الله سبحانه، و النفس الأخري هي النفس المستنسخة التي انتقلت اليه من بدن آخر. و من الواضح انّ اجتماع نفسين في بدن واحد باطل لوجهين: الأوّل: انّ ذلك خلاف الوجدان، و لم يحدّثنا تاريخ البشرية الطويل عن وجود مصداق واحد لمثل هذا الإنسان الذي يحمل روحين في بدن واحد. الثاني : يلزم من ذلك – من جهة الصفات النفسية – تكرر الصفات النفسية مثلا لو أعلم ببزوغ الشمس أو أحبّ مخلوقا ما ، فلازمه أن يتكرر في نفسه هذا العلم و كذلك يتكرر الحبّ  أو أي صفة أخري تحصل في النفس و هناك اشكالات واردة علي هذه الانواع من التناسخ يمكنكم الاطلاع عليها من خلال مراجعة المصدر المذكور. و بعبارة أخري: انّ النتيجة الطبيعية لتعلّق النفسين في بدن واحد أن يمتلك الإنسان الواحد شخصيتين و تعينين و ذاتين في آن واحد، و معني ذلك تكثر الواحد و وحدة الكثير، و ذلك لأن الفرد الخارجي هو إنسان كلّي و لازم الوحدة أن تكون له نفس واحدة، و لكن بناء علي نظرية التناسخ تكون له نفسان، و بالطبع هذا يعني وجود فردين من الإنسان الكلّي، و هذا هو الإشكال المعروف بوحدة المتكثر و تكثر الواحد [5] و هذا الفرض بالإضافة الي كونه محالا عقلا، يوجد فيه محذور آخر، إذ يلزم منه أن يكون للإنسان في كلّ واقعة أو حادثة فكران أو علمان، و هكذا سائر الصفات النفسية الأخري. الإجابة عن تساؤل من الممكن أن يطرح التساؤل التالي: صحيح انّ الخلية النباتية أو النطفة الحيوانية أو الجنين الإنساني حينما يصل الي مرحلة اللياقة و الاستعداد لتلقّي الروح تفاض عليه الروح، و لكن في الوقت نفسه يمكن أن يكون تعلّق النفس المستنسخة مانعا من تعلّق النفس الأخري، و حينئذ لا يكون ذلك الموجود ذا شخصين و ذا نفسين في آن واحد؟ و الجواب عن التساؤل: واضح ، و ذلك: لأنّ منع النفس المستنسخة من تعلّق النفس الجديدة في الخلية النباتية أو النطفة الحيوانية أو الجنين الإنساني، ليست أولي من العكس، بل انّ النفس النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية التي تعلّقت بالنبات أو النطفة أو الجنين هي الأولي في منع النفس المستنسخة من التعلّق بالبدن، و من الواضح انّ ترجيح أحدهما علي الآخر ترجيح بلا مرجح. و بعبارة أخري: انّ كلّ بدن من هذه الأبدان علي استعداد لتقبّل نفس واحدة، و من الواضح أنّ تعلّق كلّ نفس منهما يمنع من تعلّق الأخري ، فلماذا يا تري نقبل ما نعية النفس المستنسخة و نغض الطرف عن الأخري؟! الدليل الثاني: انعدام التنسيق و الانسجام بين النفس و البدن. في الحقيقة انّ التركيب بين النفس و البدن ليس من قبيل التركيب الصناعي بين المنضدة و الكرسي، أو من قبيل التركيبات الكيمياوية، بل هو تركيب أسمي و أرقي ،إذ هو تركيب واقعي و حقيقي ، يشكل في الحقيقة نوعا من الوحدة بينهما و هذه الوحدة حاكمة عليهما، و بسبب هذه الوحدة الحقيقية تسير النفس سيرا متناسقا و منسجما مع حركة البدن و نموه، و تكامله، و لذلك تكتسب النفس شأنا و خاصية تنسجم مع المرحلة التي يعيش فيها البدن من الرضاعة الي الطفولة الي الفتوة و المراهقة، مرورا بالشباب ثمّ الكهولة و الشيخوخة و الهرم، و في كلّ هذه المراحل تنتقل قوي النفس من مرحلة القوّة و الاستعداد الي مرحلة الفعلية و الاقتدار بما يناسب تلك المرحلة. ففي هذه الحالة التي اكتسبت النفس كمالاتها و انتقلت استعداداتها من مرحلة القوة الي الي الفعلية، كيف يا تري أن تنتقل هذه النفس بهذه الخصائص لتتعلّق بالخلية النباتية أو النطفة الحيوانية أو الجنين الإنساني؟ و كيف يمكن لها أن تنسجم و تتناسق مع ذلك البدن والمفروض انّها وصلت من ناحية الكمالات الي حدّ الفعلية، و البدن لا يزال يعيش في المراحل الأولي من كمالاته، بل إنّه يمتلك فقط القوّة و الاستعداد للتكامل فقط؟!. ملاحظة: انّ هذا البرهان إنّما يصدق في حالة واحدة و هي إذا تعلّقت النفس المتكاملة ببدن أدني منها، أي بالبدن الذي لم تصل كمالاته و استعداداته الذاتية الي حد الفعلية، و أمّا إذا تعلّقت ببدن متكامل قد وصلت قدراته الي حدّ الفعلية، فحينئذ يمكنه التناسق و الانسجام معها، و لا يصدق حينئذ ذلك البرهان [6] و في الختام: ان ّ محور هذا البرهان قائم علي انعدام الانسجام و التناسب بين الروح و البدن، و الذي يصدق في أغلب صور التناسخ و لا علاقة لهذا البرهان بالبرهان السابق الذي ذكرناه في باب التناسخ النزولي، و الذي قلنا إنّه يستلزم التبعية دائما و رجوع الفعليات الي القوة.[7] اما مايقال بين الحين والاخر من وقوع بعض الحالات التي يدعي انها حالات تناسخية فهي من جهة قليلة ومحدودة  جدا وهذه  المحدودية تثير الريب والشك فيها علما.  ومن جهة اخري انها امور ظنية  لاتنتج علما يقينيا يمكن الركون اليه في مثل هذه الامور الحساسة التي لايمكن الركون فيها الي الظنيات  خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار مخالفتها للعقل.