منذ سنتين

من زني زني به ولو في العقب من بعده

روي عن أبي جعفر (ع) أن كان فيما اوحي الله تعالي إلي نبيه موسي (ع) (من زني زني به ولو في العقب من بعده) ألا يتعارض مضمون الرواية مع الآية الكريمة { ولا تزر وازرة وزر أخري}؟


كثيرا ما يقع التنافي بين الروايات  بعضها مع البعض الآخر تارة ومع الآيات تارة أخري، وهنا يطرح علماء الاصول التساؤل التالي: ماذا نفعل اذا حصل التعارض؟ وفي مقام الجواب قالوا: ان التعارض ينقسم الي قسمين هما: 1- التعارض البدوي، اي التعارض الذي يحصل للوهلة الاولي وبمجرد الالتفات السريع، ولكن لو امعن النظر في القضية ودرست وبحثت من كل الجوانب يزول التعارض، مثلا عندنا رواية تنهي عن الشيء ورواية تجوز الشيء نفسه، هنا يحصل التعارض البدوي ولكنه تعارض يمكن حله، كيف؟ يقولون: نحمل الرواية الناهية علي الكراهة يعني ان الامر مكروه وهنا تصح الروايتان معا، وامثال ذلك كثير في الفقه وغيره، لسنا هنا في مقام بحثه. 2- التعارض المستقر، يعني التعارض الذي لايمكن حله، مثلا: رواية تنص علي ان هذا الفعل حرام والاخري تنص علي ان الفعل واجب، هنا يقول الاصليون لابد من رفض الروايتين معا اذا لم يوجد مرجح لاحدهما علي الاخري.[i]  وهنا نطرح السؤال التالي: الرواية التي ذكرتها من اي نوع من انواع التعارض؟ هل هي من النوع الاول، او من النوع الثاني؟ الجواب: بعد التسليم بصحة سند الرواية، نقول انها من النوع الاول، كيف؟ وذلك لانه من الممكن ان نجمع بين مفاد الاية الكريمة ومفاد الرواية من دون تنافي وذلك بان نقول: ان الاية الكريمة تخبر عن مسالة خاصة وهي ان في الامور الاختيارية لايتحمل انسان وزر انسان آخر، يعني ان الله تعالي شاءت ارادته تعالي ان يحاسب كل انسان بذنبه، فلوعصي الاب لايحاسب الابن ولوعصي الابن لايحاسب الاب او الام، اذا الاية الكريمة في مقام الحديث عن الثواب والعقاب الاخروي وليست ناظرة الي السنن التكوينية او الاجتماعية في الحياة الدنيا. اما الرواية الشريفة يمكن القول انها ناظرة الي امرين اساسيين هما: 1- العامل الاجتماعي: حيث تشير الي حقيقة واقعية،وهي ان الانسان الزاني والمخالف يكون بمثابة الميكروب في المجتمع، ولاشك ان هذا الميكروب يؤثر بالاخرين خاصة اذا شاعت الرذيلة وكثر الفساد، وهنا لايمكن للانسان الذي تسبب في هذا المرض ان يحمي عياله ومقربيه، كما لو ان الانسان اصيب بداء السل او الجذام فان الجرثوم يسري منه الي الآخرين واقرب المقربين شاء أم أبي، اذا الرواية ترشد الي حقيقة اجتماعية لاتتخلف ولايمكن انكارها، وهذا مايثبته علم كل من الاجتماع وعلم النفس وعلماء الاخلاق، ولاريب ان المقربين من الزاني يكونون اكثر عرضة للتاثر بالمرض، وذلك لانهم قريبين من الزاني من جهة ولان الزاني لكثرة مخالفته وزناه قد اعتاد هذا الامر فاصبح هينا عليه ولايري فيه اي مشكلة لذلك لايعير اهمية لعيالة واطفاله وهذا قطعا له مردود سلبي. 2- العامل الوراثي: من الثابت عند علماء الجينات والوراثة ان الجينات كما تنقل الصفات التكوينة مثل الطول والقصر ولون البشرة ووو كذلك تنقل الصفات الاخلاقية الذميمة مثل البخل والجبن ووو[ii]، ولاريب ان صفة التهور الجنسي والانحلال الاخلاقي والتعدي علي الاخرين وعدم الاهتمام بالعرض والناموس تنتقل هي الاخري الي نسل الانسان، فاذا انتقلت لاريب انها تؤثر اثرها، ولكن هذا لايعني ان ذلك يسلب الاختيار من الانسان بل يبقي مختارا ولكن كما يقولون فيه استعداد الانحراف اكثر من غيرة. وانت تعلم ان الارادة الالهية شاءت ان تجري الامور علي اساس الاسباب والمسببات، فمن شرب السم يموت حتي لو كان نبيا او اماما، ومن يشرب العسل يلتذ حتي لو كان كافرا. الخلاصة انه من الممكن الجمع بين الرواية والاية ولامنافاة بينهما.