منذ سنتين

اعلان نبي الله سليمان عليه السلام الجهاد علي بلقيس

لماذا أعلن نبي الله سليمان عليه السلام الجهاد علي بلقيس، ألا يتعارض ذلك مع قوله تعالي:(لا إكراه في الدين)؟


الاجابة عن السؤال المطروح تتم بطريقتين: الاولي: ان المتتبع للآيات التي تحدثت عن القصة المذكورة في سورة النحل يجد ان النبي سليمان عليه السلام لم يعلن الحرب ابتداء بل اعتمد الاسلوب الدبلوماسي كما يصطلح عليه الآن.او اسلوب التبليغ و الارشاد كما يصطلح عليه سابقا. فحينما استمع سليمان عليه السلام إلي التقرير الذي اعدّه الهدهد في رحلته التي غاب فيها و كيف انه تعرف علي دولة لها كل مسترمات الدولة في ذلك الوقت وتعرف علي اسم الملكة فقال: ( أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقين‏ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ لَها عَرْشٌ عَظيم‏ ) [1] هنا نجد سليمان عليه السلام يتخذ الموقف الحكيم من ذلك التقرير فلم يصدق الهدهد و لم يكذبه و انما قال: ( قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبينَ ) .[2] ثم ينتقل سليمان عليه السلام الي الاسلوب الدبلوماسي و التبليغي حيث يقول: ( اذْهَبْ بِكِتابي‏ هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُون‏ ).[3] اذا سليمان عليه السلام استعمل في اوّل الأمر– و الاخير طبعاٌ – اسلوب التبليغ. و الشاهد علي ذلك ان بلقيس نفسها قد وصفت الكتاب بانه كريم حيث قالت: ( قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَريمٌ ) .[4] و لذلك اسلمت و نجحت الخطة التي اعتمدها سليمان عليه السلام. هذا ملخص للجواب وفقا للطريقة الاولي. الطريقة الثانية: علي فرض صحة ان سليمان عليه السلام قد اعلن الجهاد عليها، و هنا يكون الجواب بالنحو التالي: انه لا يوجد تعارض قطعا بين آية ( لا إِكْراهَ فِي الدِّين‏ )[5] و بين موقف النبي سليمان عليه السلام، و ذلك لاننا اذا امعنا النظر في الأمر نجد ان الانسان مطلقا و بلقيس خاصة، قد يمتلك شخصية حقوقية بالاضافة الي شخصيته الحقيقية. فعلي سبيل المثال: رئيس الجمهورية (زيد) له شخصية حقيقة انه فلان بن فلان الساكن في المنطقة الفلانية المتميز بالصفات الفلانية و هذه الشخصية تقع موضوعا لكثير من الاحكام منها: وجوب الصوم الحج الصلاة الزكاة و ... و منها ايضا انه لا يكره في دينه. و اما شخصيتة الحقوقية: اي كونه رئيسا للجمهورية فلها احكام خاصة بها و ليس منها ( لا إِكْراهَ فِي الدِّين ) لان هذا الحكم لا يتوجه الي المنصب. اذا عرفنا ذلك، نقول: اننا اذا نظرنا الي بلقيس بكونها شخصية حقيقية فلا يصح اجبراها علي الدين لانه لا اكراه في الدين، و لا يمكن محاربتها لذلك و هذا ما لم يفعله سليمان عليه السلام حيث انه لم يجبرها علي الدين و الايمان من هذه الجهة، اما اذا نظرنا اليها بكونها شخصية حقوقية ( كونها ملكة ) فحينئذ يصح تهديدها و توجيه التحذير اليها، و ذلك لانه لو لم يفعل النبي سليمان ذلك لكانت هذه المرأة – و تحت حماية منصبها القانوني ( كونها ملكة) – سدّا مانعا في طريق الكثير من الناس الذين يريدون الايمان، و حينئذ تتحول إلي مانع قوي امام تحقيق اهداف النبي و المتمثلة في ربط الناس بالله تعالي و الاخذ بيدهم الي توحيد الباري تعالي و الايمان به و عبادته بدلا عن عبادة الشمس ( وَجَدْتُها وَ قَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُون‏ )[6]. و من المعلوم ان من مهام الانبياء الرئيسية ازالت الموانع التي تعترض طريق المؤمنين او الذين يريدون الايمان، و من الواضح ان سليمان عليه السلام لم يجبرها علي الايمان في هذه الحالة أيضا و انما اراد ان يزيل المانع عن الناس والذي كانت الملكة تمثله هي وقواتها وجيوشها،اذا المسالة لاتتعدي ازالة المانع وهذا مما لاينافي الاية قطعا.

1